ندرة مياه... رغم غزارة الأمطار قرب منابع النيل

معادلة صعبة فرضتها ظاهرة الاحترار العالمي

الاحترار العالمي يحرم النيل من الزيادة في مياه الأمطار
الاحترار العالمي يحرم النيل من الزيادة في مياه الأمطار
TT

ندرة مياه... رغم غزارة الأمطار قرب منابع النيل

الاحترار العالمي يحرم النيل من الزيادة في مياه الأمطار
الاحترار العالمي يحرم النيل من الزيادة في مياه الأمطار

عندما يسقط مزيد من الأمطار، فهذا يعني زيادة كمية المياه في مجرى نهر النيل، لكن هذه الزيادة التي تحدث بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ستضيع مع كميات إضافية تفوقها بكثير، بسبب تأثيرات الحرارة ذاتها على زيادة معدلات التبخر. هذه المعادلة الصعبة توقعتها دراسة لكلية «دارتموث» الأميركية، وذهبت إلى أن الزيادة السكانية في شعوب حوض نهر النيل ستزيد من الإحساس بخطورة هذه المشكلة، حيث سيتجاوز الطلب السنوي على المياه العرض بشكل كبير.
ركزت الدراسة، التي نشرها الموقع الإلكتروني للكلية أوائل سبتمبر (أيلول) 2019، على منطقة حوض أعالي النيل، التي تشمل غرب إثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا، وهي المنطقة التي تشهد أغلب الأمطار التي تغذي مجرى النيل وصولاً إلى مصر والبحر الأبيض المتوسط.
المشكلة التي رصدتها الدراسة هي أن حوض أعالي النيل يتأثر بأثرين متناقضين على ما يبدو لتغير المناخ، فباستخدام مزيج من النماذج المناخية المتاحة، توقع الباحثون زيادة في هطول الأمطار، خلال الفترة المتبقية من هذا القرن، نتيجة لزيادة الرطوبة في الغلاف الجوي المرتبطة عادة بالاحترار.
ووفق توقعات الدراسة، فإن السنوات الحارة والجافة في المنطقة ستصبح أكثر تواتراً خلال العقود الأربعة الماضية، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه على مدار القرن مع تواتر السنوات الحارة والجافة بقدر ثلاثة أضعاف.
ورغم أن هذه الحرارة ستزيد من الأمطار، فإنها في المقابل ستؤدي لزيادة التبخر، وهي مشكلة ستظهر آثارها بشكل واضح مع مضاعفة الطلب على المياه بسبب الزيادة السكانية، حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان المنطقة بحلول عام 2080، ما سيفرض مطالب إضافية على موارد المياه.
ووفقاً للدراسة، فإن الطلب السنوي على المياه النيل سيتجاوز العرض بانتظام بحلول عام 2030، ما يتسبب في ارتفاع نسبة سكان أعالي النيل الذين يعانون من شح المياه بشكل حاد.
وبحلول عام 2080، قدرت الدراسة أن ما يصل إلى 65 في المائة من سكان المنطقة (250 مليون شخص)، قد يواجهون ندرة مزمنة في المياه خلال السنوات الحارة والجافة بشكل مفرط.
ويقول الدكتور إيثان كوفيل الباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره موقع الكلية، «المناخ المتطرف يؤثر على الناس... لا تتناول هذه الدراسة فقط التغيرات عالية المستوى في درجات الحرارة أو هطول الأمطار، بل تشرح أيضاً كيف ستغير هذه الظروف حياة أناس حقيقيين».
ويضيف: «حوض النيل هو واحد من عدة مناطق سريعة النمو، يغلب عليها الطابع الزراعي، وهي بالفعل على شفا ندرة المياه الشديدة، ويمكن أن تساهم الضغوط البيئية بسهولة في الهجرة، وحتى في النزاع».
هذه الأزمة التي توقعتها الدراسة: «لا بديل أمام شعوب نهر النيل سوى الاستعداد لها بالتوسع في مشروعات تحلية مياه البحر».
ورغم الخطط التي أعلنتها بعض الدول، منها مصر، للتوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر، إلا أن الدكتور خالد فؤاد، أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، يرى أنها غير كافية.
وتتضمن الخطة المصرية، وفق وزارة الإسكان، زيادة الموارد المائية من محطات تحلية مياه البحر بحلول عام 2020 إلى 1.7 مليون م3 - يوم، بما نسبته 6.6 في المائة من إجمالي مياه الشرب.
ويشير فؤاد إلى الحاجة لمزيد من توجيه المياه التي كانت تذهب للشرب نحو الزراعة، التي ستتأثر كثيراً بسيناريوهات الفقر المائي المتوقعة.
ويصطدم هذا المطلب الذي طرحه فؤاد بأن محطات تحلية المياه مكلفة من ناحية التأسيس، لأن أغلب مكوناتها مستوردة، فضلاً عن أنها مكلفة عند التشغيل، لأنها تستهلك كميات كبيرة من الوقود.
الحل الذي يشدد عليه، ولا يرى له بديلاً، هو الإسراع بالعمل على توطين صناعة محطات التحلية محلياً من ناحية، مع استخدام الطاقة الشمسية بديلاً للوقود التقليدي في تشغيل هذه المحطات.


مقالات ذات صلة

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

يوميات الشرق معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثّلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً