الطاقة المتجددة في مصر... مشاريع عملاقة للشمس والرياح

TT

الطاقة المتجددة في مصر... مشاريع عملاقة للشمس والرياح

يثير قطاع الطاقة المتجددة في الأسواق الناشئة اهتمام المستثمرين والممولين والمشغلين على حد سواء. وتعد مصر من بين الدول التي تشهد تحولات بارزة في هذا المجال، عبر سعيها لمعالجة أزمة الطاقة التي تواجهها منذ سنوات بتغيير مزيج الطاقة الكهربائية الخاص بها، ليشمل 20 في المائة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2022.
وفيما تتوقع الحكومة المصرية أن يتم توليد 12 إلى 14 في المائة من الطاقة النظيفة بالاعتماد على طاقة الرياح، فإن التركيز ينصب حالياً على مشروع «بنبان»، الذي سيصبح عند اكتماله أضخم مشروع للطاقة الشمسية الكهروضوئية على وجه الأرض.

استراتيجية متكاملة ومستدامة
بتعداد يبلغ حالياً 100 مليون نسمة، تتصدر مصر قائمة الدول العربية من حيث السكان، وتأتي في المرتبة الثالثة أفريقياً بعد نيجيريا وإثيوبيا. وقد أدت الزيادة المطردة في أعداد المواطنين إلى نمو سريع في الطلب على الطاقة، تسبب في أزمة وقود تصاعدت منذ سنة 2014، رغم اكتشافات الغاز الطبيعي البحرية الكبرى التي عرفتها البلاد في الآونة الأخيرة.
ومع وفرة أراضيها، وتمتعها بطقس مشمس ورياح عالية السرعة، تدرك مصر أهمية ما تملكه من ثروة طبيعة متجددة يمكنها أن تساعد في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، والانتقال إلى قطاع كهرباء أكثر استدامة وتنوعاً من الناحية البيئية. وتؤكد «استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى عام 2035»، التي تبنتها الحكومة المصرية في 2016، على أهمية الطاقة المتجددة، في سعيها لضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة في البلاد.
ووفقاً لتقرير «آفاق الطاقة المتجددة في مصر»، الصادر سنة 2018 عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، بالتعاون مع وزارة الكهرباء المصرية، يبلغ إجمالي القدرات المركبة لمصادر الطاقة المتجددة في البلاد 3.7 غيغاواط، تشمل 2.8 غيغاواط من الطاقة الكهرومائية، ونحو 0.9 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتعد هذه القدرات متواضعة نسبياً إذا ما قورنت بمجمل قدرات الكهرباء المركبة في 2018، التي تبلغ 50 غيغاواط.
وطبقاً لما هو محدد في استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة، وضعت الحكومة المصرية أهدافاً لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة لتبلغ 20 في المائة من مزيج الطاقة الكهربائية بحلول 2022، و42 في المائة بحلول 2035.
وفي المقابل، يخلص تحليل «خريطة طريق الطاقة المتجددة»، الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إلى أن مصر قادرة على توفير 53 في المائة من مزيج الطاقة الكهربائية بالاعتماد على المصادر المتجددة بحلول سنة 2030.
وفيما يشكل قطاع الطاقة نحو 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، يشير تحليل الوكالة إلى أن زيادة انتشار تقنيات الطاقة المتجددة ستؤدي إلى تخفيض في إجمالي تكاليف الطاقة بمقدار 900 مليون دولار سنة 2030، وهذا يعني انخفاض التكلفة بمقدار 7 دولارات لكل ميغاواط ساعي، بغض النظر عن انخفاض التكاليف الإجمالية المتصلة بتلوث الهواء، وآثاره الاجتماعية والصحية، التي من المقدَّر أن تصل إلى 4.7 مليار دولار سنة 2030.
وتتمثل أهداف التنمية المستدامة لمصر في مجال الطاقة في تحقيق ضمان أمن الإمدادات لتلبية الحاجات المستقبلية للبلاد، من خلال اعتماد مزيج الطاقة المتنوع، والاستثمار المباشر، وترشيد الاستهلاك، وإصلاح دعم الطاقة. كما تشمل الأهداف ضمان الاستدامة الفنية والمالية لقطاع الطاقة، وتحسين الإدارة المؤسسية، وتعزيز الأسواق واللوائح التنظيمية التنافسية.

الاستقرار يجتذب المشاريع
تتصدر مشاريع مصر في الطاقة المتجددة محطة الطاقة الشمسية في «بنبان» بأسوان، التي ستولد 1600 ميغاواط بتقنية الخلايا الكهروضوئية، ومحطة طاقة الرياح في جبل الزيت بالبحر الأحمر، التي تصل قدرتها الإجمالية إلى 580 ميغاواط، إلى جانب محطة الضبعة للطاقة النووية في مطروح، باستطاعة مقدارها 4800 ميغاواط. لكن الخطة تتضمن أيضاً محطة ضخمة في الحمراوين، على ساحل البحر الأحمر، لإنتاج الكهرباء من الفحم الحجري، بطاقة 6 آلاف ميغاواط، تحت مسمية «الفحم النظيف».
ويرى أستاذ الطاقة والبيئة في جامعة الخليج العربي الدكتور إبراهيم عبد الجليل أن «من أهم أسباب انطلاق مصر في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية، والطاقات المتجددة عموماً، هو استكمالها الإطار التشريعي والمؤسسي اللازم لتنفيذ تلك المشروعات، والضروري لجذب الاستثمارات في هذا القطاع الواعد للاقتصاد الوطني. فرغم تمتع مصر بموارد هائلة من الطاقة الشمسية، ومع وجود محاولات كثيرة منذ مطلع الثمانينات في القرن الماضي، فإن التوسع في استغلال تلك الموارد لم يشهد انطلاقة حقيقية إلا بعد استكمال ذلك الإطار». لكنه يضع علامة استفهام حول مفهوم «الفحم النظيف».
وكانت مصر قد اعتمدت استراتيجيتها الأولى للطاقة المتجددة عام 1982، حيث استهدفت إنتاج 5 في المائة من الكهرباء المولدة من مصادر متجددة بحلول سنة 2000، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق، نتيجة التكلفة المرتفعة نسبياً لتقنيات الطاقة المتجددة، وأسعار الطاقة المدعومة بشكل كبير خلال تلك الفترة. وتم في 2008 وضع هدف 20 في المائة للطاقة المتجددة بحلول سنة 2022، لكن انعدام الاستقرار السياسي، مقترناً بعدم اليقين الاقتصادي، أدى إلى أن تبقى الأهداف الاستراتيجية للطاقة المتجددة معلقة من دون تنفيذ.
ثم بدأت البلاد بتكريس الطاقة المتجددة في تشريعاتها وخططها بدءاً من دستور 2014، الذي أقر الحصول على أقصى قدر من المنافع من مصادر الطاقة المتجددة، وحفز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث والتطوير، بالإضافة إلى التصنيع المحلي. وتبعه قرار في 2015 بتخصيص الأراضي لمشاريع الطاقة المتجددة، وقانون الكهرباء الجديد في السنة ذاتها، الذي وفر الإطارين التشريعي والتنظيمي اللازمين لتحقيق أهداف إصلاح سوق الكهرباء، وصولاً إلى قانون الاستثمار في 2017 الذي يكفل ضمانات الاستثمار.
ويؤكد الدكتور إبراهيم عبد الجليل أن هذه المستجدات التشريعية والمؤسسية «تزامنت مع طفرة كبيرة في انخفاض تكلفة تقنيات الطاقة الشمسية، خاصة الفوتوفولطية، وتبني سياسات إصلاح أسعار الطاقة للتخلص تدريجياً من دعم أسعار الوقود الأحفوري. كل تلك العوامل مجتمعة، مع توافر مناخ الاستقرار السياسي، أدّت إلى تسابق مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص لدعم تنفيذ تلك المشروعات، بما فيها مشروع بنبان في جنوب مصر الذي يعد الأضخم في المنطقة، بل في العالم».
وفيما تستعد مصر هذه السنة لتشغيل مشروع بنبان باستطاعته الكاملة، التي تقارب ثلاثة أرباع القدرات الكهربائية للسد العالي، تنطلق دعوات متزايدة لإجراء مراجعة لاستراتيجية الطاقة التي وضعت عام 2014، استجابة للتغيرات الاقتصادية والتقنية السريعة التي تجري على المستويين الوطني والإقليمي.
فإدخال الفحم في مزيج الطاقة كان على أثر العجز في إمداد الكهرباء عام 2014، حيث قدم الفحم المستورد حلاً سريعاً للحد من الاعتماد على الغاز المستورد. ومن المفترض اليوم أن يخضع هذا النهج لتغيير جذري، في أعقاب انخفاض تكاليف توليد الكهرباء من المصادر المتجددة، إلى جانب اكتشافات الغاز الطبيعي، وتصاعد المخاوف البيئية بشأن توليد الطاقة من الفحم.
وفيما تتجه البلاد إلى الخروج من عنق الزجاجة، مع اكتمال الإلغاء التدريجي للدعم الحكومي لأسعار الطاقة الأحفورية في غضون 3 سنوات، وفق تصريحات رسمية، يرى الخبراء ضرورة تحديث استراتيجيات وخطط قطاع الطاقة والكهرباء بصفة دورية، لتعكس التطورات الحاصلة التي تحقق الطموح بأن تكون نصف الكهرباء المصرية من مصادر متجددة بحلول 2030.



السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

TT

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي)
الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي)

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، في منطقة «COP16» بالرياض.

وفي الإطار، وقّع، الخميس، المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، مذكّرة تفاهم مع مركز البحوث الزراعية والغابات الدولية (CIFOR-ICRAF)، للتعاون بهدف استغلال الزراعة الحراجية لإدارة الأراضي المستدامة.

اهتمام مجتمعي كشفه مستوى الحضور إلى المعرض. (تصوير: تركي العقيلي)

وخلال جولة «الشرق الأوسط» في المعرض، كشفت أميرة العبدلي، مديرة الغابات الاجتماعية في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، أن الزراعة الحراجية تستهدف «الغابات المنتجة للغذاء» أو أراضي الغطاء النباتي المنتجة التي تسمى أيضاً «الغابات المدمجة».

 

الزراعة الحراجيّة

وأكدت العبدلي أن هذه الشراكة تأتي لتحقيق مستهدفات المركز في خطة يجري بناؤها الآن للزراعة الحراجية إلى عام 2030، وأضافت: «نستهدف خلالها تحويل 50 إلى 60 في المائة من مناطق السعودية إلى غابات منتجة».

ونوّهت العبدلي إلى أن «الزراعة الحراجية» تُعد محوراً رئيسياً ضمن مبادرة السعودية الخضراء.

المعرض استقطب حضور دولي للإطلاع على كافة الأجنحة والأركان. (تصوير : تركي العقيلي)

وفي إطار متّصل، كشفت العبدلي لـ«الشرق الأوسط» عن البدء في حصر الأشجار المعمِّرة في السعودية وشرحت: «استندنا في رحلتنا لحصر الأشجار المعمِّرة إلى المعرفة لدى المجتمعات المحلية بالأشجار الموجودة في المنطقة»، وحول عدد الأشجار التي حُصرت، أفادت العبدلي بأنه «خلال المرحلة الأولى استطعنا حصر 383 موقعاً لأشجار معمِّرة في مناطق عسير وجازان والباحة، ووضعنا لها لوحات تعريفية بالإضافة لعمل حماية لها، وأنهينا المرحلة الأولى بإنجاز بنسبة 100 في المائة».

شجرة معمِّرة تفاعلية على هامش المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (الشرق الأوسط)

وعن المرحلة الثانية من الحصر، أشارت العبدلي إلى أنها ستركِّز على إدارة الغابات، و«نستهدف أن تكون لدينا قاعدة بيانات رقمية بحيث يمكن معرفة موقع ومعلومات الشجرة عن طريق الإنترنت».

 

جازان وعسير والباحة في المرحلة الأولى لحصر الأشجار المعمِّرة

وبالسؤال عن أين توجد أغلب الأشجار المعمِّرة في السعودية، أفادت العبدلي بأن أغلب الأشجار المعمِّرة «موجودة في المنطقة الجنوبية في الغابات الجبلية، حيث رصدنا في جازان 208 أشجار معمَّرة، وفي عسير 80 شجرة معمِّرة، وفي الباحة 60 شجرة معمِّرة، وهذه الأرقام في طور الزيادة».

وسلّطت العبدلي الضوء على المساهمة البيئية لهذه الأشجار، معتبرةً أنه في ظل الحديث عن الكربون وكيفية تخزينه «فكلما كبُر عمر الشجرة كان تخزينها للكربون أكبر، إلى جانب أنها تعدّ نظاماً بيئياً متكاملاً يحمي الكائنات الحيّة ويحمي التربة من الانجراف ويسهم في الحماية من التغيّرات المناخية».

 

مشاركة المجتمعات المحلّية

ويربط بين الأشجار المعمِّرة والغابات المنتجة للغذاء مشاركة المجتمعات المحلّية، وكان المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، قد وجّه دعوة لأفراد المجتمع المحلي للمشاركة في تحديد مواقع الأشجار المعمرة والنادرة؛ لإدراجها ضمن قاعدة بيانات مخصصة، وتأهيلها وفق معايير علمية عالية.

ولفت المركز إلى أن ذلك يأتي انطلاقاً من المسؤولية المشتركة نحو حماية ورعاية الغطاء النباتي، والحفاظ على الثروات الطبيعية للبلاد.

شجرة معمِّرة تفاعلية على هامش المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (الشرق الأوسط)

 

«بُعد أخضر»

وعلى الهامش تستمر حملة «بُعد أخضر» للتعريف بأهداف وتطلعات النسخة الثانية من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير، وأكد المسؤولون عن الحملة أنها جاءت في ظل اهتمام كبير تحظى به النسخة الحالية من المعرض والمنتدى، إذ تُقام بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «COP16»، الذي يُعقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى إلى إبراز جهود السعودية في حماية البيئة ومكافحة التصحر والجفاف على المستوى العالمي، فضلاً عن تعزيز الاهتمام المتزايد بالغطاء النباتي، الذي يعدّ من الركائز الأساسية للاستراتيجية الوطنية للبيئة، إلى جانب دعوة المهتمين إلى زيارة مقر الفعالية التي تحتضنها المنطقة الخضراء في «COP16» في العاصمة السعودية الرياض.