السجن 15 عاماً لسعيد بوتفليقة ومسؤولين سابقين في الجزائر

كبار المسؤولين في الرئاسة كانوا شهوداً ضد شقيق الرئيس السابق

TT

السجن 15 عاماً لسعيد بوتفليقة ومسؤولين سابقين في الجزائر

أصدرت محكمة عسكرية جزائرية، أمس، أحكاماً بالسجن بحق سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، ومسؤولين أمنيين اثنين، ورئيسة حزب العمال اليساري، في محاكمة جرت في وقت قياسي بعيداً من الإعلام، هي الأولى بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الشارع والجيش.
وقضت المحكمة العسكرية في البليدة جنوب العاصمة الجزائرية بالسجن 15 عاماً على كل من سعيد بوتفليقة، ومحمد مدين المشهور بـ«توفيق» (المدير الأسبق لأجهزة الاستخبارات)، وبشير طرطاق (منسّق الأجهزة الأمنية)، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون بتهمة «التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش، والتآمر ضد سلطة الدولة» كما جاء في بيان للمحكمة.
وأوضح البيان أن المتهمين تمت متابعتهم «من أجل أفعال تم ارتكابها داخل بناية عسكرية» يعاقب عليها قانون القضاء العسكري وقانون العقوبات. وأصدرت المحكمة أيضاً حكماً بالسجن عشرين سنة ضد بقيّة المتهمين «غيابياً» في القضية، وهم: وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، ونجله لطفي نزار، مدير شركة خدمات إنترنت، وفريد بلحمدين، وهو مدير شركة أدوية الموجودون «في حالة فرار».
وتتعلّق القضية باجتماع حضره سعيد بوتفليقة، الرجل القوي في القصر الرئاسي منذ مرض شقيقه، ومدين وطرطاق وحنون في 27 مارس (آذار)، غداة تصريح لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح طالب خلاله علناً باستقالة رئيس الجمهورية. وبعد بضعة أيام، اتّهمهم قايد صالح، من دون تسميتهم، بالاجتماع للتآمر ضدّ الجيش. وأكّد هذه الواقعة اللواء المتقاعد خالد نزار في شهادته خلال التحقيق مع شقيق الرئيس السابق، كاشفاً أنّ سعيد بوتفليقة قال له إنّه يعتزم عزل الفريق قايد صالح.
وبعد نحو شهر من استقالة عبد العزيز بوتفليقة، تم توقيف سعيد بوتفليقة ومدين وطرطاق في الخامس من مايو (أيار) وحبسهم في السجن العسكري بالبليدة (47 كلم جنوب غربي الجزائر العاصمة). ووُضعت حنون قيد الحبس المؤقت في التاسع من مايو. وبعد أن مثل نزار كشاهد، عادت المحكمة وحولته إلى متهم، وأصدرت أمراً دولياً بالقبض عليه بعد مغادرته البلاد، وهو حالياً في إسبانيا، بحسب وسائل إعلام جزائرية.
وأصيب قياديو «حزب العمال» اليساري الجزائري، بذهول شديد عندما نزل عليهم خبر إدانة زعيمتهم لويزة حنون بـ15 سنة سجناً، من طرف المحكمة بالبليدة (جنوب العاصمة)، حيث انتهت فجر أمس أطوار محاكمة رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهم شقيقه السعيد ومديرا المخابرات سابقاً محمد مدين، وبشير طرطاق، والثلاثة تمت إدانتهم بالحكم نفسه.
ولم يتوقع قياديون بـ«حزب العمال»، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» وطلبوا عدم نشر أسمائهم، أن يكون الحكم قاسياً ضد مرشحة رئاسية 2014، اتهمها القضاء العسكري، على غرار بقية المتابعين، بـ«التآمر على سلطة الدولة» و«التآمر على الجيش»؛ فهي، حسبهم، «كانت تؤدي واجبها كرئيسة حزب مهتمة بمصير البلد الذي يمرّ بفترة صعبة»، في إشارة إلى اجتماعات حضرتها نهاية مارس (آذار) الماضي، بطلب من السعيد ومدين، وكانت سبباً في سجنه لأن قيادة الجيش قدّرت أن تلك الاجتماعات كانت تهدف للانقلاب على رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح.
