التنوع... بين الاحتضان والمحاسبة

العارضة السودانية الأصل أدوت أكيش تنتفض لعرقها

غلاف مجلة «بيزنيس أوف فاشن» الأخير حيث تظهر فيه مع مصمم دار «فالنتينو»
غلاف مجلة «بيزنيس أوف فاشن» الأخير حيث تظهر فيه مع مصمم دار «فالنتينو»
TT

التنوع... بين الاحتضان والمحاسبة

غلاف مجلة «بيزنيس أوف فاشن» الأخير حيث تظهر فيه مع مصمم دار «فالنتينو»
غلاف مجلة «بيزنيس أوف فاشن» الأخير حيث تظهر فيه مع مصمم دار «فالنتينو»

تصدرت صور عارضة الأزياء أدوت أكيش أغلفة خمس نسخ من مجلة «فوغ» في شهر واحد. كما اختارها موقع «بيزنيس أوف فاشن» غلافاً لمجلته التي تصدر سنوياً متضمنة لائحة بأسماء 500 شخصية مؤثرة في الموضة على المستوى العالمي. إلى هنا فإن الأمر عادي. لكن ما قد لا يعرفه البعض أن تصدر مجلة «فوغ» بالنسبة لأي عارضة شابة حلم وإنجاز، فما البال إذا كانت هذه العارضة من أصول أفريقية؟
فأدوت أكيش تنحدر من أصول سودانية، وتتمتع بلون داكن، الأمر الذي يدل على أنها محظوظة؛ لأنها ظهرت في وقت تغيرت فيه ثقافة الموضة بشكل جذري. فمما يذكر أن العارضة ناعومي كامبل، اشتكت في بداية مشوارها إلى الراحل إيف سان لوران أن مجلة «فوغ» الفرنسية لم ترغب في تصدرها غلافها بسبب لونها؛ الأمر الذي استدعى تدخله شخصياً لتذكيرهم بأنه مُعلن جيد. حينها فقط تراجعت المجلة عن قرارها واضطرت إلى أن تضع كامبل على غلافها. لكن شتان بين ثقافة الموضة في الثمانينات وبينها اليوم، حيث تحتفل بالجمال بكل ألوانه وأشكاله تحت شعار تقبل الاختلاف واحتضان التنوع.
لكن رغم حصولها على خمسة أغلفة، وفي شهر واحد، فإن فرحة أدوت أكيش لم تكتمل. السبب أن مجلة «هو» الأسترالية أجرت معها حواراً مطولاً عن تجربتها كمهاجرة من جنوب السودان ثم إلى كينيا ومنها إلى أستراليا، وما تعرضت له من تمييز عنصري ومتاعب، وضعت خطأ صورة لعارضة أخرى بنفس لونها عوض صورتها؛ ما جعل أدوت تنفعل وتنشر على صفحتها على «إنستغرام»: «لا أشعر بأن الخطأ إهانة لشخصي فقط، بل هو إهانة لعرقي، وهو خطأ يؤكد أن الناس لا تزال تحركها نظرة ضيقة لا تفرق بين ملامح السود، فهم كلهم متشابهون بالنسبة لهم».
صناعة الموضة التي كانت إلى عهد قريب تعتمد على النخبوية، والجمال الأشقر لكي تؤجج الحلم أو على الأقل تُبقي عليه تغيرت، وأصبح لزاماً عليها أن تتبنى ثقافة التنوع؛ لأن الخريطة الشرائية تغيرت وزبائن اليوم أصبحوا من كل الأجناس والأعراق. كما أن هذا الزبون من جيل يؤمن بالتغيير وتصحيح أوضاع يراها خاطئة. ولا يختلف أي متابع للموضة أن العملية استغرقت عقوداً عدة قبل أن تأخذ شكلها الحالي، بدليل أن أغلب المجلات العالمية تتبارى حالياً على استعمال سمراوات، من ريهانا إلى أدوت أكيش وناعومي كامبل وبيونسي وغيرهن بعد أن كن مُهمشات على أساس أنهن وجوه غير صالحة