لوحات تفتش عن «الإثارة الصغيرة» في دفاتر الطفولة

محمد كمال في معرضه «ينابيع النور»

لوحة الأرنب والديك  -  الأرانب والأسماك في لوحات كمال للتذكير بروعة الطفولة  -  حزم السنابل المتراصة تبرز عناصر تكوين التوازي باللوحة
لوحة الأرنب والديك - الأرانب والأسماك في لوحات كمال للتذكير بروعة الطفولة - حزم السنابل المتراصة تبرز عناصر تكوين التوازي باللوحة
TT

لوحات تفتش عن «الإثارة الصغيرة» في دفاتر الطفولة

لوحة الأرنب والديك  -  الأرانب والأسماك في لوحات كمال للتذكير بروعة الطفولة  -  حزم السنابل المتراصة تبرز عناصر تكوين التوازي باللوحة
لوحة الأرنب والديك - الأرانب والأسماك في لوحات كمال للتذكير بروعة الطفولة - حزم السنابل المتراصة تبرز عناصر تكوين التوازي باللوحة

يستعيد محمد كمال ملامح من طفولته وصباه، مشكلاً من مناخاتها وبيئتها الخاصة محور الإيقاع والتكوين في لوحات معرضه «ينابيع النور» المقام حالياً في غاليري بيكاسو بالقاهرة.
تبرز هذه الملامح في المنظر على شكل طيور وزهور ونباتات وأسماك وفراشات وحيوانات وحزم من أعواد القش، تتقافز على السطح وفي العمق، وكأنها تفتش عن النور الكامن في العناصر والأشياء، وفي الأحلام والذكريات المنداحة في براح الطفولة.
عالم شجي يتوزع بعلاماته ورموزه فوق أسطح ساكنة مسكونة بأصداء حانية من ذاكرة الماضي، وكائنات لطيفة، يحافظ الفنان على هياكلها الحسية، بينما تقبع طاقة التجريد في تراسلات الألوان وتدفقاتها العفوية الساطعة المشمسة الموزعة في مساحات صريحة باللوحات، تتقاطع في أشكال مثلثة ومربعة ومستطيلة وبيضاوية، تحتوي هذه الكائنات، وتبتكر لها فضاءً لحياة أخرى داخل اللوحة. يحرص الفنان على أن تبقى صورة هذه الحياة واضحة وغير مشوشة في زوايا نظرنا، فهو لا يسعى إلى تجريد الصورة، وتخليصها من طبيعتها وإطارها الخارجي الواقعي، وإنما يبقيها دوماً رهن حالة من التجريد، أو على عتبته، فالسمكة هي السمكة والعصفور هو العصفور، والأرنب أيضاً.
يعزز ذلك استخدامه لخامة الباستيل الزيتي بقوامها الرجراج المرح الصعب في الرسم، مستعيناً بصبغات من ألوان الماء كعنصر مساعد لتهيئة المسطح الورقي حتى تصبح الخامة طيعة وأكثر تماسكاً.
ومن ثم، نحن أمام بناء فني ينهض فيه التكوين على فكرة التناظر بين الأشكال، فالكائنات رغم تنوعها لا تختلط ببعضها بعضاً، ولا تتداخل فيما بينها، وإنما في حالة من الترقب الهادئ، وكأنها على حافة وجود جديد تتأمله بروية وورع أحياناً، سواء في إيقاع التكوين، أو في حرارة الألوان البراقة الساطعة، وتراوحاتها البصرية الصريحة، ما بين الأحمر الناصع والبرتقالي والأخضر والأزرق والأصفر والأبيض المشرّب بمسحة رمادية خفيفة أحياناً.
يفضي الاعتماد على التناظر إلى توفير مساحات مستقلة تنطوي على خصوصية ما للأشكال، ففي إحدى اللوحات نرى «الديك» قابعاً على حزمة من القش في الأسفل متأهباً للصياح، وفي المقابل يقبع «الأرنب» على حزمة أخرى من القش في أعلى اللوحة، وكأنه في حال ترقب. يتكرر الأمر نفسه في لوحة أخرى، إذ نجد أرنبين يقبعان في قاع اللوحة داخل دائرة من الخضرة بيضاوية الشكل، بينما تقبع سمكتان في الأعلى داخل مثلث من الزرقة مقلوب الرأس، أو في نظرة عصفورين، أحدهما ينقر السنابل في الأسفل، والآخر بالأعلى في حال تأهب للفعل نفسه. ما يعني أنّ ثمة معالجة رصينة لفضاء الصورة، فلا تنفصل عن الخلفية، بل تصبح جزءاً من نسيجها، وبينما يبدو التعاقب هو الحاكم لحركة الأشكال في اللوحات، يتسم تدفق النور بالمباغتة فيشع بتلقائية من كتل الألوان وتدرجاتها المكملة، ومن ثنايا الرموز والعلامات في شكل غلالات وحزم ضوئية خاطفة أحياناً، تنبع من داخل اللوحة وليس من ردة فعل لمؤثرات ضوئية تنعكس عليها من الخارج.
بهذه الروح يفتح الفنان دفاتر الطفولة في لوحات تعزف على إيقاع «الإثارة الصغيرة» المطمئنة، فعلاوة على الاهتمام بالوسيط اللوني لخامة الباستيل وجعله شفافاً كأنّه رقائق نور كاشفة ومضيئة، تلعب الخطوط دوراً لافتاً في تكوين المشهد، فيمكن أن ننظر إليه من خلال ميلها للاستقامة، أو من منظور الوصل والقطع بين الألوان، وتكثيف الانفعال والإحساس بوهجها وحيويتها. لكنّ هذه الاستقامة تنكسر وتتبدد في اللعب بحزم القش، أو الحفر والكتابة والخربشة بسَنِّ السكين على شرائح لونية معينة، تتناثر في فضاء اللوحات كجسور رهيفة تلطف من صلابة التكوين وخطوطه المستقيمة، صانعة نوعاً من التوازي بين عناصره المرئية واللامرئية معاً، مثلما يبرز في حزم السنابل المتراصة المشرئبة للأعلى، ورمزية السلم المعلق في الفراغ، كما تحيلنا هذه الشرائح بحروفها المتتالية المندغمة والمنقوشة بعفوية فنية إلى جماليات البردية الفرعونية، أيضاً جماليات فكرة الأثر، حيث بصمات أصابع القدم والأيدي المغمورة في خضرة الطبيعة ودفقات النور، وكأنها دليل على بشر كانوا هنا، عاشوا هذه الطفولة بمحبة للجمال والفن.



المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)
المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)
TT

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)
المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية وتاريخها الممتد في عمق الحضارة المصرية.

واستهدفت الفعالية التي نُظمت، الأحد، بالتعاون بين مؤسسة «دروسوس» وجمعية «نهضة المحروسة» تسليط الضوء على الدور الذي يلعبه الإبداع في مجالات التراث والفنون والحِرف اليدوية، في الاحتفاظ بسمات حضارية قديمة، كما تستهدف تعزيز دور الصناعات الإبداعية باعتبارها رافداً أساسياً للتنمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك إبراز أهمية الابتكار والإبداع في مختلف المجالات.

وأكد الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، أن «هذه الفعالية تعزز روح التعاون والرؤية المشتركة وتشجيع التبادل الثقافي»، لافتاً في كلمة خلال الاحتفالية إلى أن «المتحف المصري الكبير ليس متحفاً تقليدياً، وإنما هو مُجمع ثقافي يحتفي بالتاريخ والثقافة المصرية ويشجِّع على الإبداع والابتكار الذي يرتكز على الماضي لينطلق نحو مستقبل أكثر إشراقاً وتطوراً».

الحِرف اليدوية تحمل طابعاً تراثياً (وزارة السياحة والآثار)

وأوضح غنيم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المتحف عبارة عن منارة ثقافية هدفها ليس فقط عرض الآثار، لكن أيضاً عرض التراث المصري سواء المادي أو غير المادي، وربطها بالحضارة المصرية القديمة وعبر عصور مختلفة وصولاً إلى العصر الحديث».

وتضمنت الفعالية جولة بالمتحف تمت خلالها زيارة البهو، حيث تمثال الملك رمسيس، والدَّرَج العظيم، وقاعات العرض الرئيسة، وكذلك المعرض الخاص بالفعالية، كما اختتمت فرقة «فابريكا» الفعالية، حيث قدَّمَت أوبريت «الليلة الكبيرة»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

ويضيف الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف أن «الجمعيات الأهلية أو الجهات المتخصصة والمعنية بالتراث نحاول أن نعرضها في المتحف بشكل لائق ومشجع لمن يقومون على هذه الحِرف والفنون».

جانب من فعالية «تأثير الإبداع» للفنون التراثية والحِرف اليدوية (وزارة السياحة والآثار)

وأشار إلى أن الفعالية تضمنت عرض مجموعات من الخزف وكذلك فنون على الأقمشة والأعمال الخاصة بالخشب وأعمال متنوعة في المجالات كافة.

ويعدّ المتحف المصري الكبير من أهم المتاحف المصرية المنتظر افتتاحها، ووصفه رئيس الوزراء المصري في تصريحات سابقة بأنه سيكون «هدية مصر للعالم»، ويقع المتحف على مساحة 117 فداناً، ضمن مشهد مفتوح على منطقة الأهرامات الثلاثة، وتُعوّل مصر عليه كثيراً في تنشيط الحركة السياحية، ومن المنتظر أن يشهد عرض المجموعة الكاملة لآثار الفرعون الذهبي توت عنخ آمون التي يتجاوز عددها 5 آلاف قطعة لدى افتتاحه الرسمي بشكل كامل.

وتضمنت الفعالية التي شهدها المتحف رحلة عبر الزمن اصطحبتهم من الماضي حيث الحضارة الخالدة، مروراً بالحاضر ورموزه الفنية، نحو صورة لمستقبل أكثر ابتكاراً وإبداعاً.

وتعدّ فعالية «تأثير الإبداع» إحدى الفعاليات المتنوعة التي يستضيفها المتحف المصري الكبير في إطار التشغيل التجريبي الذي يشهده ويتيح لزائريه زيارة منطقة المسلة المعلقة، والبهو العظيم والبهو الزجاجي، والمنطقة التجارية، بالإضافة إلى قاعات العرض الرئيسة التي تم افتتاحها جزئياً.