الـ«رفوكري» فن إصلاح ما أفسده الزمن

المتخصصون فيه يعتبرون عملة ذهبية تفقد قيمتها بمجرد أن يضعف نظرهم

في البداية... كانت تتركز العملية على إصلاح الشالات الكبيرة فقط وبمرور الوقت أصبح باستطاعة المتخصصين تصليح أي قطعة قماش
في البداية... كانت تتركز العملية على إصلاح الشالات الكبيرة فقط وبمرور الوقت أصبح باستطاعة المتخصصين تصليح أي قطعة قماش
TT

الـ«رفوكري» فن إصلاح ما أفسده الزمن

في البداية... كانت تتركز العملية على إصلاح الشالات الكبيرة فقط وبمرور الوقت أصبح باستطاعة المتخصصين تصليح أي قطعة قماش
في البداية... كانت تتركز العملية على إصلاح الشالات الكبيرة فقط وبمرور الوقت أصبح باستطاعة المتخصصين تصليح أي قطعة قماش

يعتبر رفوكري، وهو إحدى طرق الرتق، واحداً من الفنون النادرة، التي تقوم على فكرة تصليح المنسوجات المهترئة أو الممزقة. وكان أباطرة المغول أول من أولوا اهتماماً كبيراً بهذا الفن. ففي ظل حكمهم كان يجري النظر إلى العاملين بمجال الرفوكري على أنهم سحرة ماهرون.
تضرب جذور فن الرفوكري في بلاد فارس، حيث حرص العاملون بهذا المجال على خوض دراسة مستفيضة لأنواع المنسوجات والألوان، وما إلى غير ذلك. كانوا يركزون على قطعة منسوجة بعينها، ثم رسم الحدود التي سيبدأون منها العمل، بعد مضاهاة الخيوط لتكون النتيجة على نحو يصعب معه رؤية أي أثر للتصليح.
في البداية، كانت تتركز العملية على إصلاح الشالات الكبيرة فقط، وبمرور الوقت أصبح باستطاعة المتخصصين تصليح أي قطعة قماش.
في كتابهما المعنون «الزهور والتنانين وأشجار الصنوبر: المنسوجات الآسيوية في متحف سبنسر للفنون»، كتبت ماري إ.دوزنبري وكارول بير، أن «تجميع شال كبير من ثمانية قطع من القماش أمر يتطلب مهارة كبيرة من جانب المصممين وعمال الحياكة؛ لضمان توأمة الأشكال والأحجام مع بعضها بعضاً.
وقد تكونت الشالات من المئات من القطع الصغيرة، التي تعود في معظمها إلى الربع الثالث من القرن التاسع عشر، وقد تطلب تجميع هذه القطع الصغيرة في قطعة واحدة متناغمة مهارة مذهلة».
أما الحرفيون المسؤولون عن إبداع مثل هذه القطع فهم العاملون بمجال الرفوكري أو عمال الحياكة الذين كانوا يتولون نسج كل قطعة من شال على حدة، ثم يتولون تجميعها على نحو يشبه أحجية الصور المقطوعة بدرجة بالغة من المهارة تجعل من الصعب رصد الخيوط الواصلة بين القطع. كانوا يعتمدون في ذلك على أسلوب حياكة يشبه إلى حد كبير أسلوب كاني الشهير؛ وذلك لضمان التناغم والاندماج بين القطع المختلفة.