يشار إلى أن طرطاق رفض حضور محاكمته «لاعتقاده أن قضيته محسومة سلفاً»، بحسب تصريحات محاميه خالد برغل للصحافة.
وأحضرت المحكمة شهود إثبات، كانوا من كبار المسؤولين بالرئاسة خلال فترة حكم بوتفليقة (1999 - 2019)، أبرزهم سكرتيره الشخصي محمد روقاب ومستشاره محمد علي بوغازي، ورئيس «المجلس الدستوري» سابقاً الطيب بلعيز، وكلّهم أكدوا، حسب محامين، أن السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس كان بمثابة الحاكم الفعلي، خصوصاً بعد انسحاب شقيقه الأكبر من المشهد بسبب المرض في أبريل (نيسان) 2013. وأشيع أن كل القرارات التي اتُّخذت في الـ7 سنوات الأخيرة، كانت صادرة عنه. ومعروف أن السعيد لم يتحدث للصحافة قطّ، وقد أحاط نفسه بهالة كبيرة في فترة حكم شقيقه.
ولاحظ مراقبون تسرُّعاً في معالجة القضية، قياساً إلى وزن الأشخاص الذين تتضمنهم، ودرجة المسؤوليات التي مارسوها في الـ20 سنة الماضية. وبحسب المراقبين أنفسهم، فقد تركت المحاكمة والظروف التي أحاطت بها، انطباعاً بأن النظام صفّى حسابه مع أحد أجنحته، ليتخلص منه بعدما أصبح عبئاً عليه.
وقالت المحكمة العسكرية، في بيان، أمس، إن رئيسها «أبلغ المحكوم عليهم بأن لهم الحق في استئناف الحكم، أمام مجلس الاستئناف العسكري (درجة ثانية من التقاضي)، خلال 10 أيام التي تلي النطق بالحكم». وأوضح أن المحاكمة تمت في إطار الاحترام التام للقواعد المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري وقانون الإجراءات الجزائية، مع مراعاة كل الحقوق والضمانات التي تقتضيها المحاكمة العادلة والمنصفة.
وذكر مقران آيت العربي محامي لويزة حنون، في بيان، ردّاً على المحكمة العسكرية، أنها «أرادت أن تكون المحاكمة مجرد أسئلة وأجوبة، ولكن الدفاع أعطاها طابعها الحقيقي المتمثل في محاكمة سياسية أثبتت أن لويزة حنون سجينة رأي». وأفاد بأنه «رغم إبداء الشاهد الطيب بلعيز استعداده للإجابة عن أسئلة الدفاع، فإن المحكمة رفضت بعض الأسئلة، التي من شأنها أن تكون لصالح المتهمين». وأضاف أن «المحاكمة العادلة تقتضي أن تستمر المناقشة أسبوعاً، إن لم يكن أكثر. ولكن الأحكام صدرت بعد 4 جلسات، علماً بأن أول جلسة صباحية كانت حول الدفوع وقراءة الإجراءات».
وتابع: «إن إدانة لويزة حنون وعقابها بـ15 سنة سجناً، من دون أي دليل عن التآمر، ولا يوجد حتى مجرد التسجيل المزعوم للقاء الذي دام نحو ساعة لا غير (اجتماعها بسعيد ومدين)، دليل على أن الحكم الصادر ضدها كان بسبب نضالها وأفكارها التي عبّرت عنها علانية وتمسكت بها أمام المحكمة العسكرية».
وأكد آيت العربي، وهو ناشط حقوقي معروف، أنه «لم يحضر في الجلسة إلا عدد محدود جداً من أقارب بعض المتهمين، وتم تطويق المنطقة (حيث يوجد مقر المحكمة) بحواجز أمنية جعلت الوصول إلى مقر المحكمة العسكرية مستحيلاً، بالنسبة للمواطنين والصحافيين. وحتى وصول بعض المحامين الموكلين في القضية كان بصعوبة. ورغم أن رئيس الجلسة لم يعلن رسمياً سرّيّتها، ولكنها لم تكن علنية من حيث الواقع. وأبسط دليل على ذلك، يتمثل في عدم السماح للصحافيين بالاقتراب من مقر المحكمة. والصحافة هي همزة وصل بين ما يجري في الجلسة والشعب، الذي تصدر الأحكام باسمه وفي غيابه. فالعلنية، وفقاً للقانون، تعني فتح الأبواب لكل من يرغب في حضور الجلسة وخاصة الصحافة. أما حضور الدفاع وبعض العسكريين والدركيين، القائمين بمهام محددة، فلا يعني العلنية بمفهومها القانوني، مما يتعين القول إن الجلسة كانت سرية من الناحية الفعلية».



