في مخيم الهول... أطفال دون جنسية وآباء خلف القضبان وأمهات قلقات على المستقبل

داعشيات مع أطفالهن في مخيم «الهول» (أ.ف.ب)
داعشيات مع أطفالهن في مخيم «الهول» (أ.ف.ب)
TT

في مخيم الهول... أطفال دون جنسية وآباء خلف القضبان وأمهات قلقات على المستقبل

داعشيات مع أطفالهن في مخيم «الهول» (أ.ف.ب)
داعشيات مع أطفالهن في مخيم «الهول» (أ.ف.ب)

تروي أمل المتحدرة من بلدة الباب، بريف حلب الشرقي، قصة زواجها من مقاتلين أجانب وإنجاب أطفال لا يحملون جنسية أي بلد. أمل تبلغ من العمر 22 سنة فقط لكن ليس لها من اسمها نصيب. فقد انقلبت حياتها عندما أجبرها والدها على الزواج من مقاتل شيشاني منتصف عام 2014 وكان عمرها آنذاك 17 عاماً، قبل أن تنتهي بها الأمور للعيش اليوم في مخيم الهول شرق سوريا.
أثناء الحديث معها كانت أمل تجلس في خيمتها وإلى جانبها يلعب طفلان تتراوح أعمارهما بين سنة وخمس سنوات، لكن كلاً منهما ولد من أب يحمل جنسية أجنبية مختلفة. لم يتم تسجيلهما في قيود الولادة الرسمية بعد تجربة مريرة خاضتها هذه السيدة السورية وكثير من مثيلاتها اللواتي تزوجن من عناصر في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي ولم تكنّ على علم بأن المطاف قد ينتهي بهن في هذا المكان المعزول وبأن مستقبلاً غامضاً ينتظرهن وأطفالهن. وأكثر ما يؤلم أمل اليوم عندما يسألها طفلاها عن مصير والدهما فلا يوجد لديها جواب. ترد بالسكوت والبكاء لكنهما ليسا جواباً كافياً لأطفال لا يدركون أنهم ولدوا في بلد مزقته نيران الحرب، ومزقت أواصر أسرة مجهولة القيود بسبب غيابها عن السجلات الرسمية لا في الدولة التي يعيشون فيها ولا في موطن آبائهم.
سكنت أمل بداية في مدينة الرقة مع زوجها الشيشاني وفي بداية حديثها قالت: «لم يكن زوجي يعرف العربية، وكانت الحياة صعبة. كل شيء يطلبه مني كان يرسمه. فنجان أو كأس شاي مثلاً، وعندما يجوع يرسم لي أشكالاً من الطعام».
قالت إن زوجها كان قاسيا في معاملته ويضربها بشكل مستمر، الأمر الذي دفعها إلى خلعه وطلب الطلاق من المحكمة الشرعية، رغم المحاذير التي واجهتها وعواقبها الخطيرة. وأضافت قائلة: «الخلع عند التنظيم شبه مستحيل، لكنني توسلت للقاضي وطلب مني دعم روايتي بتقارير طبية تؤكد تعرضي للضرب المبرح». وبالفعل، ذهبت أمل إلى المستشفى وحصلت على التقارير المطلوبة، وفي اليوم التالي وافق القاضي على طلاقها، لكنها تفاجأت بأنها حامل ومضت في طريقها وتركت المنزل. وبعد يومين، قُتل زوجها بغارة من طيران التحالف. أعربت عن فرحتها، قائلة: «حقيقة فرحت عندما قُتل، كان يعاملني على أنني جارية وخادمة ليس أكثر».
وبعد فترة قصيرة وهرباً من سكن النساء المخصص للسيدات اللواتي يقتل أزواجهن وبسبب المعاملة السيئة في ذلك المكان، وافقت على الزواج من مقاتل عراقي الجنسية وكان يكبرها بعشرين سنة. وعن تجربتها الثانية تقول: «خلال 5 سنوات تنقلنا كثيراً في تل أبيض، ثم رجعنا للرقة، كما ذهبنا إلى الميادين ثم البوكمال، وقصدنا مدينة القائم العراقية وفي النهاية كنا في الباغوز». لكنها طوال السنوات الخمس الماضية لم تنعم بالاستقرار وزاد من وضعها بؤساً مقتل زوجها العراقي بمعركة الباغوز وقد ترك لها طفلة عمرها أشهر معدودة، فقررت عدم الزواج من جديد.
وفي مخيم الهول تتحمل كثير من النساء السوريات والعراقيات أعباء ومسؤوليات تربية أطفال ولدوا من مقاتلين أجانب بعد سيطرة عناصر التنظيم على مساحات شاسعة قبل طرده والقضاء على مناطقه العسكرية ربيع العام الحالي. وعلى رغم ذلك تجد نساء يحملن طفلاً رضيعاً على ظهورهن أو يكن حوامل. ينتظرن في طابور طويل لساعات تحت شمس حارقة في الصيف حتى يأتي دورهن لتسلم حصص غذائية.
أما سعاد (مواليد عام 1991) المتحدرة من مدينة حمص وسط سوريا فقد اضطرت مع زوجها الحمصي إلى ترك المدينة (سكان حي باب سباع) والانتقال إلى محافظة الرقة بداية 2013. وفي نهاية العام نفسه قتل زوجها بضربة لطائرات النظام وترك لها فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات. وبعد سيطرة تنظيم «داعش» على المدينة بداية 2014 وافقت على الزواج من مقاتل «مهاجر» كان يتحدر من روسيا قريب من زوج شقيقتها، ليُقتل بعد سنة من زواجهما ويترك لها طفلاً عمره 5 سنوات. فتزوجت للمرة الثالثة من مقاتل عربي يتحدر من المغرب وهي حامل منه اليوم لكنه محتجز لدى «قوات سوريا الديمقراطية».
ومن خلف خمارها الأسود لم يظهر منه سوى عينين قلقتين، أعربت سعاد عن غضبها لجهلها مصير زوجها الذي تمّ توقيفه بعد خروجه من الباغوز قبل أشهر. وقالت: «قدّمت طلباً لزيارته مرات كثيرة لكنهم رفضوا ذلك. أريد أن أعرف هل لا يزال هنا في سوريا أم تم ترحيله إلى بلده المغرب». وعن مصير أطفالها مكتومي القيد، قالت: «لم أدرك مصاعب توثيق وتثبيت مواليد أطفالي والحصول على وثائق وبطاقات شخصية. كنا في حالة حرب ولا توجد سجلات رسمية، واليوم نعيش تحت رحمة هذه الخيمة». صمتت برهة محاولة التوقف عن البكاء، قبل أن تتابع كلامها: «لا أريد لطفلي الجنين أن يواجه مصير إخوته نفسه ويكون مكتوم القيد».
فاطمة ذات الـ25 سنة أُجبرت برفقة زوجها على الخروج من حي باب النيرب بمدينة حلب بداية 2013 بعد تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية في مسقط رأسها، الأمر الذي دفع الأسرة للنزوح إلى بلدة منبج شمالاً. وبعد سيطرة تنظيم «داعش» عليها صيف 2014 ومقتل زوجها بالعام نفسه، أجبرت على الزواج من مقاتل كان يتحدر من طاجيكستان أنجبت منه طفلة عمرها سنة ونصف السنة وبعد مقتله تزوجت من مقاتل تونسي ليقتل هو الآخر في معارك طرد التنظيم من بلدة الباغوز بشهر مارس (آذار) الماضي، وهي حامل منه اليوم. وعن سبب زواجها أكثر من مرة علقت قائلة: «أخذوني لمضافة النساء، وكان يشرف علينا جهاز الحسبة (شرطة التنظيم النسائية)، كانت معاملتهن سيئة للغاية، فقبلت الزواج من أول شخص يطلبني للزواج». سكتت برهة واغرورقت عيناها بالدموع قائلة: «غالباً ما يتخذ المقاتل أكثر من زوجة واحدة ويكون لديه سبايا يبيع ويشتري متى يشاء، ثم يطلقون زيجاتهم بعد شهور معدودة ويتزوجون من جديد».
وعلى الرغم من ذلك، تخشى نساء مخيم الهول فصل أزواجهن عن عائلاتهم بعد الإفراج عنهم، وترحيل كل مقاتل أجنبي إلى دولته لتستمر إجراءات محاكمته قانونياً هناك، بينما يبقى مستقبل أطفالهم غامضاً ومعقداً.
خلال المقابلة مع النساء في المخيم كانت ترتفع ضحكات عدد كبير من الأطفال السوريين والعراقيين والعرب والأوروبيين يلهون مع بعضهم بين الخيم أو ينقلون عبوات مياه كبيرة لأمهاتهم. فالمخيم لا يزال يفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل المدارس والأماكن المخصصة لرعاية الأطفال.
ويؤوي مخيم الهول الواقع على بعد نحو 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة أكثر من سبعين ألف شخص، معظمهم سوريون وعراقيون وأجانب يتحدرون من 50 جنسية غربية وعربية، مما يشكل عبئاً يُثقل كاهل السلطات الكردية التي تشرف على المنطقة والتي طالبت مراراً منظمات الأمم المتحدة وجهات دولية إنسانية بدعم أكبر للاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
ووصفت ماجدة أمين مديرة مخيم الهول الوضع بأنه «شديد الصعوبة وكارثي» لوجود عشرات الآلاف من الأشخاص أغلبهم من النساء والأطفال في حاجة حقيقية إلى المساعدة، حيث تعرض القسم الأكبر منهم لفظائع وشهدوا حروباً ومشاهد موت يعجز عنها الوصف ومعاناة بدنية ونفسية. ولدى حديثها لـ«الشرق الأوسط» من مكتبها بالمخيم، قالت: «هؤلاء يحتاجون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية، فالمخيم يفتقر لمراكز ومؤسسات تعليمية وترفيهية، وبإمكانات بسيطة قمنا بافتتاح حديقة كمتنفس لهذه الأسر والأطفال الذين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة».
وما يزيد الوضع تعقيداً غياب قنصليات معظم الدول والتي لا تملك القدرة على تقديم الخدمات أو تستطيع الوصول إلى مواطنيها في المنطقة، لغياب مكاتب قنصلية رسمية في المناطق الخاضعة لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» شمال شرقي سوريا. وفي الوقت الذي ترفض فيه منظمة «يونيسيف» والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة استيعابهم أو تعرفيهم بوصفهم لاجئين؛ تحجم إدارة مخيم الهول عن منحهم وثائق ثبوتية وبالكاد يتم تعريفهم في السجلات على قيود أمهاتهم.



