مارتين فيزكارّا... رئيس بيرو المعتدل في «صراع صلاحيات» مع شعبويي البرلمان

مارتين فيزكارّا... رئيس بيرو المعتدل في «صراع صلاحيات» مع شعبويي البرلمان
TT

مارتين فيزكارّا... رئيس بيرو المعتدل في «صراع صلاحيات» مع شعبويي البرلمان

مارتين فيزكارّا... رئيس بيرو المعتدل في «صراع صلاحيات» مع شعبويي البرلمان

في خطوة متقدمة من الصراع الدائر منذ 3 سنوات بين السلطتين الإجرائية والاشتراعية في بيرو، أقدم رئيس الجمهورية مارتين فيزكارّا مطلع هذا الأسبوع على حل البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة اليمينية، بقيادة حزب «القوة الشعبية» الذي تتزعمه ابنة الرئيس الأسبق ألبرتو فوجيموري (المتحدر من أصول يابانية)، وقرّر الدعوة لإجراء انتخابات عامة مبكّرة مطلع العام المقبل.
فيزكارّا، وهو سياسي ومهندس مستقل معتدل محسوب على يمين الوسط والليبراليين، استند في قراره إلى المادة 134 من الدستور، التي اعتبر أنها تجيز له حلّ البرلمان بعد رفضه للمرة الثانية على التوالي اقتراحاً رئاسياً لتعديل إجراءات تعيين أعضاء المجلس الدستوري.

مدريد: شوقي الريّس
الأزمة التي تفجرّت أخيراً في بيرو بين رئيس الجمهورية والبرلمان لها خلفيات سياسية لا تنفصل عن مشاكل عدد من دول أميركا اللاتينية، لا سيما إساءة استخدام السلطة والفساد وطراوة عود الديمقراطية في ظل خطر التدخلات العسكرية.
في بيرو، كانت المعارضة، بقيادة كيكو فوجيموري (44 سنة)، التي تمضي حالياً عقوبة بالسجن الاحترازي لفترة 18 شهراً رهن التحقيق والمحاكمة بتهمة غسل الأموال، تناور منذ أسابيع من أجل تعيين قضاة موالين لها في المحكمة الدستورية.
وقال فيزكارّا (56 سنة) عند إعلانه قراره: «فليكن الشعب هو صاحب القرار النهائي لمعرفة من هو على حق: الغالبية البرلمانية التي أقرر اليوم حلّها لمنعها السلطة التنفيذية من القيام بعملها، أو الحكومة التي تحتاج لأغلبية جديدة للقيام بواجباتها الدستورية».
وكان البرلمان قد رفض يوم الاثنين الماضي مناقشة اقتراح تقدم به رئيس الجمهورية، عن طريق الحكومة، لتعديل النظام الأساسي للمحكمة الدستورية. وقرر انتخاب أحد الأعضاء المحسوبين على المعارضة التي رجحت كفتها داخل المجلس الدستوري الذي يُنتظر أن يبتّ قريباً في مجموعة من قضايا الفساد الحسـّاسة التي تطال سياسيين، من بينها الطعن المقدّم في قرار المحكمة الذي قضى بسجن فوجيموري.

الإنذار بحل البرلمان
في نهاية الأسبوع الماضي، وجّه فيزكارّا تحذيراً إلى البرلمان بأنه سيُقدم على حل المجلس النيابي والدعوة لانتخابات جديدة إذا أصرّت المعارضة على رفضها مناقشة اقتراح تعديل إجراءات تعيين قضاة المجلس الدستوري لاعتماد غالبية الثلثين من أعضاء البرلمان لاختيارهم. لكن المعارضة اليمينية أصرّت على موقفها وقرّرت اختيار أحد القضاة الموالين لها وفقاً للنظام الداخلي المعمول به حالياً في المحكمة. وقال فيزكارّا إن قراره حل البرلمان هو ثمرة «سياسة التعنّت والعرقلة المتعمّدة التي تمارسها المعارضة باستمرار لشلّ عمل الحكومة ومنعها من إجراء الإصلاحات اللازمة، ولتعذّر التوصّل إلى حل في الظروف الراهنة». وبعد ساعات من إعلان الرئيس عن قراره، ردّت المعارضة البرلمانية باتخاذ قرار يقضي بتعليق رئاسته مؤقتاً وتعيين نائبته مرسيدس آراوز في منصبه، خلال جلسة لم يشارك فيها سوى نواب المعارضة.
وشهدت العاصمة ليما ومعظم المدن الكبرى في بيرو مظاهرات مؤيدة لقرار فيزكارّا بينما كان البرلمان يصوّت لتكليف نائبته ويدعوها إلى أداء القسم الدستوري بعد إعلان «العجز الأخلاقي المؤقت» للرئيس. وفي حين أكدت أوساط قانونية أن دستور بيرو لا يلحظ مثل هذه الصلاحيّة للبرلمان، صدر عن قيادة القوات المسلحة بيان يؤيد شرعيّة رئاسة فيزكارّا، وعقبه بيان مماثل صدر عن قيادة الشرطة.

