توصَّل الباحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، إلى أن المياه العميقة في البحر الأحمر تتجدّد أسرع بكثير مما كان يُعتقد في السابق، وتتأثر دورتها تأثراً مباشراً بالظواهر المناخية الكبرى، بما في ذلك الثورات البركانية.
- تأثيرات بركانية
ومن المعروف أن المياه التي تحتل أعماقاً تتراوح بين 300 و2000 متر في البحر الأحمر، تعد من أدفأ وأكثر المياه العميقة ملوحة في العالم، إذ إنها بدرجات حرارة شبه متجانسة تزيد على 20 درجة مئوية، وملوحة أعلى من 40.5 وحدة ملوحة عملية (وحدة عملية تشير إلى ملوحة مياه البحر، ويتم التعبير عنها بألف كسور). وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن المتوسط العالمي لأعماق مماثلة هو 2.5 درجة مئوية و35 وحدة ملوحة عملية.
وحتى وقتنا الحاليّ، كانت الأبحاث تشير إلى أن المياه العميقة في البحر الأحمر راكدة نسبياً، وتستغرق نحو 36 إلى 90 سنة لتتجدد، ومصدرها الرئيسي للتجدد هو تدفق المياه من خليجي السويس والعقبة الشماليين، إلى حوض البحر الرئيسي.
وللتوصّل إلى فهم أعمق لدورة المياه العميقة في البحر الأحمر، استخدم البروفسور إبراهيم حطيط، أستاذ هندسة وعلوم الأرض في قسم العلوم والهندسة الفيزيائية، والمتخصص في نمذجة سائل الأرض، مع فنج تشاو ياو، الباحث في علوم المحيطات الفيزيائية، جهازاً لمحاكاة الدورة المحيطية.
وقارن الباحثان بيانات درجة الحرارة والملوحة التي جمعتها ست رحلات بحرية من على امتداد المحور المركزي للبحر الأحمر، ووجدا أدلة تكشف عن تغيرات في الدورة العميقة خلال الفترة بين عامي 1982 و2011. ومن ثمَّ استخدما بيانات الغلاف الجوي لإعادة بناء الدورة ثلاثية الأبعاد للبحر الأحمر، على مدى 20 عاماً.
وحول تفاصيل ذلك، يوضح ياو أن المياه العميقة للبحر الأحمر شهدت تجددات سريعة نوعاً ما في الفترة من 1982 إلى 2001، وهو ما يتعارض مع الفكرة التقليدية القائلة بأنها في الأغلب راكدة.
وكان لثوران بركان تشيشون في المكسيك عام 1982 وثوران جبل بيناتوبو البركاني عام 1991 في الفلبين، علاقة بالتأثير. وفي السابق كان يتم التغاضي عن ثوران تشيشون بالمقارنة مع الثورات التاريخية الأخرى، مثل ثوران جبل بيناتوبو؛ لكن اليوم لا بد من تعلم دروس مهمة حول التأثير المحتمل من البراكين على مناخ الأرض.
ويوضح ياو أن محاكاة النماذج ربطت ربطاً مقنعاً أيضاً بين هذه التجددات في المياه العميقة بتقلّب المناخ العالمي المرتبط بالثورات البركانية النائية، وتذبذب شمال الأطلسي، وهو تقلّب جوّي طبيعي أغلب تأثيره يقع على أوروبا.
- تجدد المياه
وبشكلٍ عام، تعمل الثورات البركانية على تدفئة الغلاف الجوي الأوسط للمناطق الاستوائية، بإطلاق كميات كبيرة من الهباء الجوي الكبريتي - وهي جزيئات صلبة عالقة بالهواء - والتي تمتص أشعة الشمس لفترات تصل إلى عامين. ويصبح التيار النفاث الغربي عبر المحيط الأطلسي أقوى مع تكيُّف دورة الغلاف الجوي مع هذا الاحترار، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الرياح الشمالية الغربية الجافة والباردة فوق البحر الأحمر؛ بحيث يفقد البحر الأحمر حرارته التي تنتقل إلى الهواء، وتصبح درجة الحرارة السطحية باردة بما يكفي لتحفيز المياه الأكثر دفئاً على الارتفاع، والمياه الأكثر برودة على الهبوط إلى أسفل، وهو ما يتم تسميته باسم الحمل الحراري العميق للمحيط المفتوح.
وعلى النقيض من الدراسات السابقة، وجد حطيط وياو أن هذا الحمل الحراري العميق للمحيط المفتوح كان هو ما شكّل المصدر الأساسي لتجديد المياه العميقة للبحر الأحمر، في حين مثّلَت تدفقات المياه الناشئة في خليجي السويس والعقبة مصادرَ ثانوية.
وتهبط المادة العضوية من المياه السطحية إلى الأسفل؛ حيث تتحلل إلى مكوناتها المعدنية الأساسية، مما يجعل المياه العميقة غنية بالمُغذِّيات، وهذا يجعل دورتها وثيقة الصلة بصحة النظام البيئي في البحر الأحمر كله.
وهنا يشدد حطيط على ضرورة فهم الدورات العميقة، لكونه يُعدّ أمراً حيوياً للاستكشاف والتنقيب المستدامين بيئياً في أعماق البحار؛ خصوصاً البحر الأحمر؛ لأن قاعه غني بترسبات المعادن والفلزات.
مياه البحر الأحمر تتجدّد أسرع بسبب البراكين البعيدة
نتيجة التغيرات في الغلاف الجوي الناجمة عن الثورات البركانية في المكسيك والفلبين
مياه البحر الأحمر تتجدّد أسرع بسبب البراكين البعيدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة