التونسيون يتوجهون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار برلمانهم الجديد

توقعات أن يفرز الاقتراع العام مجلساً تشريعياً مقسماً

شرطي يقوم بتأمين عملية نقل الصناديق المخصصة للانتخابات البرلمانية التي تشهدها تونس اليوم (رويترز)
شرطي يقوم بتأمين عملية نقل الصناديق المخصصة للانتخابات البرلمانية التي تشهدها تونس اليوم (رويترز)
TT

التونسيون يتوجهون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار برلمانهم الجديد

شرطي يقوم بتأمين عملية نقل الصناديق المخصصة للانتخابات البرلمانية التي تشهدها تونس اليوم (رويترز)
شرطي يقوم بتأمين عملية نقل الصناديق المخصصة للانتخابات البرلمانية التي تشهدها تونس اليوم (رويترز)

يتوجه اليوم نحو سبعة ملايين ناخب تونسي إلى صناديق الاقتراع لاختيار 217 نائبا في البرلمان التونسي الجديد، من بين أكثر من 15 ألف مترشح، في ظل تبادل اتهامات بالحصول على دعم خارجي لثلاثة أطراف سياسية قوية، هي حزب «قلب تونس»، وحزب «النهضة»، وتحالف «عيش تونسي». علاوة على وجود المرشح للانتخابات الرئاسية في دورها الثاني نبيل القروي داخل السجن، وهو ما أثر على السير العادي للعملية الانتخابية برمتها.
وتخوض 1507 قائمات انتخابية المنافسات الانتخابية في جميع الدوائر، التي يصل عددها إلى 33 دائرة، منها 27 داخل البلاد، و6 في دول المهجر. وستكون للأغلبية الحزبية الفائزة فيها الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة الجديدة، ورسم سياسات البلاد لمدة خمسة أعوام لأن النظام السياسي في تونس برلماني معدل، أسند الدستور أغلب الصلاحيات فيه للبرلمان والحكومة المنبثقة عنه، وليس إلى رئيس الجمهورية، مثلما أوضح العميد السابق لكلية الحقوق في الجامعة التونسية الصادق بلعيد.
وانطلقت منذ أول من أمس عمليات تصويت التونسيين في الخارج، ومن المنتظر أن تتمخض عن انتخاب 18 نائبا برلمانيا، يمثلون الجالية التونسية في الخارج. وتتوزع القوائم إلى 163 قائمة ائتلافية ممثلة للتحالفات الحزبية، و687 قائمة حزبية، و722 قائمة مستقلة، وهو ما يضفي كثيرا من الضبابية على المشهد البرلماني المقبل، حسب بعض المراقبين، باعتبار أن «المستقلين» أطاحوا الأحزاب السياسية الكبرى، وعلى رأسها «حركة النهضة» و«نداء تونس»، وفازوا في الانتخابات البلدية التي أجريت في مايو (أيار) 2018، ويسعون اليوم لإعادة النجاح في سباقهم نحو البرلمان.
ويرى مراقبون أن نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية كشفت عن تراجع دور الأحزاب الرئيسية في التأثير على النتائج، وذلك بسبب اعتمادها على طرق الدعاية والتعبئة السياسية التقليدية، وهو ما عملت على تحاشيه خلال الانتخابات البرلمانية الحالية، معتمدة في ذلك على الدور المتنامي لشبكات التواصل الاجتماعي، التي أضحت من أهم محددات توجهات الناخبين، والتي لعبت دورا كبيرا في إيصال المرشح الرئاسي قيس سعيد إلى الدور الثاني من الانتخابات، رغم عدم تنظيمه حملة انتخابية بالمعنى التقليدي للدعاية السياسية.
وخلال حملة الانتخابات البرلمانية، التي امتدت من 14 من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لوحظ أن عدداً كبيراً من القوائم الانتخابية لم يتم عرضها، كما جرت العادة، في المواقع المخصصة لذلك وسط أحياء العاصمة، ما يرجح أن أصحابها فضلوا الدعاية السياسية في الفضاء الافتراضي، بدلاً من أرض الواقع. فيما اعتمدت قوائم انتخابية أخرى، وفق خبراء في مجال الاتصال، على «ميليشيات فيسبوكية» كانت أقرب إلى الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية في دورها الأول، وتمخضت عن انتخاب مرشحين للدور الثاني لم يكونا من الشخصيات الأوفر حظا، وهو ما فرض نسقا جديدا على المشهد السياسي التونسي.
وتوقع راشد الغنوشي، رئيس «حركة النهضة»، فوز حزبه وحزب «قلب تونس»، الذي يتزعمه المرشح المتأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية نبيل القروي، في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وحذر من سيناريو فوز المرشح، الذي قررت حركته دعمه للرئاسة قيس سعيد ونجاح حزب «قلب تونس» في الانتخابات البرلمانية. وقال في تصريحات سابقة إن ذلك «سيفرز تصادماً على رأس الدولة، وسيخلف تنافرا بين رأسي السلطة التنفيذية»، ملمحاً إلى إمكانية تجدد حالة الصدام، التي طبعت علاقة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مع رئيس حكومته يوسف الشاهد.
وأظهرت معظم عمليات سبر الآراء التي جرت خلال الأيام الماضية أن حزب «قلب تونس»، الذي يتزعمه نبيل القروي، يحظى بفارق كبير عن ملاحقيه من الأحزاب السياسية الكبرى، (نحو خمس نقاط)، وأنه سيتنافس بشدة مع حركة النهضة على المراتب الأولى. فيما يرى مراقبون أن القائمات الانتخابية المستقلة قد تمثل مفاجأة الانتخابات البرلمانية، على اعتبار أن عددها يقدر بـ722 قائمة انتخابية، وفي حال انتخاب رؤساء تلك القائمات الانتخابية، فإن البرلمان المقبل قد يشهد حالة جديدة من التشتت السياسي، الذي قد يعرقل عمل البرلمان الجديد.
أما في حال فوز حزب «قلب تونس» بالانتخابات البرلمانية، فإن نبيل القروي، المرشح الرئاسي للدور الثاني، فسيجد نفسه مرشحا من جديد لرئاسة الحكومة، وهي سابقة في تاريخ تونس.
في السياق ذاته، رجح عدد من المحللين في مراكز استطلاعات الرأي، مثل حسن الزرقوني مدير مؤسسة سيغما كونساي، أن يفرز الاقتراع العام اليوم «برلمانا مقسما وفسيفسائيا»، لن تحصل فيه أي قائمة حزبية على ثلث المقاعد، وهو الحد الأدنى المطلوب للحصول على ثقة البرلمان بالنسبة لأي رئيس حكومة وأعضائها.
ولذلك ستضطر كل القائمات الحزبية والمستقلة الفائزة، بحسب مراقبين، إلى الدخول في مشاورات بحثا عن تحالفات حتى تضمن تشكيل ائتلاف حكومي، لا يقل عدد أعضائه عن 109 نواب، مثلما أكد الخبير القانوني والحقوقي نوفل سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط».
وإذا فشل البرلمان الجديد طوال شهرين في المصادقة على تشكيلة حكومية، تتزعمها شخصية يرشحها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، فعندها يكلف رئيس الدولة شخصية ثانية من خارج هذا الحزب، وإن فشل في الفوز بثقة أغلبية النواب في ظرف شهرين يحل البرلمان، وتتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، حسب ما أوضحه الخبير القانوني الأكاديمي هيكيل بن محفوظ لـ«الشرق الأوسط».
لكن بعض المحللين السياسيين لا يستبعدون أن يسود منطق «التوافق» بعد الإعلان عن النتائج، على غرار ما حصل نهاية 2014 بين الرئيس الباجي قائد السبسي زعيم حزب النداء، وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، وأنصارهما رغم حالة الاحتقان بين الطرفين التي سادت قبل الانتخابات، وخلال عامي 2012 و2013.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.