العراق يغلي... والاحتجاجات تتوسع وجلسة طارئة لمجلس الأمن الوطني

ارتفاع حصيلة الإصابات إلى 306... وواشنطن تحث على تخفيف التوتر

محتجون عراقيون في ميدان الطيران ببغداد أمس (أ.ف.ب)
محتجون عراقيون في ميدان الطيران ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

العراق يغلي... والاحتجاجات تتوسع وجلسة طارئة لمجلس الأمن الوطني

محتجون عراقيون في ميدان الطيران ببغداد أمس (أ.ف.ب)
محتجون عراقيون في ميدان الطيران ببغداد أمس (أ.ف.ب)

ارتفعت، أمس، حدة الاحتجاجات في العراق، بعد أن أطلقت القوات الأمنية مجدداً، أمس (الأربعاء)، الرصاص الحي في الهواء، لترتفع حصيلة القتلى إلى 5، إضافة إلى أكثر من 306 مصابين، خلال 24 ساعة، وتتسع معها رقعة المظاهرات لتشمل أكثر من 10 محافظات عراقية.
وانطلقت، منذ صباح أمس، أعداد كبيرة من الشباب المحتجين في مظاهرات حاشدة من الأحياء الفقيرة ببغداد، مثل الزعفرانية والبلديات والشعب وساحة التحرير والبتاوين والحسينية والكمالية وحي الأمين، مطالبين الحكومة العراقية بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة، وهو ما يُعتبر أول امتحان شعبي لها منذ تشكيلها، قبل عام تقريباً، وبينما كانت عائلة المتظاهر الأول الذي قُتِل في بغداد تواريه الثرى في منطقة مدينة الصدر الشعبية، ندد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن بـ«المندسين» الذين يسعون إلى «نشر العنف»، الذي زاد من حنق المتظاهرين، ليلجأ بعض إلى قطع الطرق الرئيسية، وإضرام النار في الإطارات التالفة. كذلك خرجت مظاهرات مماثلة في محافظات بابل والنجف وذي قار وميسان والبصرة والديوانية.
وعمدت السلطات العراقية بعد ظهيرة يوم أمس، إلى حجب بعض موقع التواصل الاجتماعي، ومنها «فيسبوك» و«واتساب»، بهدف تطويق الاحتجاجات، إذ تزعم السلطات أن تلك المواقع تسهم في إذكاء الاحتجاجات والتحريض عليها، فيما أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أن القوات الأمنية العراقية قامت باستخدام القوة المفرطة والرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والمياه الحارة والضرب بالهراوات، وأضافت أن المفوضية شكلت خلية أزمة لمراقبة حرية الرأي والتعبير وحماية المتظاهرين، كما كشف عضو المفوضية علي البياتي لـ«الشرق الأوسط» عن حصيلة جديدة للإصابات في صفوف المتظاهرين وأجهزة الأمن بلغت 306 حالات، متهماً القوات الأمنية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في ساحة الوثبة ببغداد، واستخدام الغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه الحارة لتفريق المتظاهرين في ساحة ثورة العشرين بمحافظة النجف.
وفي وقت دعا فيه الرئيس العراقي برهم صالح إلى ضبط النفس، مؤكداً أن «التظاهر السلمي حقّ دستوري»، ومشدداً عبر تغريدة عبر «تويتر»، قائلاً: «أبناؤنا شباب العراق يتطلعون إلى الإصلاح وفرص العمل، واجبنا تلبية هذه الاستحقاقات المشروعة»، عقد مجلس الأمن الوطني الذي يرأسه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ظهر أمس، جلسة طارئة لم يعلن عن تفاصيلها، وكان عبد المهدي أصدر (مساء أول من أمس) بياناً، تعهّد فيه بـ«وضع حلول حقيقية جذرية لكثير من المشاكل المتراكمة منذ عقود»، وتحدث عن تفريقه بين من سَمّاهم «المعتدين غير السلميين الذين رفعوا شعارات يعاقب عليها القانون تهدد النظام العام والسلم الأهلي»، والمتظاهرين السلميين، لكن مفوضية حقوق الإنسان المستقلة، كشفت، في مؤتمر صحافي عقدته، أمس، عن أن المظاهرات «كانت سلمية وذات طابع مدني»، وأشارت إلى أن فرقها «سجّلت انتهاكات كبيرة وحالات اعتقال دون مذكرات قبض، كذلك سجلت حالات اعتداء من جهات مجهولة على المتظاهرين وقوات الأمن».
بدورها، أعربت السفارة الأميركية في بغداد، أمس، عن أسفها لاستخدام العنف ضد المتظاهرين، وحثت على «تخفيف حدة التوتر»، وقالت السفارة في بيان إنها تأسف «لاستخدام العنف، وتحث على تخفيف حدة التوتر، وأنها تواصل مراقبتها عن كثب للاحتجاجات الأخيرة»، مشيرة إلى أن «التظاهر السلمي هو حقّ أساسي في جميع الأنظمة الديمقراطية، ولكن لا مجال للعنف في المظاهرات من قبل أي من الأطراف».
وفي حين دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى التحقيق في الموضوع، أدان ائتلاف «النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بقوة «استخدام القوة المفرطة بحق المتظاهرين السلميين»، ودعا الحكومة لـ«فتح تحقيق شامل وتحقيق العدالة»، بينما طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الرئاسات الثلاث بالتحقيق في حوادث الاعتداءات على المتظاهرين، كما أدان زعيم تيار «الحكمة الوطني» المعارض عمار الحكيم «استخدام العنف المفرط في تفريق المتظاهرين»، كما أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق جينين هينيس - بلاسخارت عن «قلق بالغ»، داعية السلطات إلى «ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات».
لكن يبدو أن المتظاهرين عازمون على الاستمرار في تحركهم، إذ خرج آلاف المتظاهرين في محافظات الوسط والجنوب، مثل البصرة وكربلاء والنجف والديوانية وذي قار وميسان والمثنى، وترددت أنباء عن خروج مظاهرات في محافظتي كركوك وديالى، مع إحجام محافظات العراق غرب، وشمال العراق مثل نينوى وصلاح الدين والأنبار عن الخروج بمظاهرات مماثلة.
وحاول متظاهرون في بعض المحافظات اقتحام مباني الحكومات المحلية. وأضرم المتظاهرون النار في مبنى مجلس محافظة الديوانية.
وفي الزعفرانية، قال عبد الله وليد (27 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه خرج للتظاهر، أمس (الأربعاء) «لدعم إخواننا في ساحة التحرير» التي ضربت القوات الأمنية طوقاً أمنياً حولها، وأضاف في شارع تتمركز فيه مدرعات قوات مكافحة الشغب: «نطالب بفرص عمل وتعيين الخريجين وتحسين الخدمات، مضت علينا سنوات نطالب، ولا جواب من الحكومة».
أما في حي الشعب، ووسط سحب الدخان الناتج عن حرق الإطارات، فقال محمد الجبوري الذي يحمل شهادة في الهندسة: «نطالب بكل شيء، نطالب بوطن، نشعر بأننا غرباء في بلدنا، لا دولة تتعدى على شعبها، كما فعلت هذه الحكومة. نحن نتعامل بسلمية، ولكنهم أطلقوا النار».
ووفقاً لـ«الوكالة الفرنسية»، فإن هذه المظاهرة غير مسبوقة، إذا إنها لم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني، كما تجري العادة في بغداد، بل جمعت الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة.
ويعاني العراق من انقطاع مزمن للتيار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات، ويحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية. وبحسب تقارير رسمية، فمنذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».