«داعش» يكثف هجماته على الأحياء الشيعية من بغداد لإرباك «الحشد الشعبي»

قائد عسكري لـ «الشرق الأوسط»: صرنا نعرف خطط التنظيم وهو يعرف خططنا

عراقيون يعاينون أمس مخلفات تفجير سيارتين مفخختين في منطقة الحرية ببغداد (أ.ب)
عراقيون يعاينون أمس مخلفات تفجير سيارتين مفخختين في منطقة الحرية ببغداد (أ.ب)
TT

«داعش» يكثف هجماته على الأحياء الشيعية من بغداد لإرباك «الحشد الشعبي»

عراقيون يعاينون أمس مخلفات تفجير سيارتين مفخختين في منطقة الحرية ببغداد (أ.ب)
عراقيون يعاينون أمس مخلفات تفجير سيارتين مفخختين في منطقة الحرية ببغداد (أ.ب)

بينما سجل الوضع الأمني في بغداد وعدد من المحافظات والمدن الوسطى والجنوبية تراجعا ملحوظا خلال الأيام القليلة الماضية من خلال السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وقذائف الهاون لا سيما ضد الأحياء والمدن الشيعية، أعلنت قيادة عمليات بغداد أمس أن قواتها تواصل التقدم داخل حدود محافظة الأنبار من جهة ذراع دجلة شمال غربي بغداد.
ونقل تلفزيون «العراقية» الرسمي عن قيادة «عمليات بغداد» قولها إن «القوات الأمنية تواصل تقدمها في حدود محافظة الأنبار بدعم من الطيران العراقي والدولي ومتطوعي الحشد الشعبي»، من دون إبداء مزيد من التفاصيل عن سير المعارك في تلك المناطق.
وتعطي محاولات «داعش» الضغط على بغداد سواء من الداخل، حيث استهداف الأحياء ذات الغالبية الشيعية بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة فضلا عن قذائف الهاون، أو التأثير في مناطق حزام بغداد ذات الغالبية السنية، رسالة عن اقترابهم مسافات ليست بعيدة عن العاصمة. وفي هذا السياق، أكد قائد عسكري عراقي ميداني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته، أن «القتال بين القوات العراقية وتنظيم (داعش) أصبح معروفا للطرفين إلى الحد الذي باتوا يعرفون فيه المزيد عن خططنا العملياتية ونحن في المقابل بتنا نعرف الكثير مما يرمون إليه بسبب اقتراب العديد من قطعاتنا مع قطعاتهم، بالإضافة إلى الأسرى المتبادلين بين الطرفين، وبهذا الشكل يحصل كل طرف على معلومات عن الطرف الآخر». وأضاف القائد العسكري إن «تنظيم (داعش) بات يعرف أن الضربات الجوية للطيران الحربي، سواء العراقي أو الدولي، لم يعد ممكنا التعامل معها بالأساليب التقليدية التي كانوا يتبعونها، ولذلك هم بدأوا الآن إما يتخفون بين الناس في محاولة لإيهام الطيران، أو يعملون على إحداث خرق أمني بالقرب من بغداد لكن ليس عن طريق التقدم كأرتال عسكرية، بل بأساليب أخرى بالاستفادة من إمكاناتهم في عمليات التفخيخ والعمليات الانتحارية».
ويشير القائد العسكري إلى أن «(داعش) على اطلاع على قدراتنا القتالية التي هي مزيج من القوات النظامية والحشد الشعبي أو الميليشيات المسلحة، وبالتالي فإنه سعى إلى إحداث خرق داخل العاصمة لكي تعود الميليشيات المسلحة إلى مناطقها وتتولى حمايتها في هذا الوقت بالذات قبل أن يزداد تأثير الضربات الجوية على التنظيم ويقلل فاعليته».
وكانت أحياء شيعية من بغداد وعدة مدن وسطى وجنوبية شهدت خلال اليومين الماضين هجمات منسقة بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وقذائف مدفعية أدت إلى مقتل وجرح العشرات من المواطنين. وشملت الهجمات محافظات بابل وكربلاء والبصرة وأحياء الحرية والدولعي والشعب من بغداد.
من جانبه، يرى المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية العراقية، اللواء عبد الكريم خلف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحاجة باتت ماسة لكي تكون ضربات طائرات التحالف الدولي أكثر تركيزا على تنظيم (داعش) لا سيما في المناطق التي تشهد عمليات قتالية هي عبارة عن كر وفر منذ فترة». وأضاف خلف أن «الكثير من الضربات الجوية تحصل غالبا في مناطق بعيدة عن العمليات العسكرية مثل المعسكرات أو المخازن، وهي على أهميتها، فإن فاعليتها أقل من الضربات التي توجه إلى عناصر التنظيم في مناطق باتت معروفة على خارطة العمل العسكري سواء بالقرب من حزام بغداد، أو تلك العمليات التي تجري في تكريت أو الموصل أو غيرها». وأمس، قتل 11 شخصا على الأقل وأصيب العشرات في تفجير انتحاري بسيارة مفخخة استهدف سوقا شعبية في منطقة بغداد الجديدة جنوب شرقي العاصمة، بحسب مصادر أمنية وطبية. وأوضحت المصادر أن «انتحاريا فجر سيارته فترة اكتظاظ السوق في منطقة بغداد الجديدة، مما أسفر عن مقتل 11 شخصا وإصابة 34 آخرين».
من ناحية ثانية، أعلنت الأمم المتحدة في بيان أمس أن عدد القتلى نتيجة أعمال العنف الدائرة في العراق بلغ 1119 شخصا خلال الشهر الماضي، في حصيلة لا تشمل محافظة الأنبار وقتلى المتشددين. وقالت بعثة الأمم المتحدة في العراق بأن الحصيلة تشمل 854 مدنيا و265 عنصرا من قوات الأمن قتلوا في شهر سبتمبر (أيلول)، فيما أصيب نحو ألفي شخص بجروح. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن حصيلة سبتمبر أقل من حصيلتي قتلى يوليو (تموز) وأغسطس (آب) إذ بلغ عدد القتلى في الشهرين 1737 و1420 على التوالي.
لكن الأمم المتحدة أكدت أن حصيلة سبتمبر لا تشمل محافظة الأنبار. وتشهد المناطق الواقعة في غرب البلاد أسوأ أعمال العنف، حيث شهدت محافظة الأنبار هجوما على قاعدة للجيش في منطقة الصقلاوية أسفرت عن مقتل المئات من الجنود.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.