تصعيد الحوثيين في الجبهات يتصدّر مخاوف المبعوث الأممي

جانب من جلسة مجلس الأمن الدولي الخاصة بتطورات الأزمة في اليمن (أ.ف.ب)
جانب من جلسة مجلس الأمن الدولي الخاصة بتطورات الأزمة في اليمن (أ.ف.ب)
TT

تصعيد الحوثيين في الجبهات يتصدّر مخاوف المبعوث الأممي

جانب من جلسة مجلس الأمن الدولي الخاصة بتطورات الأزمة في اليمن (أ.ف.ب)
جانب من جلسة مجلس الأمن الدولي الخاصة بتطورات الأزمة في اليمن (أ.ف.ب)

تصدّرت المخاوف من عودة القتال باليمن في ظل تصعيد الحوثيين بالجبهات واستمرارهم في التعبئة العسكرية والاعتقالات وتهريب الأسلحة، الإحاطة الأحدث لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، إذ أكد أن اليمن بات عند «نقطة تحول حاسمة».

وكانت الجماعة المدعومة من إيران التي باتت مصنّفة «منظمة إرهابية أجنبية» من قِبل واشنطن، كثّفت في الأسابيع الماضية من تصعيدها العسكري ضد القوات الحكومية لا سيما في جبهات محافظة مأرب وتعز والضالع، بالتوازي مع التعزيز بحشود جديدة من المجنّدين إلى خطوط التماس.

وعبّر غروندبرغ عن أسفه لجهة هذا التصعيد، وقال: «للأسف، لا تزال العمليات العسكرية مستمرة في اليمن، مع ورود تقارير تفيد بتحريك تعزيزات ومعدات نحو خطوط المواجهة، بالإضافة إلى القصف والهجمات بالطائرات المسيّرة ومحاولات التسلل التي يقوم بها الحوثيون في عدة جبهات، بما في ذلك أبين، والضالع، ولحج، ومأرب، وصعدة، وشبوة، وتعز».

ودعا المبعوث الأممي جميع الأطراف اليمنية إلى تجنّب أي تحركات عسكرية وتصعيدية من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التوتر وتزج بالبلاد مجدداً في دائرة النزاع. وأشار إلى أن مكتبه يواصل اتصالاته المنتظمة مع الأطراف؛ لحثهم على خفض التصعيد واتخاذ تدابير لبناء الثقة من خلال لجنة التنسيق العسكري.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

وفي تلميح إلى مساعي الجماعة الحوثية لتحقيق مكاسب ميدانية، قال غروندبرغ إنه يدرك «أن البعض يعتقد أن العودة إلى العمليات العسكرية واسعة النطاق قد تحقّق لهم مكاسب»، مؤكداً بوضوح أن «هذا سيكون خطأ كارثياً على اليمن، وسيهدّد استقرار المنطقة بأكملها»، وفق تعبيره.

وشدد المبعوث الأممي على المسؤولية المشتركة للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي قال إنها تتحمّل مسؤولية مشتركة في دعم المساعي الدبلوماسية، والتهدئة، وتعزيز الحوار الشامل.

تذكير بالاعتقالات

بالإضافة إلى المخاوف من العودة إلى القتال في اليمن والإشارة إلى صعوبة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، احتلت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين محوراً مهماً من إحاطة غروندبرغ، خصوصاً بعد وفاة أحدهم في معتقل حوثي.

وأوضح المبعوث الأممي إلى اليمن لمجلس الأمن أنه من بين التطورات المقلقة للغاية موجة الاعتقالات التعسفية الرابعة التي نفّذها الحوثيون الشهر الماضي واستهدفت موظفي الأمم المتحدة.