لتسويق منتجاتها. لكن بالنسبة للبعض، فإن العملية لا تزال في أولها وسطحية، وهذا ما أشارت إليه أدوت أكيش في تغريدتها، وحرصت مجلة «بيزنيس أوف فاشن» على تسليط الضوء عليها بوضعها على غلاف مجلتها السنوية مع بييرباولو بكيولي، مصمم دار «فالنتينو» الذي يحتضن التنوع منذ سنوات في عروضه. فقد استعان بعدد لا يستهان به منهن في الموسمين الأخيرين في أول سابقة من نوعها. اختار أيضاً أدوت أكيش وجهاً لعطر الدار الجديد ضارباً عرض الحائط بكل المخاوف والتخويفات من ردود أفعال عكسية.
وهذا ما تناولته مجلة «بيزنيس أوف فاشن» في موضوع مطول على هذه الظاهرة أجرت فيه لقاءات مع مؤثرين أكدوا أن المشوار لا يزال طويلاً؛ لأن البعض لم يفهم معنى احتضان التنوع بشكل صحيح ولا يزال يتعامل معه بشكل سطحي للغاية، على أساس أن الاستعانة بعارضات من أصول أفريقية أو أفريقية - أميركية أو وضعهن على أغلفة المجلات يكفي.
اللافت، أن الأمر لم يعد يتحمل أي خطأ غير مدروس. فهناك أصوات عالية تحاسب صناع الموضة على كل هفوة، حتى وإن لم تكن متعمدة، بمقاطعة منتجاتهم. أكبر دليل على هذا ما تعرضت له كل من «غوتشي» و«برادا» و«دولتشي آند غابانا» من هجمات في نهاية العام الماضي. هذه الأخيرة عندما صورت حملة دعائية موجهة للسوق الصينية أثارت حفيظة الصينيين، الذين طالبوا بمقاطعة العلامة. السبب كان بسيطاً وربما كان سيعتبر فنياً في السابق، تمثل في ظهور عارضة صينية في كامل أناقتها تتناول السباغيتي بعيدان الأكل. صورة اعتبرها الصينيون تمس عاداتهم وتستهين بتقاليدهم. لم ينفع أي اعتذار ولا تزال «دولتشي آند غابانا» تدفع ضريبة هذا الخطأ حتى الآن. الشيء نفسه تعرضت له «غوتشي» عندما طرحت كنزة صوفية بياقة عالية تغطي نصف الوجه، بفتحة واسعة مرسومة على شكل شفاه مكتنزة. فسر البعض التصميم بأنه تلميح لوجه «زنجي». ورغم أنها سحبته من كل محالها ومواقعها الإلكترونية مباشرة، فإن شريحة كبيرة من الأميركيين الأفارقة لم يقبلوا اعتذارها إلا بعد أن وظفت المصمم دابر دان، مستشاراً لها لتلافي مثل هذه الأمور، ولا سيما أنه كان من بين الذين ثاروا وانتقدوا الدار. في تغريدة له حينها كتب «لا يمكن أن يكون هناك احتضان للاختلاف من دون محاسبة». أما ذنب «برادا» التي تعرضت هي الأخرى لهجمات مماثلة فكانت بسبب منظر تماثيل صغيرة تزين واجهات محلها بنيويورك استفز البعض. كانت التماثيل بلون أسود وبشفاه مكتنزة تستحضر تلك الصورة التي كان يرسمها العنصريون لوجوه الأفارقة في الماضي. كل هذه المطبات، باتت تؤرق صناع الموضة وتستدعي الكثير من التفكير والحذر. ورغم أن الأغلبية ترى أن التنوع مطلوب واحترام الاختلاف واجب، إلا أن هناك من يرى أن في الأمر تقييد للإبداع، لكن مضطر إلى ركوب الموجة.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.