تقنية حكم الفيديو المساعد ضرورية رغم الجدل المثار حولها

لو كانت تقنية حكم الفيديو المساعد (الفار) مطبقة في الماضي لتغير الكثير من تاريخ كرة القدم، فلم يكن المنتخب الإنجليزي ليفوز بلقب كأس العالم عام 1966. حيث كان سيتم إلغاء الهدف الذي سجله جيوف هورست في مرمى ألمانيا الغربية، لأن الكرة لم تتجاوز خط المرمى.
وعلاوة على ذلك، كان الهدف الذي أحرزه الأسطورة الأرجنتينية دييغو أرماندو مارادونا من لمسة يد واضحة في مرمى المنتخب الإنجليزي في كأس العالم عام 1986 بالمكسيك لن يحتسب، وكان مارادونا سيحصل على بطاقة صفراء، ثم يطرد بعد ذلك بقليل لاعتراضه على حكم المباراة، وهو ما يعني أنه لم يكن ليحرز ذلك الهدف الرائع الذي أحرزه من مجهود فردي بعدما راوغ معظم لاعبي المنتخب الإنجليزي، وهو الهدف الذي يراه كثيرون أفضل هدف في تاريخ كرة القدم. ونتيجة لكل ذلك، لم يكن المنتخب الأرجنتيني بقيادة مارادونا ليحصل على لقب المونديال بالمكسيك.
ولو كانت تقنية حكم الفيديو المساعد مطبقة في السابق لخسرنا أمام إسبانيا في الدور ربع النهائي لكأس الأمم الأوروبية عام 1996 ولما وصلنا للدور نصف النهائي أمام ألمانيا، وبالتالي لم نكن لنلعب ركلات الترجيح أمام المنتخب الألماني ويضيع المدير الفني الحالي للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، ركلة الجزاء الحاسمة! ونتيجة لذلك، لم يكن ساوثغيت ليحصل على الخبرات اللازمة التي تمكننا بعد ذلك من الوصول للدور نصف النهائي لكأس العالم 2018 بروسيا - وبالتالي لم يكن كيران تريبير وماركوس راشفورد ليسجلا ركلتي جزاء في المونديال على طريقة كريس وادل.
وحتى كريس وادل لم يكن ليهدر ركلة الجزاء الشهيرة في كأس العالم 1990. لأن إنجلترا لم تكن لتصل من الأساس للدور نصف النهائي للمونديال، لأنه لو كانت تقنية حكم الفيديو المساعد مطبقة لحصل مهاجم المنتخب الإنجليزي غاري لينكير على بطاقة صفراء لمحاولته خداع حكم اللقاء وتعمده السقوط داخل منطقة جزاء المنتخب الكاميروني في الدور ربع النهائي للبطولة، بدلاً من حصوله على ركلة الجزاء التي أهلت منتخب بلاده لنصف نهائي المونديال!
وهناك بعض الشكوك بشأن استخدام تقنية حكم الفيديو المساعد على نحو غير رسمي للمرة الأولى في نهائي كأس العالم 2006! فمن المؤكد أن حكم اللقاء ومساعده لم يشاهدا النجم الفرنسي زين الدين زيدان وهو «ينطح» المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي، قبل أن يتم تنبيه حكم اللقاء لذلك ويقوم بطرد زيدان. ومن المؤكد الآن أن تقنية حكم الفيديو المساعد تتسبب في حالة من الجدل الكبير بين مؤيد ومعارض، ومن المؤكد أيضاً أن كل طرف من هذين الطرفين يحاول جاهداً تأكيد وجهة نظره مع كل حالة مثيرة للجدل من الحالات التي يتم فيها الاعتماد على هذه التقنية المثيرة للجدل.
وقد انتابني شعور بالراحة والطمأنينة عندما أنصفت تقنية حكم الفيديو المساعد نادي توتنهام هوتسبير مرتين أمام مانشستر سيتي على ملعب «الاتحاد» خلال الأشهر الأخيرة. وفي الوقت نفسه، كان الأمر غير مرضٍ بكل تأكيد، فيما يتعلق بلمسات اليد الواضحة التي رأيناها في دوري أبطال أوروبا وفي كأس العالم للسيدات، وحالات التسلل الواضحة التي لم تنجح تقنية حكم الفيديو المساعد في التعامل معها بشكل صحيح.
وباستثناء القائمين على المقر الرئيسي لتقنية حكم الفيديو المساعد في «ستوكلي بارك»، لا يوجد كثيرون يعتقدون أن هذه التقنية تعمل بشكل مثالي. وفي الحقيقة، أنا شخصياً لا أعرف كيف يتعامل المعلقون والصحافيون مع هذا الأمر. وأصبح من الممل أن يتعامل هؤلاء مع اللحظة التي يتم فيها اللجوء إلى تقنية حكم الفيديو المساعد على أنها اللحظة الحاسمة التي ستغير نتيجة المباراة - فقد تكون تمريرة بينية أو حتى استخلاص للكرة أكثر أهمية في تحديد نتيجة المباراة. ومن المؤكد أن هوسنا بهذه التقنية سوف يتلاشى مع مرور الوقت وبمجرد تعودنا على هذا الأمر.
إن البعض على موقع «تويتر» يتعاملون مع كرة القدم وكأنهم «خبراء»، إن جاز التعبير، وأكدوا أنه لا يمكن إثبات أن لاعب توتنهام هوتسبير سون هيون مين لم يكن متسللاً خلال اللعبة التي أدت إلى الهدف الذي أحرزه سيرج أوريه في مرمى ليستر سيتي الأسبوع الماضي وأن تقنية حكم الفيديو المساعد كانت مخطئة. في الحقيقة، ليس هناك فائدة من الحديث عن العودة مرة أخرى إلى أيام ما قبل تطبيق تقنية حكم الفيديو المساعد، لأن ذلك لن يحدث والزمن لن يعود للوراء مرة أخرى.
والآن، أصبح بإمكان الجمهور الموجود في ملعب المباراة أن يرى إعادة اللعبة على الهواتف في غضون دقيقة واحدة. لكن الشيء المؤكد أن تقنية حكم الفيديو المساعد تحتاج إلى تطوير وأن تكون أسرع مما هي عليه الآن، في الوقت الذي يعمل فيه الاتحاد الدولي لكرة القدم على تطوير قوانين كرة القدم لكي تتواكب مع هذه التكنولوجيا.
وهناك الكثير من الجدل بشأن قوانين التسلل، التي تصب في مصلحة المدافعين في الوقت الحالي. وإذا قمنا بتغيير هذه القوانين لكي تحتسب حالات التسلل بكل دقة، فهل سيؤدي ذلك إلى حل هذه المشكلة؟ وماذا سيحدث عندما يكون جزء من جسد المهاجم في موقف غير متسلل والجزء الآخر في موقف تسلل؟ وإذا كان رأس المهاجم أو كتفه أو صدره في موقف تسلل، فإن اللعبة تحتسب «تسلل»، كما أن الألعاب الهوائية بالرأس لا تمثل مشكلة في هذا الأمر، لأنه لا يوجد لاعب على الإطلاق قادر على الانطلاق في الهواء والبقاء في هذا الوضع قبل أن تلعب الكرة العرضية من زميله!
لقد وصل بنا الأمر في حالات التسلل إلى أن نتساءل: هل هذه القوانين لا تكون في مصلحة اللاعب صاحب القدم الصغيرة؟ وهل يمكن لبعض المهاجمين أن يرتدوا أحذية أطول قليلاً من الخلف، حتى يظهر جزء من أقدامهم على نفس الخط مع المدافعين، حتى لا تحتسب اللعبة «تسلل» عند اللجوء إلى تقنية حكم الفيديو المساعد؟ وهل تنجح هذه التقنية في وضع حد لأي جدل يتعلق بحالات التسلل؟ في الحقيقة، لا يمكنها القيام بذلك، لكنها تعد بمثابة حل وسط قادر على الفصل في الحالات الواضحة، ويمكنها أن تقول بكل وضوح إن رحيم ستيرلينغ لم يكن متسللاً أمام وستهام يونايتد هذا الموسم، وأن سون لم يكن متسللاً أمام ليستر سيتي، لكن سيرجيو أغويرو كان متسللاً أمام توتنهام هوتسبير في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، وأن ماسون ماونت كان متسللاً أمام ليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز الأسبوع الماضي.
في الواقع، يستغرق اللجوء إلى تقنية حكم الفيديو المساعد الكثير من الوقت - فهل يمكن الاعتماد على العد التنازلي للوقت بعد تسجيل الهدف، بمعنى أن يتم تحديد وقت معين للعودة إلى تقنية حكم الفيديو المساعد، وبعد ذلك يتعين على الحكم اتخاذ قراره النهائي؟ أو هل يمكن أن نمنح المدير الفني لكل فريق حق الاعتراض على لعبتين اثنتين فقط في المباراة وأن يطلب العودة إلى تقنية حكم الفيديو المساعد في كل منهما، كما هو الحال في لعبة الكريكيت؟ لكن المشكلة في لعبة كرة القدم تكمن في أن الهدف الذي يُسجل يكون مهماً للغاية وأن كرة القدم لا تشهد الكثير من الأهداف مثل الألعاب الأخرى، وهو ما سيعني أن كل مدير فني سيرغب في الرجوع إلى تقنية حكم الفيديو المساعد في كل هدف يدخل مرمى فريقه!
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن اللجوء إلى تقنية حكم الفيديو المساعد قد «قتلت» أو أفسدت فرحة إحراز الهدف لدى اللاعبين وجعلتهم غير قادرين على الاحتفال بإحراز الأهداف خشية أن يتم إلغاؤها في نهاية المطاف بعد الرجوع لتقنية حكم الفيديو المساعد. ربما يتعين على اللاعبين الآن أن يتقبلوا الأمر كما هو الآن، وأن يدركوا أنه بعد احتفالهم بالأهداف قد يتم إلغاؤها، أو أنه يتعين عليهم أن يتأكدوا أولاً من صحة الأهداف ثم يحتفلون بعد ذلك! وخلاصة القول، من المؤكد أن كرة القدم قبل تقنية حكم الفيديو المساعد ليست ككرة القدم بعد هذه التقنية المثيرة للجدل، والتي لو كانت مطبقة في السابق لتغير الكثير والكثير من تاريخ الساحرة المستديرة، ولما رأينا العديد من اللحظات التي لا تزال خالدة في ذاكرة محبي وعشاق هذه اللعبة في جميع أنحاء العالم.