وقال إن هذه الاعتقالات ليست فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، بل تمثّل أيضاً تهديداً مباشراً لقدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات الإنسانية إلى ملايين المحتاجين. والأمر الأكثر استنكاراً وإدانة هو وفاة زميلنا في برنامج الأغذية العالمي في أثناء احتجازه لدى الحوثيين.

الحوثيون يواصلون التعبئة ويكثّفون خروقاتهم للتهدئة لا سيما في جبهات مأرب (إ.ب.أ)

ومع تأكيد إجراء تحقيق عاجل وشفاف وشامل في وفاة الموظف ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، طالب غروندبرغ بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، وأفراد المجتمع المدني، وأعضاء البعثات الدبلوماسية.

وبينما أبدى المبعوث قلقه من تبعات تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أجنبية من قِبل واشنطن، على العمل الأممي في مناطق سيطرة الجماعة، قال إنه ينتظر مزيداً من الوضوح بشأن هذا الأمر.

واعترف المبعوث أن «اليمن عند نقطة تحول حاسمة»، وأن الخيارات التي سيتمّ اتخاذها اليوم ستحدد مستقبله، لكنه أبدى تفاؤله بأن الحل المستدام للنزاع لا يزال ممكناً، داعياً الأطراف إلى الالتزام بالعمل بجدية وحسن نية، واتخاذ الإجراءات الضرورية لترجمة التزاماتها إلى واقع ملموس.

شحنتان من إيران

إلى جانب التصعيد الحوثي على الجبهات وتهديد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بالعودة إلى مهاجمة السفن في البحر الأحمر والانخراط العسكري في الصراع المرتبط بغزة، زادت الجماعة من عمليات التحشيد وتهريب الأسلحة ومهاجمة القوات الحكومية في مأرب.

وفي جديد شحنات الأسلحة المهرّبة، أفاد الإعلام العسكري التابع لقوات «المقاومة الوطنية» التي يقودها طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، بتوقيف شحنتين قادمتين من إيران، وتوقيف البحارّة الذين يضمون 9 إيرانيين و3 باكستانيين بالإضافة إلى بحارة يمنيين.

وذكرت المصادر أن قوات خفر السواحل في قطاع البحر الأحمر ضبطت بالتنسيق مع شعبة الاستخبارات العامة في «المقاومة الوطنية»، شحنة أسلحة نوعية قادمة من إيران إلى الحوثيين عبر ميناء جيبوتي كانت متجهة إلى ميناء الصليف بمحافظة الحديدة.

وحسب المعلومات الرسمية، كان على متن القارب خمسة بحارّة يمنيين مرتبطين بالقيادي الحوثي حسن العطاس، وتضم الشحنة التي أوقفت في جنوب البحر الأحمر معدات عسكرية نوعية، منها أجسام صواريخ مجنحة ومحركات نفاثة تُستخدم في الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة الانتحارية.

كما تحتوي الشحنة على طائرات مسيّرة استطلاعية، ورادارات بحرية حديثة، ومنظومة تشويش حديثة، ومنظومة اتصالات لاسلكية حديثة.

وجاء إعلان هذه الشحنة بعد يوم من إعلان ضبط قوات البحرية، التابعة لـ«المقاومة الوطنية»، 9 إيرانيين و4 باكستانيين قادمين من ميناء تشابهار في إيران إلى ميناء الصليف في الحديدة، حيث كانوا على متن قارب يحمل شحنة أسمدة مجانية للحوثيين.

وحسب ما أورده الإعلام العسكري التابع لقوات «المقاومة الوطنية»، يعتمد «الحرس الثوري» الإيراني على أساليب وطرق متنوعة لتمويل الجماعة الحوثية؛ إذ يقدّم إليها سِلعاً؛ مثل: السماد والمشتقات النفطية والمخدرات، لتبيعها وتستفيد من ثمنها.

وبثّت قوات «المقاومة الوطنية» التي ترابط على الساحل الجنوبي الغربي لليمن، اعترافات مصوّرة للبحارة، اشتملت على تفاصيل تهريب الشحنتين.