باسم كريستو: على اللبناني أن يشجع الصناعة السينمائية المحلية كي تتطور

قال المخرج اللبناني باسم كريستو بأنه تأخر في تقديم أول أعماله السينمائية (بالصدفة) حتى اليوم لأسباب كثيرة. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لعل عدم توفّر جهات منتجة لتطوير هذه الصناعة يأتي في مقدمة تلك الأسباب. فلا يشعر المخرج بأن هناك من يهتم به أو يسانده لتقديم عمل سينمائي مميز. كما أن انشغالاتي المتكررة في برامج تلفزيونية كثيرة لم توفّر لي الوقت اللازم للقيام بهذه الخطوة من قبل». والمعروف بأن باسم كريستو أخرج برامج مشهورة على شاشات تلفزيونية لبنانية وعربية، بينها «الرقص مع المشاهير»، و«تاراتاتا»، و«ذا فويس كيدز»، و«أنا والعسل»، وغيرها.
ويتابع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «اللافت في هذا الموضوع حالياً هو الثقة التي بدأ المشاهد اللبناني يعيرها للأعمال السينمائية المحلية. فصحيح بأنها في غالبيتها مجرد محاولات فردية غير مدعومة لا من الدولة اللبنانية ولا من جهات إنتاجية أخرى، إلا أنها تشق طريقها بقوة على الساحة. ونلاحظ في هذا الإطار كثافة إنتاجات سينمائية تصل إلى ثلاثة أعمال أو أربعة في العام الواحد، بينما كانت في الأعوام الماضية لا تتجاوز العمل الواحد».
وحقق كريستو في أول أفلامه السينمائية (بالصدفة) قفزة نوعية في مجال الإنتاجات السينمائية المحلية. فاستطاع بكاميرته المتمكنة من إدخال تقنية متجددة تمثلت بمؤثرات بصرية لم يسبق أن استخدمت من قبل في السينما اللبنانية. كما استطاع أن يطبع الفيلم السينمائي المحلي بنفَس مخرج يختزن تجارب تصويرية غنية من مشواره الذي بدأه بعالم تصوير الكليبات الغنائية، ومن ثم في البرامج التلفزيونية الترفيهية والفنية.
«لقد تشرّبت وعلى مدى سنين طويلة هذه التجارب التي تمخضت في ذهني ضمن تراكمات مهنية جمّة. وهو ما سمح لي بتحليلها وبتركيبها في رأسي على مراحل. ففي عالم السينما لا جديد تحت الشمس، لكن ما يميز عملاً عن غيره هو الأسلوب الخاص بالمخرج الذي يدمغه به. فلطالما تمنيت ترجمة كل خبراتي التصويرية في عمل سينمائي، لكن هناك صعوبة بارزة في عملية الإنتاج وفي المبالغ المرصودة للعمل. هذا الأمر يولّد عراقيل في طبيعة تنفيذ العمل لا توفّر للمخرج كل العناصر الفنية التي يطلبها».
وعن سبب اختياره نصاً للكاتبة كلوديا مرشيليان، يقول: «كنت أبحث عن قصة جديدة غير مستهلكة في السينما اللبنانية. وعندما قرأت نص مرشيليان أعجبت به وقررت تنفيذه دون تردد». فلقد سمح لي بأن أغوص في عالم السينما على سجيتي مستخدماً مؤثرات بصرية مباشرة لتدعيم اللقطات المأخوذة فيه». ويوضح باسم كريستو بأن هناك تركيبات صورية وأخرى شكّلت عناصر أساسية في مشاهد من الفيلم، بدت وكأنها حقيقية مع أنها مجرّد مؤثرات بصرية استخدمتها لإظهار تشققات جدران منازل قديمة وأدوات وديكورات منزلية، فلم يستطع المشاهد اكتشافها لأنها مركبة بشكل محترف.
ومن شاهد فيلم «بالصدفة» لا بد أن يلمس النفحة الهوليوودية التي تخيم على بعض من لقطاته المشبعة بالإثارة والتشويق. «أفرح عندما أعلم بأن هناك من شعر بهذا التطور في عمل محلي. فلقد كان لدي الرغبة في تنفيذ مشاهد كثيرة ترتكز على هذا الأسلوب، إلا أن المساحة المتاحة لي لذلك كانت محدودة».
تأثر باسم كريستو بمخرجين عالميين أمثال وودي آلن وجورج لوكاس وجايمس كاميرون وغيرهم من فرنسيين وأميركيين. «إنهم يتصفون بأبعاد سينمائية مختلفة، لكنهم جميعاً قدموا أعمالاً سينمائية محفورة في ذاكرتنا حتى الساعة».
وعن سبب لجوء بعض المخرجين إلى صناعة أفلام سينمائية تجارية، يوضح باسم كريستو في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هم في الإجمال يقومون بأفلام تعرف بلغتنا بـ(تيلي فيلم). وهذا النوع من الأفلام تنتجه عادة الشركات للشاشات التلفزيونية في ظل عدم توفّر إنتاجات كبيرة. لكن ورغم ذلك سجّلت السينما اللبنانية تطوراً في هذا الإطار، وأصبح لديها قيمة أكبر على الساحة بشكل عام أتمنى أن يتقدم مع الوقت ليصبح على المستوى المطلوب».
ومن الأفلام اللبنانية التي تلفت كريستو في عالم السينما المحلية تلك الموقعة من زياد دويري («القضية 23» و«وست بيروت» و«ذا أتاك») وغيرها لنادين لبكي وفيليب عرقتنجي. «هؤلاء المخرجون ساهموا في تطوير صناعة السينما اللبنانية، ولعل هناك مواهب كثيرة بعد لم يسبق أن تم اكتشافها لعدم حصولها على فرصة مواتية. فالمخرجون الذين ذكرتهم كانوا محظوظين بدعم من جهات خارجية؛ وهو ما ساعدهم على تنفيذ أعمال على المستوى المطلوب».
ويصف الأسواق اللبنانية بالضيقة، وبأنها لا تؤمّن عدد مشاهدي أفلام سينمائية كافياً. «المعادلة بسيطة لو كان اللبنانيون يشجعون هذه الأعمال ويحضرونها بأعداد كافية لاستطعنا من خلال إيرادات الفيلم أن نطور إنتاجاتنا».