يحتفل المواطنون حول العالم اليوم، باليوم الدولي للقهوة الذي أقرته منظمة القهوة العالمية عام 2015. لإبراز أهمية ذلك المشروب الذي لطالما ارتبط اسمه بالهدوء واعتدال المزاج، وللاعتراف كذلك بفضل ملايين الناس الذي يجدون في إنتاجه، من المزارعين إلى المحامص إلى التجار وأصحاب المقاهي والباعة المتجولون وغيرهم، إضافة لكون المنظمة رأت ضرورة أن يتم في هذا اليوم التشجيع على التجارة العادلة للقهوة وزيادة الوعي حول المشاكل التي تحيط بزراعة البن.
في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته (360 كليو متر مربع)، يُستهلك سنوياً نحو 2000 طن من «القهوة الناشفة»، أي خمسة أطنان يومية تقريباً، وبذلك يعتبر من أكثر المناطق استهلاكاً للقهوة في منطقة الشرق الأوسط، وترجع أسباب ذلك، لحالة الفراغ واليأس التي يعيشها السكان، الناتجة عن ظروف الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 12 عاماً، إضافة لزيادة الإقبال على المقاهي من قبل الشباب الذين تزيد نسبة البطالة بينهم عن الـ50 في المائة حسب آخر الإحصائيات الرسمية.
خلف عربة صغيرة توسطت الساحة الخضراء لحديقة الجندي المجهول الواقعة غرب مدينة غزة، يقف الشاب إبراهيم المصري (28 عاماً)، يعد باحتراف طلبات الزبائن من «الكيفية» الذين يزورنه بصورة شبه يومية، لارتشاف القهوة التي يصنعها لهم بنفسه من مرحلة التحميص وحتى التقديم جاهزة.
يوزع نظراته متلفتاً على صوتٍ يناديه قائلاً: «جهز ثلاثة قهوة يا إبراهيم»، يرد بابتسامة واضحة «خمس دقائق وبيكونوا جاهزين».
يقول إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل هنا منذ 10 سنوات، أي منذ أنهيت الثانوية العامة بمعدل 85 في المائة. كنت أرغب وقتها في استكمال الدراسة الجامعية في تخصص الهندسة الذي أحببته، لكن الظروف الاقتصادية آنذاك لم تسمح بتحقيق ذلك»، مضيفاً بضحكة عالية: «لا بأس، أنا اليوم مهندس للقهوة»، فمهمة تعديل مزاج أحدهم بعد أن يكون مُثقلًا بالتعكير، أصعب من تصميم بنايةٍ سكنية من خمسة طبقات".
لا يبيع الشاب على العربة غير القهوة «الأصيلة» التي تعود عليها كل من يزوره منذ سنوات، ويوضح أنه يجهزها بنفسه بطريقة خاصة وخبرة اكتسبها مع الوقت، لافتاً أن الزبائن من أقرانه الشباب يشعرون غالباً بالراحة واعتدال المزاج فور احتسائهم «للمعشوقة»، كما أنها قد تأخذهم في كثير من الأوقات بعيداً عن تعقيدات الواقع والسياسة التي أجهزت على أحلامهم وسلبت زهوة أعمارهم.
قصة أخرى، نُسجت تفاصيلها برفقة حبات «المعشوقة السمراء»، فمع إشراقة كل صباح يوم أربعاء يرتاد المختار أبو رضوان النجار (65 عاماً)، السوق المركزية في مدينة خانيونس الواقعة جنوب قطاع غزة، ليشتري ثلاثة كيلو من حبات القهوة الكولومبية، ينقلها بعد ذلك لديوانه العربي المشهور بين أهل منطقته، حيث يحمصها هناك على النار ويطحنها باستخدام «الجِرن» اليدوي، ثم يغليها بالطريقة التراثية، مستخدماً بذلك عدداً من «البكارج» والأواني النحاسية، ويُقدمها لكل من يزوره خلال أيام الأسبوع.
يذكر النجار لـ«الشرق الأوسط» أن أصول إعداد وتقديم القهوة العربية التي يَتبعها صارت نادرة الاستخدام في هذا العصر، بسبب التطور التكنولوجي والتقني، مشيراً إلى أن صب القهوة للضيوف للترحيب بهم من أهم صفات الكرم لدى العرب، كما أنها مصدر للفخر في المجالس وشكل من أشكال التعبير عن الشهامة والرجولة، وينوه بأنه حريص على صنع القهوة بمذاقٍ جيد، لأن القهوة «الصايدة» غير حسنة الطعم تدخل في نطاق «العيب».
ومن بين التقاليد العربية المرتبطة بالقهوة، وجوب سكبها باليد اليسرى وتُقدم للضيف باليُمنى، وفي حال العكس يُفهم الأمر سلباً، كما أنه يجب على الصباب الانتظار بجانب الضيف حتى يُنهي شرب فنجانه الذي يُفضل السكب فيه بمقدار رشفتين فقط، وإذا مُلئ كاملاً «قد تعتبر إهانة للضيف»، ومن الضروري كذلك التزام المضيف بتقديم القهوة لأكبر الحضور الغرباء، وعلى التوالي تُقدم القهوة حسب أهمية الشخص ومكانه في المجلس.
في اليوم الدولي للقهوة... مواطنون من غزة يروون حكايا عشقها
معدل الاستهلاك في القطاع من بين الأعلى إقليمياً
في اليوم الدولي للقهوة... مواطنون من غزة يروون حكايا عشقها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة