اعتقالات واسعة في الضفة الغربية

TT

اعتقالات واسعة في الضفة الغربية

شن الجيش الإسرائيلي وقوات خاصة تابعة له، حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية طالت أكثر من 15 فلسطينيا، قال الجيش إنه يشتبه بضلوعهم في «نشاطات إرهابية»، ضد المدنيين الإسرائيليين وقوات الأمن.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنه «خلال ساعات الليلة، اعتقلت قواتنا في منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، 13 مطلوباً فلسطينياً يشتبه في ضلوعهم بنشاطات إرهابية وإرهابية شعبية وأعمال شغب عنيفة ضد المدنيين الإسرائيليين وقوات الأمن».
وأضاف في تغريدة له عبر حسابه على موقع «تويتر»: «كما وخلال أعمال تمشيط بحثاً عن أسلحة غير قانونية، ضبطت القوات في نابلس سلاحاً ونقلته إلى قوات الأمن». ولاحقا، اختطفت قوة إسرائيلية خاصة ثلاثة مواطنين من بلدة كوبر، شمال مدينة رام الله. وقالت مصادر محلية إن قوة إسرائيلية خاصة اقتحمت البلدة، واختطفت الأشقاء الثلاثة قسم ونسيم وأصيل البرغوثي، بعد مداهمة منزلهم والعبث بمحتوياته.
وألمحت «القناة 13» الإسرائيلية أن من بين المعتقلين، أحد أعضاء الخلية التي نفّذت عملية «دوليف» قبل نحو شهر ونصف، وفيها قُتلت المستوطنة الإسرائيلية رينا شنريف، وُجرح والدها وشقيقها. وأضافت أنه تم أخذ جميع المعتقلين لاستجوابهم.
وكان الجيش اعتقل الشهر الماضي أعضاء خلية رام الله، وقال بأنهم خططوا لتنفيذ عمليات أخرى منها خطف وإطلاق نار. وتعرض قائد الخلية هو سامر عربيد من رام الله، وعمره (44 عاما)، إلى التعذيب الشديد قبل أن يحول إلى المستشفى في حالة خطرة.
ورفضت محكمة عوفر العسكرية الإسرائيلية، طلب محامي سامر عربيد بإطلاق سراحه، وقال القاضي العسكري إن الحالة الصحية للسجين عربيد قد تحسنت تدريجياً وأن جهاز الأمن العام قد يواصل التحقيق في ذلك في الأيام القادمة.
وقال الشاباك إن عربيد خضع «لتحقيق ضروري» يمكن خلاله اللجوء إلى ممارسة القوة البدنية تفاديا لوقوع مزيد من الضرر على الأمد المباشر، وهي الحالات التي تسمى بحالة «قنبلة موقوتة». وعادة ما تنفذ إسرائيل اعتقالات في الضفة الغربية بشكل يومي، في وقت يستمر فيه المستوطنون باقتحام المسجد الأقصى في القدس وإحداث توترات إضافية هناك.
ورصدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية في تقريرها الشهري حول الاعتداءات الإسرائيلية، 24 اقتحاما للمسجد الأقصى، و52 حالة منع رفع الأذان في المسجد الإبراهيمي، خلال شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم. وأوضحت الأوقاف في تقريرها، أن سلطات الاحتلال تواصل حصارها والتدخل في شؤون المسجد الإبراهيمي، مشيرة إلى أنها أغلقته أمام المصلين المسلمين، يوم 30-9 بشكل كامل بحجج الأعياد اليهودية. ولفتت إلى أن الأمر لم يقتصر على هذا الحد، بل سمحت لعدد من المستوطنين باعتلاء سطح الحرم الإبراهيمي، كما اعتدى جنود الاحتلال على موظفي المسجد بالسب والإهانة وإلقاء حاجاتهم في الشارع، إضافة إلى استحداث خط مياه إلى منطقة الصحن، وتنفيذ حفريات وتمديدات صحية بجوار الدرج الأبيض على مدخل الحرم.
وفي المسجد الأقصى، قالت الأوقاف إن وتيرة التحريض ارتفعت تزامنا مع أعياد اليهود، وكثفت جماعات الهيكل دعواتها لاقتحامه بأعداد كبيرة. وأشارت إلى أنه في تطور لافت، حاول مستوطنون اقتحام المسجد الأقصى بعد صلاة المغرب، محاولين تكريس نهج الاقتحامات بكل وقت.
وعلى صعيد الحفريات أسفل ومحيط الأقصى، واصلت طواقم الاحتلال حفرياتها في المنطقة المتاخمة لمغارة القطن في باب العامود وأسفل سور البلدة القديمة. وأدان وكيل وزارة الأوقاف حسام أبو الرب، الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، مشيرا إلى تصاعد هذه الاعتداءات خاصة مع الوعود التي قدمها نتنياهو بخصوص مدينة الخليل ومسجدها الإبراهيمي، وتعالي الأصوات المنادية بتمديد فترة الاقتحامات للمسجد الأقصى.
كما دانت وزارة الخارجية والمغتربين الحملة الإسرائيلية المسعورة ضد الوجود الفلسطيني على امتداد الأرض الفلسطينية عامة، وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص. وأكدت في بيان لها أن «الاحتلال ماض في سياسة وإجراءات حسم مستقبل المدينة المقدسة من طرف واحد وبقوة الاحتلال عبر جملة من الإجراءات المدروسة وضمن استراتيجية موضوعة يجري تنفيذها بشكل يومي بإسناد أميركي غير محدود، الهدف منها تغيير ملامح المدينة وإخفاء هويتها العربية الفلسطينية».
وقالت إن «ملامح وحلقات هذه الاستراتيجية الموضوعة يمكن رؤيتها في مختلف أنحاء وجوانب القدس المحتلة، سواء من خلال مشاريع مواصلاتية تلتهم معظم الأراضي في القدس الشرقية وتحول البلدات والأحياء العربية إلى جزر متناثرة منفصلة عن بعضها البعض، بالإضافة إلى عشرات المباني الحكومية الاستيطانية يجري تشييدها على الخط الفاصل بين القدس الشرقية والغربية بهدف إسقاط أي حلول سياسية ممكنة بشأن مستقبل المدينة، وإغلاق القدس الشرقية من جهاتها الثلاث بأحزمة استيطانية ومناطق صناعية استعمارية كما هو حاصل في المنطقة الاستيطانية الصناعية «عطروت»، بما يؤدي إلى فصل المدينة المقدسة عن عمقها الفلسطيني».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.