وتعتبر كشمير وناجي آباد، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر من دلهي، مركزين لفن الرفوكري في الهند. واللافت أن الغالبية العظمى من العاملين في هذا الفن الدقيق من أحفاد مهاجرين انتقلوا إلى وادي كشمير، قادمين من سمرقند وإيران.
على سبيل المثال، قال سليمان، الذي يعمل في الرفوكري في ناجي آباد، وذكر أن أصوله تعود إلى بخارى: «جميعنا قدمنا من آسيا الوسطى. بدأت تعلم هذه المهنة من والدي وجدي عندما كنت في الـ7، وجميعنا خضنا المشوار ذاته. وعندما كنت طفلاً، كنت أحب مشاهدة يد والدي وهي تعمل على نحو أشبه بالسحر».
أما غالبية زبائن هذا الفن، فمن أبناء العائلات الملكية أو الأرستقراطية السابقة، من الذين يملكون شالات أو قطع ملابس ورثوها عن أجدادهم لا تقدر بثمن، لكن تعرضت لتمزق بسبب العثة، أو اهترأت بفعل الزمن. ومن بين العملاء كذلك هنديات يرغبن في إصلاح شالات «باشمينا» قيّمة لديهن.
وشرح رياض خان، أحد العاملين بمجال الرفوكري أنه: «بينما من الصعب رتق المنسوجات المصنوعة من نسيج (باشمينا)، ويصنع من شعر ماعز جبلي بمنطقة التبت، فإن نسيج (شاتوش) المصنوع من شعر ظبي التبت، هو الأكثر صعوبة على الإطلاق من بين جميع المنسوجات لرقتها المفرطة».
من ناحية أخرى، فإن المتخصصين في رتق منسوجات قديمة وهشة للغاية، يعتمدون على خيوط مشدودة من أطراف قطعة النسيج ذاتها. وقد حرص هؤلاء الحرفيون على حماية أسرار المهنة التي توارثوها أباً عن جد.
في مجال صناعة الشالات، غالباً ما يقال إن العاملين بمجال الرفوكري يجنون أموالاً أكثر عن أي حرفيين آخرين مرتبطين بصناعة الشال. على سبيل المثال، أوضح شابير أحمد، أنه يملك مصنعاً لإنتاج الشالات، ويضم 30 منوالاً. وأضاف أن من يتولى حياكة الشالات يتقاضى نحو 10.000 روبية مقابل الشال الواحد، ويستغرق إنجازه شهراً تقريباً، في حين أنه باستطاعة عامل الرفوكري جني القدر ذاته في غضون 10 أيام فقط أو أقل. ويشرح: «عندما أرصد عيباً في أي شال، فإني أستعين بعامل رفوكري، وتتراوح التكلفة حينها ما بين 1.000 و5.000 روبية لإصلاح عيب، ويستغرق الأمر ما بين يومين وثلاثة أيام حداً أقصى».
أيضاً، يحصل العاملون بمجال الرفوكري على فرص عمل بالخارج. مثلاً، عمل أحمد مع معرض «بالارات فاين آرت غاليري» في فيكتوريا لتصليح وإعادة بناء علم يوريكا أثناء انعقاد دورة ألعاب الكومنولث عام 2006. محمد رفيق زوغار المقيم في دلهي، اسم آخر بارز بمجال الرفوكري، حيث يشتهر بتصليح قطع الشال والساري القديمة منذ 40 عاماً حتى اليوم.
عن مسيرته المهنية، يقول: «تعلمت هذه المهارة من ثلاثة معلمين في سريناغار. وبوجه عام، يتطلب فن الرتق يداً ماهرة ونظراً حاداً. وينتهي مستقبل العامل في مجال الرتق بمجرد أن يضعف نظره».

تاريخ الرفوكري في كشمير

تتميز مهنة الرتق بتاريخ مثير داخل كشمير، وككل شيء في الإقليم، ارتبطت هي الأخرى بالسياسة وبدأت نتاجاً لسياسات حكومية.
في هذا الصدد، شرح سالم بيغ، مسؤول بالصندوق الوطني الهندي للفنون والتراث الثقافي، أنه: «في ظل الحكم الأفغاني، فرض الحكام ضرائب باهظة على صناعة الشالات. وقدر المسؤولون قيمة الضرائب تبعاً لحجم الشال. وسعياً لتفادي الضرائب؛ شرع الحرفيون في كشمير في صناعة الشالات بأحجام تعادل نصف حجمها المألوف. وفي وقت لاحق، كان يجري ضم القطعتين أو الثلاث معاً بمهارة على يد عامل متخصص في الرتق. وبذلك، كانت تجري صناعة الشال بحجمه الكامل دون الحاجة إلى دفع ضرائب بفضل عمال الرفوكري.
ومع تعرف مزيد من الحرفيين على هذه الحيلة المبتكرة، انتشرت هذه الممارسة واكتسب العاملون بمجال الرفوكري أهمية أكبر. ومر وقت طويل للغاية قبل أن يكشف الحكام الأفغان الحيلة.
كانت المرة الثانية التي نجح خلالها عمال الرفوكري في إنقاذ صناعة الشال مطلع القرن الـ19، عندما ابتكر تاجر أرميني يدعى الخواجة يوسف بالتعاون مع عامل رتق محلي يدعى علي بابا، شالات «أمليكار» (أي المزخرفة). كان يوسف قد انتقل للعمل في كشمير عام 1803 وكيلاً لشركة «كونستانتنبول» للتجارة. ونجح الرجلان في طرح شالات مزخرفة بأعمال الإبرة في السوق بثلث تكلفة الشالات المصنوعة على منوال صوف. ونجح الشال الجديد المبتكر في توفير ثلث تكاليف الإنتاج ونجحت الشالات المصنوعة بأعمال الإبرة بادئ الأمر في الإفلات من الضرائب التي فرضتها الحكومة على الشالات المصنوعة من الصوف، والتي وصلت عام 1823 إلى 26 في المائة من قيمة المنتج. وبذلك، حقق التجار أرباحاً هائلة، وتوسع هذا المجال من صناعة الشالات سريعاً. عام 1803، انخفض عدد عمال الرفوكري أو العاملين بمجال زخرفة الملابس ممن يملكون المهارات اللازمة للعمل الجديد. إلا أنه في غضون 20 عاماً، قدرت أعداد العاملين بهذا المجال بـ5.000 شخص.
من جانبه، قال محمد سالم بهت، أحد العاملين في هذا المجال في سريناغار: «تبلغ تكلفة صناعة شال رفيع المستوى مئات، بل وآلاف الروبيات. وفي كثير من الأحيان، تتوارث الأسر الهندية الشالات من جيل إلى آخر باعتباره كنزاً قيّماً يفخرون به. وإذا تعرض الشال لأي ضرر، فإنه ليس من السهل التخلي عنه ببساطة وشراء آخر، وإنما يأتون إلينا بها لإصلاحها. ومن جهتنا، نحرص على دراسة الشال بدقة ونمط الرسوم به وألوانه، وما إلى غير ذلك من تفاصيل دقيقة، قبل أن نرسم الحدود التي سنبدأ العمل منها. فالمهم هو مضاهاة الخيوط وإنجاز العمل على نحو يجعل من الصعب رصد أي آثار لعملية التصليح أو الرتق».
أما المفارقة الكبرى اليوم، فهي انحسار أعداد الممتهنين لهذا الفن في وقت يزداد الطلب عليه بأضعاف مضاعفة. وعن هذا، يُعلق سليم بيغ، من الصندوق الوطني الهندي للفنون والتراث الثقافي في جامو وكشمير: «هناك عشرات الآلاف من الشالات لدى الأسر الهندية بمختلف أرجاء البلاد. وحتى لو افترضنا أن واحداً في المائة فقط منها في حاجة إلى تصليح، فإن هذا يشكل سوقاً ضخمة لا يخدمها سوى فناني الرفوكري في كشمير. وعادة ما نتلقى في الصندوق الوطني الهندي للفنون والتراث الثقافي طلبات من أشخاص لمعاونتهم في تصليح شالات قديمة ونجابه صعوبة في الوصول إلى شخص يملك المهارة اللازمة لإنجاز ذلك».



كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
TT

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية. اختارت لها بصمات دائمة: عبر تاريخ وحقبات المملكة العربية السعودية Perpetual Footprints:

Across Saudi Times and Eras عنواناً وست شخصيات سعودية أبطالا. هؤلاء جمعهم حذاء بسيط لكن معروف بعمليته وما يمنحه من راحة صحية.

فهدفها لم يكن استعراض مهارتها وخبرتها في صناعة الأحذية التي تتحدى الزمن والاختلاف والمسافات فحسب، بل أيضاً التعبير عن اهتمامها بسوق تعرف أهميته بالنسبة لها، وفي الوقت ذاته التعبير عن إعجابها بالثقافة السعودية لما فيها من تنوع وحيوية تكتسبها من شبابها. لكي تنجح حملتها وتكتسب عبق المنطقة، استعانت بمواهب محلية ناجحة في مجالاتها، لعرض الإرث الثقافي الغني للملكة، وتلك الديناميكية التي تميز كل منطقة. حتى مهمة تنسيق جلسة التصوير أوكلتها لمصمم الأزياء ورائد الأعمال السعودي حاتم العقيل من باب أن «أهل مكة أدرى بشعابها».

عبد العزيز الغصن يظهر في الحملة في عدة لقطات تعبر عن المنطقة التي يُمثِلها (بيركنشتوك)

جمعت ستة مؤثرين، ثلاث نساء هن فاطمة الغمدي وديم القول وداليا درويش، وثلاث رجال، هم خيران الزهراني وعبد العزيز الغصن وأحمد حكيم، كثنائيات لإبراز السمات الفريدة التي تُميز ثلاث مناطق هي نجد والحجاز والشرقية. وبينما كانت أحذية «بيركنشتوك» الخيط الرابط بينهم جميعاً، تركت لكل واحد منهم حرية التعبير عن رؤية تعكس أسلوب حياته ومجال تخصصه، سواء كان موسيقياً أو رياضياً أو رائد أعمال.