زعيم الحوثيين يتبنى مهاجمة 162 سفينة خلال 30 أسبوعاً

دخان يتصاعد في صنعاء إثر غارة غربية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)
دخان يتصاعد في صنعاء إثر غارة غربية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)
TT

زعيم الحوثيين يتبنى مهاجمة 162 سفينة خلال 30 أسبوعاً

دخان يتصاعد في صنعاء إثر غارة غربية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)
دخان يتصاعد في صنعاء إثر غارة غربية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

تبنى زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي، الخميس، مهاجمة 162 سفينة منذ بدء التصعيد البحري في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأقر بتلقي جماعته 19 غارة غربية خلال أسبوع، وذلك في سياق الضربات الدفاعية التي تقودها واشنطن لحماية الملاحة.

وتشن الجماعة الموالية لإيران هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي للشهر الثامن؛ إذ تحاول منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، كما تدّعي، بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية، كما أعلنت حديثاً توسيع الهجمات إلى البحر المتوسط، وتبنّت هجمات في موانئ إسرائيلية، بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لإيران.

مشهد وزعه الحوثيون لمهاجمة سفينة «ترانس وورلد نافيجيتور» في البحر الأحمر بزورق مسير مفخخ (أ.ف.ب)

الحوثي زعم في خطبته الأسبوعية أن قوات جماعته استهدفت خلال أسبوع 6 سفن ليصل إجمالي السفن المستهدفة منذ بداية الهجمات إلى 162 سفينة، وقال إن هجمات هذا الأسبوع نفذت بـ20 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيرة وزورقاً.

وفي حين لم تشر تقارير الأمن البحري إلى أي هجمات تعرضت لها السفن في الأيام الماضية، اعترف زعيم الحوثيين بتلقي 19 غارة وصفها بـ«الأميركية والبريطانية» خلال أسبوع، دون أن يتحدث عن سقوط قتلى أو جرحى.

ومع توعد الحوثي باستمرار الهجمات ومزاعمه التفوق على القوات الغربية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت، الأربعاء، أن قواتها نجحت خلال 24 ساعة في تدمير موقعي رادار للحوثيين المدعومين من إيران في المناطق التي يسيطرون عليها، إلى جانب تدمير زورقين مسيرين في البحر الأحمر.

وطبقاً للبيان الأميركي كانت مواقع الرادار والزوارق تمثل تهديدات وشيكة للولايات المتحدة وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة، حيث تم تدميرها لحماية حرية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أماناً.

وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض، وشاركتها بريطانيا في 5 مناسبات حتى الآن، كما شارك عدد من سفن الاتحاد الأوروبي ضمن عملية «أسبيدس» في التصدي لهجمات الجماعة.

وبلغ عدد الغارات الأميركية والبريطانية ضدّ الحوثيين على الأرض، منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، نحو 560 غارة، أدَّت في مجملها، حتى الآن، إلى مقتل 58 عنصراً، وجرح 86 آخرين، وفق ما اعترفت به الجماعة.

السفينة البريطانية «روبيمار» غرقت في البحر الأحمر إثر هجوم حوثي (رويترز)

وأعطت الهجمات الحوثية المتلاحقة في الشهر الماضي انطباعاً عن فاعليتها، خاصة مع غرق السفينة اليونانية «توتور» في البحر الأحمر، لتصبح ثاني سفينة تغرق بعد السفينة البريطانية «روبيمار»، وتهديد سفينتين على الأقل بمصير مماثل، لتضاف إلى السفينة المقرصنة «غالاكسي ليدر» منذ نوفمبر الماضي.

وأصابت الهجمات الحوثية حتى الآن نحو 28 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان، حيث أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور» التي استهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

الحوثيون استغلوا حرب غزة لتجنيد عشرات الآلاف حيث يصوبون أعينهم باتجاه المناطق اليمنية المحررة (أ.ف.ب)

وتقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ليست ذات جدوى لتحييد الخطر الحوثي على الملاحة، وأن الحل الأنجع هو دعم قواتها المسلحة لاستعادة الحديدة وموانئها وبقية المناطق الخاضعة للجماعة.

ويستبعد مراقبون يمنيون أن ينتهي الخطر الحوثي البحري بانتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث تتربص الجماعة المدعومة من إيران ببقية المناطق اليمنية المحررة، خاصة بعد أن تمكنت من تجنيد عشرات الآلاف من بوابة «مناصرة فلسطين».