لبنان محاصر بأزمات الخبز والدواء والمحروقات

ارتفاع سعر صرف الدولار يهدد بانفجار شعبي

لبنان محاصر بأزمات الخبز والدواء والمحروقات
TT

لبنان محاصر بأزمات الخبز والدواء والمحروقات

لبنان محاصر بأزمات الخبز والدواء والمحروقات

ثلاثة عقود مرّت على انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، لكن مآسي اللبنانيين لم تنته بعد، بل تتنقل من أزمة إلى أخرى، بدءاً من الكهرباء إلى الاتصالات والمياه والنفايات وقطاع النقل. أما أحدثها، فهي الأزمة الاقتصادية والمالية التي تنذر بانفجار شعبي، بدأت ملامحه تظهر في تحركات شعبية على الأرض، وتهدد بقلب الطاولة، في حين تلجأ الدولة جرياً على عادتها إلى الحلول المؤقتة و«الترقيعية»، التي تخدّر الناس لأشهر قليلة، قبل أن تعود لتنفجر في مكان آخر.
جديد المآسي التي يتخبّط فيها اللبنانيون الآن، مثلثة الأضلاع: أولها أزمة المحروقات التي ستفتتح الأسبوع المقبل على إضراب مفتوح هدّد به أصحاب المحطات. والثانية إمكانية توقف الأفران والمخابز عن العمل. والثالثة - وهي الأخطر - ملامح أزمة في استيراد الأدوية...
الأزمات كلّها مرتبطة بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملة الوطنية، لأن التجّار يشترون المواد بالدولار ويبيعونها للمستهلك بالليرة اللبنانية، في ظلّ عدم قدرة مصرف لبنان المركزي على الإمساك بهذه اللعبة.
وبعدما أقفلت بوجهها كل سبل الحلّ، قررت نقابة أصحاب المحطات وأصحاب الصهاريج وموزعو المحروقات الإضراب يوم الاثنين المقبل، ما لم تسفر الاتصالات الجارية عن حلول ترضي العاملين في القطاع.
ولقد اجتمعت الجمعية العمومية لأصحاب المحطات أمس، في منطقة الحازمية (ضواحي بيروت الشرقية) بحضور رئيس النقابة سامي البراكس ورئيس نقابة الصهاريج إبراهيم سرعيني وممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا وعدد كبير من أصحاب المحطات والصهاريج. وإثر انتهاء النقاش أعلن البراكس أن الجمعية «اتخذت قراراً بالأكثرية، يقضي بإعطاء مهلة 48 ساعة للحكومة». وأردف: «نحن التقينا صباحاً الشركات (الموزعة للمحروقات أو الوقود) وبحثنا في الأمر وهي في انتظار حل المشكلة. وسيكون البيع والشراء بالليرة اللبنانية، والإضراب سيكون يوم الاثنين تحذيرياً، إفساحا في المجال أمام الاتصالات الجارية على أكثر من صعيد، ونتمنى أن يكون الإضراب كاملاً». ومن جانبه، أيّد رئيس نقابة الصهاريج إبراهيم سرعيني، اللجوء إلى الإضراب يوم الاثنين «ما لم تحل المشكلة، والصهاريج ستكون أمام الشركات من الساعة السادسة صباحاً». في حين تحدث فادي أبو شقرا باسم موزعي المحروقات فأكد «التزام الإضراب وضرورة التسعير بالليرة من الشركات ومنشآت النفط التابعة للدولة».
أزمة محروقات مفتوحة
إذن، يتجه لبنان نحو أزمة محروقات مفتوحة ابتداء من صباح الاثنين (بعد غدٍ)، وبخاصة، بعدما أعلن نقيب أصحاب محطات الوقود سامي البراكس أن «الشركات ستتوقف الاثنين عن توزيع المحروقات إلى محطات الوقود، ما سيؤدي إلى إفراغها من أي نقطة بنزين». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «النقابة بذلت المستحيل مع رئيس الحكومة سعد الحريري للوصول إلى حلّ، ولإقناع الشركات الموزعة بقبض ثمن المحروقات بالليرة اللبنانية، لكنه لم يتوصل إلى حلّ معهم». وتابع: «لن نقبل أن نستمرّ في شراء المحروقات بالدولار، ونبيعها للمستهلكين بالليرة اللبنانية، وبالتسعيرة الثابتة التي تحددها وزارة الطاقة ما يؤدي إلى خسارتنا». ثم استدرك فقال: «إذا تلقينا جواباً من رئيس الحكومة يتضمّن حلّاً مقنعاً، لا مشكلة، وإلا فسندخل بإضراب مفتوح والمحطات لن يبقى فيها نقطة بنزين».
لعنة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، لا تتوقّف على المحروقات، بل انسحبت على الأفران، وباتت تنذر بأزمة خبز. إذ شكا رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان كاظم إبراهيم من «الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ولا سيما الوضع النقدي الذي أثر سلبا على عمل المخابز والأفران، حتى بات صعباً على أصحاب هذه المؤسسات تسديد المستحقات المترتبة عليها بالدولار الأميركي بسبب فقدان هذه العملة من الأسواق». وأشار إبراهيم في بيان إلى أن «الأفران تبيع الخبز ومشتقاته بالليرة اللبنانية، في حين أنه يتوجب عليها تسديد ثمن الطحين وباقي المواد المستعملة في صناعة الرغيف بالدولار الأميركي، مثل الخميرة، والسكر، والنايلون، وقطع الغيار والمازوت (وقود الديزل)، لا سيما أن الموردين لا يقبلون التسديد إلا بالعملة الأجنبية، الأمر الذي يلحق خسائر فادحة بأصحاب المخابز والأفران نتيجة التحويل من الليرة إلى الدولار، وهذا ليس في قدرتهم تحمله في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة».
وأضاف نقيب الأفران، أن «الاتحاد سيدعو الجمعية العمومية لأصحاب المخابز والأفران للانعقاد قريباً، لاتخاذ القرار المناسب لمواجهة هذه الأزمة». وتابع إبراهيم: «أمام هذا الواقع المزري لم يعد باستطاعة قطاعنا تحمل الخسارة تلو الأخرى نتيجة لسياسات لا دخل لنا فيها، بل نتلقى نتائجها السلبية والتي قد تؤدي إلى توقف العمل في مؤسساتنا. لذلك فإن اتحاد نقابات المخابز والأفران يحذر جميع المسؤولين من أن أصحاب الأفران قد يتوقفون عن العمل قسرياً وليس بإرادتهم، بل بفعل الأزمة التي يمر بها القطاع بسبب الوضع الاقتصادي في البلاد».

