دبلوماسية ماكرون «المكوكية» لم تنجح بتحقيق اختراق في الملف الإيراني

المبادرة الفرنسية غرقت في الشروط والشروط المضادة

دبلوماسية ماكرون «المكوكية» لم تنجح بتحقيق اختراق في الملف الإيراني
TT

دبلوماسية ماكرون «المكوكية» لم تنجح بتحقيق اختراق في الملف الإيراني

دبلوماسية ماكرون «المكوكية» لم تنجح بتحقيق اختراق في الملف الإيراني

لم ينجح الرئيس الفرنسي، رغم «الدبلوماسية المكوكية» التي اعتمدها خلال ثلاثة أيام في نيويورك متنقلاً بين الرئيس الأميركي ونظيره الإيراني، في إنجاز «اختراق» في الملف النووي الإيراني يكون هو عرّابه على شاكلة قمة أميركية - إيرانية، كانت ستكون فريدة من نوعها بين بلدين قطعا علاقاتهما منذ عام 1979.
رغم ذلك كله، لم يفقد إيمانويل ماكرون الذي عاد إلى باريس أمس، حيث تنتظره أجنده اجتماعية وسياسية حافلة، الأمل. وقد حرص على التأكيد، قبل ركوبه الطائرة في رحلة العودة، أن «الشروط (الضرورية) لاستئناف سريع للمفاوضات (بين الولايات المتحدة وإيران) قد توافرت». إلا أنه، من باب الحذر، أعلن أن ذلك يمكن أن يتم إما من خلال «لقاء» بين دونالد ترمب وحسن روحاني وإما أن يسلك «مساراً متدرجاً» بمعنى أن يحصل التواصل أولاً على مستوى متدنٍّ.
ورمى ماكرون الكرة في الملعبين الأميركي والإيراني، داعياً ترمب وروحاني إلى «اقتناص» فرصة وجودهما معاً في نيويورك، عادّاً ذلك «مفيداً ومطلوباً» من أجل تجنب «مخاطر التصعيد» في الخليج الذي رأى أنه وصل إلى «درجته القصوى».
اللافت في التصريحات التي أدلى بها ماكرون قبل سفره من نيويورك إعلانه أنه «لن يغيّر» أجندته، الأمر الذي يعني، عملياً، أنه فقد كل أمل في تحقيق ما كان يرنو إليه، أي أن يكون «عرّاب» القمة المستحيلة. والمحبط، في حالة ماكرون، أنه كان يرى القمة الموعودة قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً أنه تبين له، من خلال اتصالاته، أن هناك «رغبة مشتركة (من الجانبين) لإحراز تقدم ليس فقط في اتجاه خفض التصعيد وإنما أيضاً في العمل من أجل اتفاق بعيد المدى».
وللوصول إلى هذه المرحلة، عمل ماكرون بجد وطرح نفسه «وسيطاً» في ملف بالغ التعقيد. ولم تثنه عن هدفه تصريحات ترمب وآخرها الاثنين الماضي، حيث أعلن أنه «لا يحتاج إلى وسيط» في الملف الإيراني.
وقوة الرئيس الفرنسي الذي يفتقر لأوراق ضاغطة خصوصاً على الجانب الأميركي أنه كان يرى نفسه «الطرف الوحيد» القادر على القيام بوساطة لأنه «يتحدث إلى الجميع» وأن طروحاته تلقى قبولاً ودعماً من العديد من الأطراف. فضلاً عن ذلك، فإن ما أنجزه في بياريتز، على هامش قمة مجموعة السبع أواخر الشهر الماضي، يؤهله لأن يكون متفائلاً بتحقيق اختراق ما. وقد كشف عن ذلك بقوله، في رحلة الذهاب إلى نيويورك، إن «شيئاً ما يمكن أن يحصل» بمناسبة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في الملف الإيراني.