الفضائح المالية
وتجدر الإشارة إلى أن المساعي الحثيثة التي تبذلها المعارضة منذ فترة من أجل «السيطرة» على المحكمة الدستورية، تتزامن مع اقتراب موعد مثول أحد الشهود الرئيسيين في قضية «لافا جاتو» أمام المحكمة، حيث ينتظر أن يدلي باعترافات موثّقة حول دفع مبالغ مالية ضخمة لعدد من أقطاب المعارضة السياسية ومساعدات لتمويل حملاتهم الانتخابية.
يذكر أن هذه القضية التي كشفت عن حالات كثيرة من الفساد المالي طالت سياسيين في عدد من بلدان أميركا اللاتينية، انطلقت منذ 4 سنوات من البرازيل، وكان من أبرز ضحاياها الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيغناسيو لولا الذي ما زال يقضي عقوبة بالسجن لمدة 12 سنة.
جدير بالذكر، أن اللجنة الأميركية لحقوق الإنسان كانت قد نظرت خلال اجتماعها الأخير في الشكاوى التي قدمتها حكومة بيرو وهيئات حقوقية ضد المعارضة البرلمانية، وذلك لمحاولة المعارضة تغيير ميزان القوى داخل المحكمة الدستورية بهدف التأثير على قراراتها حيال الطعون التي قدّمها محامو الدفاع عن عدد من السياسيين والرؤساء السابقين الذين يخضعون للتحقيق في قضايا الفساد وغسل الأموال.

مواجهة مفتوحة
تشكّل هذه الأزمة ذروة المواجهة المفتوحة بين الحكومة والبرلمان منذ الانتخابات البيروفية العامة التي أجريت في عام 2016 وأسفرت عن فوز ساحق لحزب «القوة الشعبية» وانتخاب بيدرو بابلو كوزينسكي (البولندي الأصل) رئيساً للجمهورية. لكن مع اندلاع فضيحة «لافا جاتو» عن طريق شركة «اوديبريخت» البرازيلية الضخمة للمقاولات التي كانت تدفع مبالغ ضخمة لرشوة سياسيين في عدد من بلدان أميركا اللاتينية، من بينها بيرو، اضطر كوزينسكي للاستقالة بعد ثبوت ضلوعه في عمليات الفساد وصدور حكم بإيداعه السجن. وعلى الأثر، تولى الرئاسة مارتين فيزكارّا، نائب كوزينسكي، الذي جعل من مكافحة الفساد المستشري العنوان الرئيسي لولايته، وسعى إلى إقرار مجموعة من القوانين والإصلاحات التي اصطدمت بمعارضة شديدة في البرلمان الذي يخضع 17 في المائة من أعضائه لملاحقات قانونية. وفي المقابل، سعى حزب «القوة الشعبية» منذ ذلك الوقت إلى استخدام سيطرته على الغالبية في البرلمان للضغط على الحكومة ومحاولة الإمساك بزمام المبادرة في إدارة البلاد انطلاقاً من السلطة التشريعية، ما أثار موجة واسعة من الاستياء في الأوساط الشعبية، ودفع الرئيس إلى استخدام الصلاحيات الاستثنائية التي منحها الدستور له لحل البرلمان، ودعا إلى إجراء انتخابات مسبقة في 26 يناير (كانون الثاني) المقبل.
وفي الرسالة التي وجّهها فيزكارّا إلى مواطنيه عند إعلانه حلّ البرلمان، دافع الرئيس عن قراره قائلاً إن «بناء نظام ديمقراطي وطيد يقتضي تعزيز المؤسسات وليس استغلالها لأغراض مشبوهة.
مؤسسات الدولة هي ملك لكل المواطنين وليس لجماعات معيّنة، مهما بلغ شأن تمثيلها السياسي في البرلمان». وما يستحق الذكر هنا، أن فيزكارّا كان قد طرح مطلع الصيف الماضي إجراء استفتاء شعبي لتعديل الدستور وتقديم موعد الانتخابات لمنتصف العام المقبل كمخرج من الأزمة المستعصية الناشئة عن الصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، غير أنه اصطدم برفض قاطع من المعارضة البرلمانية لاقتراحه. وتفيد استطلاعات الرأي الأخيرة بأن 70 في المائة من المواطنين يؤيدون قرار الرئيس بحل البرلمان، وأن 84 في المائة يعترضون على أداء المجلس النيابي وممارساته التعطيلية.
ويرى مراقبون أن هذا الصدام يدفع بيرو نحو أزمة عميقة مفتوحة على احتمالات خطيرة ليس مستبعداً أن يكون للقوات المسلحة دور فيها. فالرئيس، من ناحيته، يعتبر أن خطوته هي السبيل الوحيدة لإخراج البلاد من حال الشلل السياسي الذي تعاني منه منذ وصوله إلى الحكم، في حين تعتبر المعارضة قراره بمثابة انقلاب على المؤسسات وعلى الإرادة الشعبية.

أين يقف الجيش؟

ورغم أن القيادات العسكرية والأمنية العليا سارعت إلى تأكيد ولائها التام لفيزكارّا بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلّحة، ما يوحي في الظاهر بسقوط احتمالات تدخل الجيش في الأزمة خارج الأطر المرسومة ضمن الدستور، فإن أوساطاً دبلوماسية تعتقد أن موقف القيادات العسكرية العليا قد لا يعكس بالضرورة ما يعتمل فعلاً في الصفوف المتوسطة بين الضبّاط الذين يميل كثير منهم إلى قوى المعارضة.
منظمة الدول الأميركية، في أوّل موقف لها من الأزمة، عدّت أن «الدعوة لإجراء الانتخابات خطوة بنّاءة ضمن أحكام الدستور، وأن القرار النهائي يعود للشعب البيروفي، الذي هو مصدر السلطة، وبالتالي، صاحب الكلمة الفصل في حسم الأزمة عن طريق الاقتراع». لكن المنظمة دعت في المقابل، المحكمة الدستورية إلى النظر في «شرعيّة القرارات الصادرة عن المؤسسات، وفي التباين المحتمل بين التأويلات الدستورية».
من جهة ثانية، وبينما كان فيزكارّا يعلن عن تكليفه وزير العدل فيسنتي سيبايّوس بتشكيل حكومة جديدة، عُلم أن وزيري الخارجية والاقتصاد الحاليين لن يشاركا فيها لاعتراضهما على قراره حل البرلمان وقربهما من الغالبية البرلمانية المعارضة، حصل تطوّر مفاجئ أدّى إلى تخفيف الاحتقان السياسي الذي تعيشه بيرو منذ مطلع هذا الأسبوع.
إذ أعلنت نائبة رئيس الحكومة مرسيدس آراوز، اعتذارها عن قبول قرار البرلمان بتكليفها القيام بأعمال رئيس الجمهورية، معدّة «أن الظروف ليست متوافرة راهناً لتولّيها المنصب»، وأن الجلسة البرلمانية التي جرى فيها التصويت على القرار غير مستوفاة الشروط القانونية الكافية.
وللعلم، فإن أسباب الاضطرابات السياسية التي تشهدها بيرو منذ سنوات، على غرار كثير من بلدان أميركا اللاتينية، تعود بنسبة كبيرة إلى الفساد المالي والسياسي المستشري، وأيضاً إلى الدور النشط الذي تقوم به الأجهزة القضائية في كشف حالات الفساد وملاحقة مرتكبيها.
ومن اللافت أن جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على بيرو منذ عام 2001 وحتى اليوم جارٍ التحقيق معهم ضمن ملاحقات قضائية بتهم الفساد المالي وسوء استخدام السلطة.
وكانت السلطات الأميركية قد ألقت القبض في يونيو (حزيران) الماضي على الرئيس البيروفي اليميني الأسبق آليخاندرو توليدو في ولاية كاليفورنيا، تنفيذاً لطلب استرداد صادر في حقه بعدما فرّ من بيرو في أعقاب صدور قرار من المحكمة بسجنه 18 شهراً بتهمة قبوله رشوة مالية ضخمة من شركة المقاولات البرازيلية لتسهيل حصولها على عقود ضخمة في بيرو إبان ولايته. وكانت النيابة العامة البيروفية قد طلبت إنزال عقوبة السجن لمدة 16 سنة بالرئيس السابق أويانتا أومالا (يسار الوسط) و26 سنة بزوجته لضلوعهما في فضائح مالية واختلاس الأموال العامة. يذكر أنه عندما داهمت الشرطة والنيابة العامة منزل الرئيس الأسبق آلان غارسيّا تنفيذاً لمذكرة جلب في حقّه بتهمة غسل الأموال والرشوة، أقدم على الانتحار بإطلاقه النار على نفسه داخل منزله بالعاصمة ليما.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».