انطلاق الانتخابات التشريعية التونسية غداً وتخوّفات من برلمان مشتّت

يتنافس فيها نحو 15 ألف مرشح على 217 مقعداً من أحزاب وائتلافات ومستقلين

شبان مؤيدون لحزب {قلب تونس} يوزعون منشورات الحزب في إطار حملة الانتخابات التشريعية في مدينة بنزرت (إ.ب.أ)
شبان مؤيدون لحزب {قلب تونس} يوزعون منشورات الحزب في إطار حملة الانتخابات التشريعية في مدينة بنزرت (إ.ب.أ)
TT

انطلاق الانتخابات التشريعية التونسية غداً وتخوّفات من برلمان مشتّت

شبان مؤيدون لحزب {قلب تونس} يوزعون منشورات الحزب في إطار حملة الانتخابات التشريعية في مدينة بنزرت (إ.ب.أ)
شبان مؤيدون لحزب {قلب تونس} يوزعون منشورات الحزب في إطار حملة الانتخابات التشريعية في مدينة بنزرت (إ.ب.أ)

يتوجه أكثر من سبعة ملايين ناخب في تونس غدا الأحد إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، ستكون تشكيلته مفتوحة على كل الاحتمالات، وذلك بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات رئاسية، أفرزت مفاجأة غير متوقعة بوصول منافسين من خارج النظام الحاكم إلى الدورة الثانية.
ويتنافس في الانتخابات النيابية الثانية منذ إقرار الدستور في 2014 نحو 15 ألف مرشح على 217 مقعدا في البرلمان من أحزاب وائتلافات ومستقلين متنوعين، ومن اتجاهات سياسية كثيرة.
ويقدر مراقبون أن يكون المشهد السياسي القادم في البلاد مشتتا بتركيبة برلمانية مشكلة من كتل صغيرة، وهو ما من شأنه أن يعقد عملية التوافق حول تشكيلة الحكومة القادمة، وذلك استنادا إلى نتائج الدورة الرئاسية الأولى، التي أفرزت مرشحين غير متوقعين، هما أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيّد، ونبيل القروي رجل الأعمال الموقوف بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي.
ولم تكن الحملات الانتخابية النيابية لافتة، بل كانت باهتة أحيانا، وذلك بسبب تغيير روزنامة الانتخابات بتقديم موعد الرئاسية على التشريعية، بسبب وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، بالإضافة إلى «صدمة» الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وفي هذا السياق، قال المحامي غازي مرابط المرشح عن جمعية «عيش تونسي» لوكالة الصحافة الفرنسية: «غالبية الأشخاص لا يعيرون اهتماما للانتخابات التشريعية».
كما كان لاستمرار سجن القروي، ورفض مطالب الإفراج عنه منذ توقيفه في 23 من أغسطس (آب) الماضي تأثير على المشهد الانتخابي، خاصة بعد أن تصدرت قضيته الجدل السياسي خلال الأيام السابقة.
وتعد الانتخابات البرلمانية الحالية مفصلية في تاريخ البلاد، التي تمر بأزمات اقتصادية واجتماعية خانقة منذ ثورة 2011. وقد أظهرت توجهات التصويت للدورة الرئاسية الأولى أن الناخبين التونسيين اختاروا اللجوء إلى «تصويت العقاب» ضد رموز المنظومة الحاكمة لأنها عجزت عن إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية، وخاصة فيما يتعلق بالبطالة وارتفاع الأسعار والتضخم.
وعرفت الانتخابات التشريعية الحالية دخول متنافسين جدد إلى جانب الأحزاب، على غرار المستقلين الذي يمثلون ثلثي القائمات المشاركة، ومن المنتظر أن يحدثوا مفاجأة، وأن يحصلوا على عدد مهم من المقاعد. وقد أثار ظهورهم القوي تخوف بعض الأحزاب، حيث دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى عدم التصويت لهم، معتبرا أن «التصويت للمستقلين تصويت للفوضى».
وتمكن حزب «قلب تونس» لمؤسسه نبيل القروي من تكوين قاعدة شعبية مهمّة، بفضل حملات التبرع والزيارات الميدانية، التي كان يقوم بها القروي للمناطق الداخلية منذ ثلاث سنوات، والتي وزع خلالها مساعدات، وسد فراغا تركته السلطات في هذه المناطق المهمشة.
كما يظهر حزب «ائتلاف الكرامة» كمنافس قوي على مقاعد البرلمان، بعد أن نال رئيسه المحامي سيف الدين مخلوف ترتيبا متقدما في الدورة الرئاسية الأولى، وحصد 4. 3 في المائة من الأصوات.
لكن تعدد الأحزاب واختلافها يجعلان من إنجاز بقية مراحل المسار الانتخابي صعبا، خصوصا أن تشكيل الحكومة يتطلب توافقا واسعا، ولذلك تظهر في الأفق بوادر نقاشات محتدمة من أجل التوافقات.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري: «من الممكن ألا تكون هناك غالبية من أجل تشكيل حكومة في الآجال التي ينص عليها الدستور».
في سياق ذلك، أكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات انطلاق عمليات التصويت للانتخابات البرلمانية أمس في دول المهجر بالنسبة للجالية التونسية المقيمة بالخارج، وكان أول مكتب اقتراع تم فتحه بوجه الناخبين في مدينة سيدني الأسترالية. ويقدر عدد الدوائر الانتخابية في الخارج بست دوائر، مقابل 27 دائرة انتخابية داخل تونس.
ومن المنتظر أن تسفر العملية الانتخابية، التي تستمر ثلاثة أيام، عن انتخاب 18 نائبا في البرلمان قصد تمثيل التونسيين في المهجر. وفي هذا الشأن قال نبيل بافون، رئيس هيئة الانتخابات، إن عدد المرشحين يقدر بـ530 مترشحا، يتوزعون على 165 قائمة انتخابية، مشددا على أن العملية الانتخابية تدور في أجواء عادية، وعبر عن أمله في تحسن نسبة المشاركة، خاصة أنها لم تتجاوز حدود 20 في المائة في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية.
وبخصوص الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية، أوضح بافون خلال مؤتمر صحافي، عقده أمس في قصر المؤتمرات بالعاصمة، أن المرشح القروي طالب بمقابلة الهيئة الانتخابية حتى يكون ملمّا بسير العملية الانتخابية، وقال إن الهيئة قامت بالفعل بزيارته ولقائه، قصد بحث سبل قيامه بحملته الانتخابية الرئاسية، لتكون على قدم المساواة مع منافسه قيس سعيد.
في غضون ذلك، أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي إذنا يمكن القروي من إجراء حوار صحافي، أو لقاء تلفزي من داخل مقر سجن المرناقية (غرب العاصمة)، احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص، وهو ما قد يجنب السباق الرئاسي إمكانية الطعن في نتائجه من قبل القروي.
في السياق ذاته، دعا نور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة، إلى التصويت لقيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، ولحركة النهضة في الانتخابات البرلمانية. مشددا على أن التصويت لغيرهما سيكون تصويتا لـ«المافيا وقوى الاستعمار»، على حد تعبيره.
يذكر أن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية أكدت دعمها لقيس سعيد في الدور الثاني من السباق الرئاسي، مما جعل الاستقطاب الثنائي يطفو من جديد من خلال شق يدعم قيس سعيد، وشق ثان يحاول تقديم الدعم لنبيل القروي.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم