ليبيا: جمود في ميدان الحرب... وترحيب «مشروط» بالحوار

معضلة الداخل تنتظر «محطة برلين»

ليبيا: جمود في ميدان الحرب... وترحيب «مشروط» بالحوار
TT

ليبيا: جمود في ميدان الحرب... وترحيب «مشروط» بالحوار

ليبيا: جمود في ميدان الحرب... وترحيب «مشروط» بالحوار

بعد قرابة ستة أشهر من اندلاع معركة طرابلس بين «الجيش الوطني» الليبي، وقوات حكومة «الوفاق» بات الحسم أبعد، في ظل جمود ميداني عززه توازن القوى، وعُطل في المسار السياسي بسبب تلكؤ مبادرات الحل وتمسك طرفي النزاع بالحوار «المشروط». وبموازاة ذلك، تتفاقم التكاليف الأمنية والإنسانية والاقتصادية في البلد الذي أنهكته الانقسامات والاشتباكات منذ إسقاط العقيد القذافي. تراوح مكانها اليوم في ليبيا المعركة التي اندلعت في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، وسقط فيها أكثر من 1200 قتيل، وآلاف الجرحى والمشردين، من دون تقدم جوهري على الأرض يحسم المعركة؛ لكن يظل الكرّ والفرّ بين المتحاربين على محاور الاقتتال هو السائد، وسط تحقيق مكاسب محدودة لا تعدو كونها تبادلاً للمناطق «المحرّرة».

ما بين الجمود الذي يكتنف العملية العسكرية على العاصمة الليبية طرابلس، والتوقف في التعاطي مع الأزمة سياسياً، ما زال الدكتور غسان سلامة، المبعوث الأممي لدى ليبيا يحشد لمؤتمر دولي حول الأزمة الليبية، تعتزم ألمانيا استضافته هذا العام.
ما هو مأمول أن ينجح المؤتمر في جمع الطرفين المتحاربين على طاولة التفاوض، بعدما بات جلياً أنه ليس بمقدور أي منهما فعل أكثر مما فُعل إلى الآن، وفقاً لمتحدثين إلى «الشرق الأوسط»؛ لأسباب عدة، منها توازن القوى القائم على تهريب صفقات السلاح إلى البلاد.
ويذكر أنه في أول جهد دبلوماسي كبير منذ بدأت «عملية طرابلس»، سعت القوى الكبرى نهاية الأسبوع الماضي، في الأمم المتحدة لوأد خلافاتها بشأن ليبيا بعد ستة أشهر من الحرب. إذ التقى ممثلو تلك الدول بما فيها إيطاليا وألمانيا والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين؛ بهدف كسر الجمود وتمكين خطة سلام للأمم المتحدة من المضي قدماً.

حرب بالوكالة

لقد تحول الصراع الليبي تدريجياً إلى حرب بالوكالة بين قوى أجنبية تدعم جماعات مسلحة مختلفة منذ «انتفاضة» عام 2011 ضد القذافي. وتتزايد أعداد القتلى والجرحى الذين تستقبلهم المستشفيات الميدانية والمشافي في شرق ليبيا وغربها، كلما ازدادت محاور القتال سخونة، على خلفية الاستعانة بطائرات «الدرون» المسيّرة التي ينظر إليها على أنها فاقمت أزمات المواطنين بسبب القصف العشوائي على الأحياء السكنية.
وتزامناً من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فرض الشريكان الرئيسيان في العملية السياسية، شروطهما للحوار مجدّداً؛ إذ رأى فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» المناوئ للمجلس «ليس شريكاً في أي عملية سياسية مقبلة، وأنهم لن يجلسوا معه ثانية».
وتابع السراج، أن «مسألة الحوار والعودة للمسار السياسي يجب أن تكون وفق آليات جديدة، وأن تأخذ في الاعتبار المعطيات التي أفرزها الاعتداء بعد 4 أبريل»، وهو التاريخ الذي أطلق فيه حفتر العملية العسكرية لـ«تحرير» طرابلس. وبدا أن السراج في كلمته معبراً عن تيار مساند له في غرب البلاد، قوامه الإسلام السياسي بجميع أصنافه، والميليشيات المؤدلجة المشاركة ضمن قواته. ورأى عبد الرحمن الشاطر، عضو المجلس الأعلى للدولة لـ«الشرق الأوسط»، أنه «قد تعود المفاوضات السياسية؛ لكن الموقف الموحّد في المنطقة الغربية يرفض الجلوس مع حفتر أو من يمثله».
في المقابل، حفتر، الذي استبق اجتماع وزراء خارجية الدول المعنية بليبيا في نيويورك، تحدث للمرة الأولى منذ بدء «عملية طرابلس»، عن «انفتاحه على الحوار» والعملية السياسية في البلاد، متحدثاً عن صعوبة توفير المناخ اللازم. وقال إن «العملية الديمقراطية التي ينشدها الشعب الليبي كانت، وما زالت، تصطدم بمعارضة المجموعات الإرهابية والميليشيات الإجرامية المسلحة التي تسيطر على القرار الأمني والاقتصادي في العاصمة طرابلس».

إمكانات الحوار

وذهب حفتر في بيان، إلى أنه «في نهاية المطاف لا بد من الحوار والجلوس، ولا بد من العملية السياسية أن تكون لها مكانتها، ولا بد من الحوار الوطني الشامل الذي يحافظ على الوحدة الوطنية للتراب الليبي». وتطرّق إلى فرص إجراء انتخابات فقال: إن «إجراء الانتخابات أمر مستحيل قبل القضاء على تلك المجموعات وتفكيكها وجمع السلاح». وأنهى بيانه بالتأكيد على «الحوار الضامن لوحدة البلاد وتوحيد مؤسساتها»، لكن «لا مجال أمامه طالما بقيت المجموعات الإرهابية والميليشيات تسيطر على مقاليد ومناحي الحياة في طرابلس». وللعلم، حصل آخر لقاء جمع حفتر بالسراج في أبوظبي بنهاية فبراير (شباط) الماضي، وكان بهدف التوصل إلى اتفاق لإنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا عبر انتخابات عامة.

حلول الخارج

ومع تمسك كل طرف بشروطه كي يعود ثانية إلى طاولة التفاوض، يرى كثيرون من الساسة الليبيين أن مستقبل بلادهم مرهون بالحلول التي قد تأتي من الخارج، ومع ذلك لم يطرأ أي جديد على الدعوة التي تبنّتها «قمة الدول السبع»، التي انعقدت في أغسطس (آب) الماضي، بشأن عقد مؤتمر دولي يشارك فيه جميع الأطراف الليبية المعنية على المستويين المحلي والإقليمي للبحث عن سياسي، باستثناء تحرّكات مكوكية للمبعوث الأممي للحشد والتمهيد للمؤتمر.
لقد عقدت خلال الشهور الماضية مؤتمرات دولية كثيرة حول ليبيا دون جدوى، بسبب تمسك أطراف النزاع بمواقفهم، لكن ثمة ليبيين ينتظرون أن تصل أزمة بلادهم «محطة برلين» وتلقى اهتماماً حقيقياً من القوى الكبرى، مقابل مَن يرى أنه لا فائدة ترجى من ورائها. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال عضو مجلس النواب أبو بكر بعيرة (النائب عن مدينة بنغازي) إن «السبب الأساسي في تعذّر التوصل إلى حل سياسي يرجع إلى غياب المعايير في مَن يفترض أن يتولى المناصب القيادية بالدولة. وبالتالي، أصبح كل مَن وصل إلى منصب ما، يتطلع إلى رئاسة ليبيا، فتعدّدت الرئاسات والحكومات ودخلت البلاد في متاهة».
وعلى الرغم من التحركات الدولية الوئيدة باتجاه البحث عن حلول لوقف الحرب، وإعادة الأفرقاء السياسيين إلى طاولة المفاوضات، نالت الأزمة الليبية بالأمس قسطاً وافراً من كلمات واجتماعات الرؤساء والزعماء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. إذ تطرقت في مجملها إلى ضرورة تكثيف العمل المشترك والجهود الدولية سعياً للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة، تعيد الاستقرار والأمن وتقضي على الإرهاب في ليبيا.
وباتجاه تحريك الأزمة باتجاه طاولة التفاوض مجددا تمحوَر لقاء فريديريكا موغيريني، الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية، بفائز السراج، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. ونقلت إدارة التواصل والإعلام للمجلس الرئاسي، عن موغيريني قولها إن الجهود الأوروبية تنصبّ في اتجاه العودة للمسار السياسي، «ورفض الاتحاد الأوروبي الهجمات التي تطال المدنيين وأي خرق لقرار مجلس الأمن بحظر السلاح».
وكان السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند قد التقى حفتر، في زيارة غير معلنة إلى أبوظبي، تناولت التباحث حول الأوضاع العسكرية الجارية على تخوم العاصمة طرابلس. ولم تفصح القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، عن تفاصيل هذا اللقاء مكتفية بالقول، إنه جاء «في إطار بحث الأوضاع العسكرية في ليبيا، وحرب القوات المسلحة على الإرهاب»، بجانب «تعزيز العلاقة بين الدولتين الليبية والأميركية». لكن السفارة الأميركية لدى ليبيا، قالت عبر حسابها على «تويتر»، إن اللقاء استهدف «مناقشة الأوضاع الراهنة في ليبيا، وإمكانية التوصّل إلى حلّ سياسي للصراع في البلاد».
وبموازاة الدعوات التي تنادي بالعودة إلى الحوار، رأى النائب بعيرة أنه «لا يمكن العودة مرة أخرى للحلول السياسية ما لم يتدخل المجتمع الدولي بقوة لفرض ذلك على الجميع... وهذا أمر بعيد الاحتمال، والأقرب هو أن تنقسم ليبيا إلى دويلات متعددة».

تقاسم الثروة

من جانب آخر، تتزايد الأصوات المنادية بأن التوزيع «غير العادل» للثروة في ليبيا من بين أسباب أزمات البلاد، وهو ما أكد عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدعوته خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى معالجة «الخلل الفادح» في مواضيع عدة، من بينها «توزيع الثروة والسلطة في ليبيا، وغياب الرقابة الشعبية من خلال ممثلين منتخبين من الشعب الليبي على القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، مع ضرورة توحيد المؤسسات الوطنية كافة».
وفي المسار نفسه، رأى السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الذي أبدى استعداد بلاده لتقديم مزيد من الدعم الفني والخبرة لمعالجة القضايا المتعلقة بتوزيع الثروة في البلاد، أن «هناك فجوة كبيرة» لا تزال قائمة بين الأطراف في ليبيا لتحسين شفافية وفاعلية مؤسسات الدولة الليبية.
نورلاند، التقى ونائب مساعد وزير الخزانة الأميركي إريك ماير، كبار المسؤولين من جميع أنحاء ليبيا الأسبوع الماضي بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وليبيا وتعزيز الانتعاش الاقتصادي الليبي لصالح جميع الليبيين. وقالت السفارة، إنه بـ«التشاور مع شركائنا الليبيين، أبدت الولايات المتحدة استعدادها لتقديم مزيد من الدعم الفني والخبرة لمعالجة القضايا المستفحلة التي تعيق توزيع الميزانية، وضمان استفادة جميع الليبيين من الثروات الطبيعية الهائلة في البلاد».
هذا، وكانت ليبيا تنتج في عام 2010، أي قبل سقوط القذافي نحو 1.6 مليون برميل يومياً، لكن الإنتاج تراجع بشكل حادٍ بعد الإطاحة بنظامه، وتراوح بين 20 و600 ألف برميل يومياً، على أقصى حد، قبل أن يتعافى ليصل إلى 800 ألف وليتجاوز في الأشهر الماضية، لأول مرة، عتبة المليون برميل يومياً. ومعلوم أن لكل من إيطاليا وفرنسا مصالح في النفط والغاز الليبيين، وتثار ضدهما اتهامات أيضاً بمساندة أنصار لكل منهما يشاركون في الصراع. وحقاً جمعت الدولتان حفتر والسراج في قمتين استضافتهما باريس وبالرمو (صقلية – إيطاليا) العام الماضي، لكنهما فشلتا في إحراز تقدّم.

لجنة تحقيق أممية

ومع تبادل الاتهامات بين حكومتي شرق ليبيا وغربها، على خلفية تراجع الأوضاع الاقتصادية، دعا السراج عبر منبر الأمم المتحدة إلى إرسال بعثة أممية لتقصي الحقائق للتحقيق فيما سماه بـ«التجاوزات المالية الخطيرة التي ترتكبها المؤسسات الموازية غير الشرعية في ليبيا، وطباعتها العملة خارج سلطة ونظام إصدار العملة». كذلك طالب بضرورة الإسراع بتكليف لجنة فنية من المؤسسات الدولية المتخصّصة وتحت إشراف الأمم المتحدة، لمراجعة أعمال المصرف المركزي في طرابلس وفرع المركزي في البيضاء (شرق البلاد).
إلا أنه قبل أن تحطّ طائرة السراج على التراب الليبي، كانت الانتقادات الحادة في انتظاره؛ إذ رأت إدارة مصرف ليبيا المركزي في بنغازي أن حديث السراج عن طباعة العملة خارج سلطة ونظام إصدار العملات «ينمّ إما عن جهل بقانون المصارف، أو عن تعمد تضليل المجتمع الدولي»، ولا تليق بمن لديه من المعلومات ما يكفي لقول عكس ذلك. وذهب مصدر من شرق ليبيا، إلى أن «طلب السراج أمام محفل دولي بتشكيل لجنة أممية للتحقيق في المخالفات الاقتصادية، تعدّ إذناً رسمياً بالتدخل في شؤون ليبيا». واستغرب المصدر الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» مما سماه تهرّب رئيس المجلس الرئاسي من تحمّل مسؤوليته بالتصدي للفساد في المؤسسات التابعة لسلطته»، وانتهى إلى أن «التقارير التي صدرت عن جهات رقابية تابعة للسراج خلال السنتين الماضيتين تحدثت عن مخالفات مالية جسيمة، وجرائم تربح من المال العام».

تكسير عظام

على صعيد آخر، بموازاة المبادرات الدولية للبحث عن حلٍّ للأزمة الليبية، تراوح الحرب على أطراف طرابلس بين هدوء وتصاعد؛ لكن مصادر عسكرية ترجح كفة «الجيش الوطني»، الذي قالت إنه وضع يده على قرابة نصف مساحة العاصمة، إذا ما نظرنا إلى الدعم العسكري الذي تتلقاه قوات «الوفاق» من تركيا. وتشدد المصادر نفسها على أن الجيش بات يضع يده على 75 في المائة من الأراضي الليبية، بالإضافة الموانئ النفطية وأغلب الحقول، إلى جانب امتلاكه 9 قواعد عسكرية على طول البلاد؛ مما يعزز من سيطرة الجيش على الأجواء الليبية.
وفي المقابل، مع تمكن الدفاعات الجوية التابعة للجيش من إسقاط عدد من الطائرات المسيّرة في مناطق عدة بالضواحي الجنوبية لطرابلس، تقول عملية «بركان الغضب» التابعة لقوات «الوفاق» إنها هي الأخرى تحقق انتصارات في أرض المعركة. وأمام تمترس القوتين خلف ما تقول إنها مكتسبات حققتها على الأرض، يرى ساسة وحقوقيون أنه لا سبيل ولا حل للأزمة إلا من خلال الحوار والمفاوضات باعتبارهما الحل الأمثل. وحقاً، قال أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أن «الخيار العسكري مكلف وثمنه باهظ». وأردف أنه «بعد مضي قرابة ستة أشهر على اندلاع الحرب، نقف اليوم على كلفه باهظة الثمن من ضحايا وجرحي ومصابين من جميع أطراف النزاع المسلح، بالإضافة إلى حجم التدمير والسرقات الكبيرة التي طالت ممتلكات المواطنين جراء المواجهات المسلحة مما ساهم في تأزم الوضع الإنساني والمعيشي».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».