التلاعب بسعر الدولار
وإزاء تنامي موجة الملاحقات القضائية لعدد من الصرافين، بحجة التلاعب بسعر صرف الدولار، وتداوله بسعر مرتفع في البيع والشراء، بخلاف السعر الرسمي المحدد من مصرف لبنان، عبّرت نقابة الصرافين عن استنكارها ورفضها، لما سمته «الغبن والإجحاف الحاصلين بحق الصرافين، والنيل من سمعتهم وملاحقتهم من عدة جهات قضائية وأمنية، نتيجة تقلب سعر صرف الليرة مقابل الدولار». وأوضحت في بيان أنها «ستعلن قرارها بتوقف كامل قطاع الصرافة عن العمل وصولا إلى إقفال محلاتها إذا استمر تجاهل حقيقة نشاطها القانوني واتهامها المجحف».
وفي قراءته لمشهد الإضرابات المتصاعدة، في مختلف القطاعات الأساسية، المتعلّقة بالحياة اليومية للمواطن اللبناني، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي، أن «التعميم الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لجهة تأمين تمويل بالدولار لثلاث سلع أساسية أي المحروقات والدواء والطحين، لا يتناسب مع طبيعة عمل المستوردين»، مشيراً إلى أن التعميم «يطالب المستورد بالتصريح عن كامل البضاعة التي يريد استيرادها، بينما المستورد يؤمن طلبياته من الخارج على دفعات».
وأكد يشوعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تعميم البنك المركزي هو اعتراف صريح بسقوط تثبيت سعر صرف الليرة». وأوضح: «لا يوجد مصرف مركزي في العالم، مهما بلغت قوته واحتياطه النقدي، أن يثبت سعر الدولار، إذا كان يعمل ضمن نظام اقتصادي حرّ». وتابع شارحاً أن «المصرف المركزي لن يصمد طويلاً بهذه السياسة، وعليه أن يعترف بالأزمة، وبالدوامة التي وقع فيها لبنان نتيجة هذه السياسة، لأنه بعد سنوات ومن المراوغة دقّت ساعة الحقيقة». وعزا الخبير الاقتصادي تفجّر هذه الأزمة إلى «تدني نسبة التحويلات بالدولار من الخارج إلى لبنان، وتراجع الاستثمارات بشكل كبير، وإقفال الباب على الاقتراض الخارجي، واستمرار عجز الموازنة والهدر والفساد». واعتبر يشوعي أن «الخطأ الفادح ارتكبته الحكومات المتعاقبة، التي تسببت في ديون تقارب الـ100 مليار دولار، من دون بناء اقتصاد منتج».

اجتماعات ومشاورات
هذه الأزمات المتلاحقة، كانت أيضاً مدار بحث في الاجتماع الذي عقده وزير الصناعة اللبناني وائل أبو فاعور، مع رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس على رأس الجمعية، في حضور رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد. ولقد أكد عربيد أن الاجتماع «عقد انطلاقاً من حرص وزير الصناعة على تأمين التوازن بين القطاعات الاقتصادية والمصلحة العامة من موقعه السياسي والوزاري، وتعويلاً على إدراكه لدقّة المرحلة، آملاً بأن تكون الانعطافة في الاقتصاد مرنة وفي إطار عملية تشاركية تستوعب الجميع ولا تترك ارتدادات على المستوى الاجتماعي». كما عبّر الشماس عن «نيات التجار الحسنة تجاه شخص الوزير أبو فاعور وتجاه الصناعة اللبنانية»، متمنّياً أن «تؤخذ القرارات الاقتصادية بطريقة تكاملية ولا تؤدي إلى إلحاق الضرر بقطاع على حساب آخر»، داعياً إلى «حماية الصناعة اللبنانية ولكن ليس على حساب القطاع التجاري».
أما الوزير أبو فاعور، فذكّر بأن «الخلاف العميق بالنظرة الاقتصادية هو حول دور لبنان»، مشدداً على أن «النهج القديم السائد والقائم على الريع والتجارة فقط، لا يمكن أن يستمر». وإذ دعا التجار إلى «اعتماد الحوار الهادئ البعيد عن الانفعال»، نصحهم «بعدم تحويل مشكلتهم إلى مشكلة مع وزارة الصناعة ولا مع الصناعيين». وكشف عن «تدابير إضافية تتعلق بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع البلدان التي تعرقل تصدير منتجاتنا إليها».
وأثار وفد التجار مع وزير الصناعة «الإجراء الذي اتّخذته إدارة الجمارك مؤخراً فيما يتعلق بطلب تصديق فواتير البضائع المستوردة من السفارات في الخارج، بهدف منع التهرّب الضريبي والجمركي ومنع التلاعب بالفواتير وبقيمة البضاعة المستوردة وبالتالي لمنع التهرّب الضريبي». واعترف أبو فاعور بأن «هدف التدبير نبيل ولكن لدى التجار والصناعيين والمستوردين ملاحظات حول صعوبة واستحالة تطبيق التدبير».
الحوار... لا التحريض
وأعلن أبو فاعور، من جهته، أن «المخرج من الأزمة هو بالحوار الاقتصادي وليس بالشكوى والتحريض على بعضنا لدى السفارات، ولا تحريض الرئاسات (الجمهورية ومجلس النواب والحكومة) على الإجراءات التي تقوم بها وزارة الصناعة، فلا يمكن الاستمرار في النهج الاقتصادي الحالي، بل نحتاج إلى تغيير جذري في النهج الاقتصادي الحال».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.