الحجاز القديم

خيران الزهراني ابن مدينة الباحة ممثلاً منطقة الحجاز (بيركنشتوك)

مثَل المنطقة كل من خيران الزهراني وفاطمة الغمدي. خيران وهو ابن مدينة الباحة معروف في عالم الأوبرا بصفته الكاونترتينور الأول في البلاد، يمزج عمله ما بين الفخر الثقافي والإبداع الفني. غني عن القول إنه يلعب دوراً ريادياً في أداء أعمال أوبرالية بارزة باللغة العربية، بما فيها مشاركته في أول أوبرا عربية تمثّل المملكة العربيّة السعوديّة في قمة BRICS لعام 2024. في هذه الحملة يظهر خيران في حذاء «بوسطن» Boston Suede المصنوع من الشامواه، والمتعدد الاستخدامات مع ملابسه العصرية. في صورة أخرى نسَق حذاء «جيزيه» Gizeh مع زيه التقليدي.

خيران الزهراني ابن مدينة الباحة والفنانة فاطمة الغمدي ممثلان منطقة الحجاز (بيركنشتوك)

تنضم إليه الفنانة والرسامة «فاطمة الغمدي» وهي من الطائف لإكمال قصة منطقة الحجاز. تظهر في حذاء «أريزونا» المتميز ببكلة بارزة، باللون الزهري الفوشيا. تظهر ثانية بحذاء «مدريد»، الذي يأتي هو الآخر ببكلة كبيرة الحجم، ليُكمل زيها التقليدي.

منطقة نجد

عبد العزيز الغصن كما ظهر في الحملة (بيركنشتوك)

هنا ينضم الموسيقي عبد العزيز الغصن، المقيم في الرياض، إلى الحملة للاحتفال بمنطقة نجد. الجميل في هذا الفنان أنه تأثر بعدة ثقافات موسيقية وشغف دائم لخوض غمار الجديد، بأسلوب موسيقى يمزج ما بين الـ«أفروبيت»، الـ«أر أند بي» والـ«هيب هوب». يظهر في الحملة محاطاً بأشجار النخيل النجدية، وهو يرتدي حذاء «كيوتو» Kyoto ثم حذاء «بوسطن» Boston.

عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو (بيركنشتوك)

تنضم إليه «ديم القو»، وهي عارضة أزياء سعودية ومؤثرة عُرفت بأسلوبها الخاص يجعل أكثر من 230 ألف شخص يتابعونها و3.2 مليون معجب على تطبيق «تيك توك». تظهر في حذاء «مدريد» ويتميز ببكلة ضخمة باللون البيج الشديد اللمعان يعكس جانبها النجدي المعاصر، في حين يعكس حذاء «جيزيه» Gizeh باللون الذهبي الإرث الغني المتجدر في التاريخ.

المنطقة الشرقية

رائد الأعمال والرياضي ومؤسس علامة «أستور» للأزياء (بيركنشتوك)

يُمثِلها «أحمد حكيم»، وهو رائد أعمال ورياضي وصانع محتوى، كما تمثّل علامته التجارية الخاصة بالملابس، Astor أسلوب حياة يعمل من خلالها على تمكين الأفراد من التعبير عن أنفسهم بثقة ومصداقية. يظهر في الحملة وهو يتجوّل تحت قناطر مدينة الدمام القديمة منتعلاً حذاء «أريزونا» Arizona الكلاسيكي ذا قاعدة القدم الناعمة باللون الأزرق. في لقطة أخرى يظهر في كورنيش المدينة مع داليا درويش، منتعلاً لوناً جديداً، الأزرق الأساسي.

داليا درويش تشارك في الحملة بصفتها محررة ومصممة وصانعة محتوى وسيدة أعمال (بيركنشتوك)

أما ابنة مدينة الخبر الساحليّة، داليا درويش، فتشارك في الحملة بصفتها محررة، ومصممة، وصانعة محتوى وسيدة أعمال، لتُعبِر عن طبيعة المنطقة الشرقية المتعددة الأوجه. ولأنها تعشق السفر، اختارت حذاء «أريزونا» Arizona، الذي يجمع الكلاسيكية بالعصرية، باللونين الذهبي والأزرق المعدني.