وشكّلت مطالبة طهران برفع العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الإدارة الأميركية والتمنع الأميركي «عُقدة العُقد» التي أحبطت مساعي ماكرون. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأكثر وضوحاً بإعلانها عقب الاجتماع بـروحاني يوم الثلاثاء أن تمسك طهران بهذا المطلب «ليس واقعياً». والحال أن «مبادرة» ماكرون، في صيغتها الأولى، كانت تقوم على رفع «جزئي» للعقوبات ولأمد محدود مقابل عودة طهران إلى الالتزام بكل بنود الاتفاق النووي وقبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل اتفاق جديد يكون شاملاً «النووي والباليستي وسياسة إيران الإقليمية». ومجدداً، أعلن ماكرون في نيويورك أن «أهداف المفاوضات يجب أن تكون (أولاً) بداية التأكد من أن إيران لن تحصل أبداً على السلاح النووي، و(ثانياً) إيجاد حل للأزمة اليمنية، و(ثالثاً) التوصل إلى خطة أمن إقليمي تشمل أزمات المنطقة الأخرى وأمن الملاحة البحرية، وأخيراً رفع العقوبات الأميركية». ويبدو أن ماكرون أحرز تقدماً في اتصالاته، لأنه كشف عن قناعة مفادها أن الجانب الإيراني «جاهز للالتزام بأجندة خاصة بالأمن والاستقرار ولكن ما يطلبه هو رفع العقوبات» ليخلص إلى القول إن أمراً كهذا (رفع العقوبات)، «أصبح ممكناً إذا ترافق مع التزامات بشأن النووي كما بخصوص الأمن الإقليمي».
واضح أن سبب إخفاق ماكرون أن المحادثات التي قام بها وصلت إلى حد الدوران في فراغ وفحواها: مَن يقوم بالخطوة الأولى: طهران أم واشنطن؟ غير أن الأهم من ذلك، كما تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، يتناول جوهر «الضمانات» التي يطلبها كل طرف حتى يقدم على الخطوة المطلوبة منه، أي من الجانب الأميركي رفع العقوبات «جزئياً أو كلياً» ومن الجانب الإيراني التراجع عن انتهاكات الاتفاق النووي وقبول الدخول في مفاوضات حول المسائل الرئيسية الثلاث المطلوبة منه «النووي والباليستي والأمن الإقليمي والبحري». وليس سراً أن واشنطن المستمرة في سياسة «الضغوط القصوى»، (حسبما أكد ترمب في كلمته أمام الجمعية العامة) ترى أن سياستها أخذت تؤتي أُكلها، وبالتالي لا سبب للتراجع عنها وإن قبلت تقليص العقوبات فمقابل ضمانات والتزامات قوية وأكيدة. ولم تخض أي جهة في تفاصيل ما تطلبه واشنطن، لا فرنسياً ولا أميركياً.
أما من الجانب الإيراني، فقد تعدل موقف طهران في الأيام الأخيرة وأبدت، إما عبر روحاني نفسه وإما عبر مسؤولين آخرين، بعض الليونة المشروطة برفع العقوبات. وتتناول هذه الليونة قبول إدخال تعديلات «محدودة» على الاتفاق النووي، كما جاء ذلك أمس، على لسان علي ربيعي، الناطق باسم الحكومة الإيرانية، وتقديم «تطمينات» بخصوص عدم سعي طهران لامتلاك السلاح النووي. ومما تعرضه طهران تحويل ما يسمى «البروتوكول الإضافي» الذي يتيح التفتيش المفاجئ للمواقع الإيرانية إلى قانون ملزم وتسريع العمل ببنود مؤجلة في الاتفاق. ومقابل ذلك، تريد طهران موافقة الكونغرس الأميركي على الاتفاق وعلى رفع العقوبات المفروضة عليها.
في هذا البحر من الشروط والشروط المضادة، غرقت المبادرة الفرنسية رغم دينامية ماكرون والإسناد الذي جاءه من بريطانيا وألمانيا ودول أخرى ورغبة الجميع في تجنب التصعيد والحرب في الخليج وحاجة ترمب وكذلك روحاني إلى «مخرج» من مأزقهما المشترك. وبناءً على «المثابرة» التي أبداها ماكرون في الأشهر الأخيرة، يمكن توقُّع استمراره في الجهود التي يبذلها لتحقيق إنجاز ما لم تفلح الدبلوماسية المكوكية في نيويورك في توفيره له.



إيران والعراق يشتركان في «هاجس» سوريا

TT

إيران والعراق يشتركان في «هاجس» سوريا

صورة نشرها موقع إيراني لعلي خامنئي لدى استقباله السوداني ويرافقه الرئيس مسعود بزشكيان
صورة نشرها موقع إيراني لعلي خامنئي لدى استقباله السوداني ويرافقه الرئيس مسعود بزشكيان

اتفقت إيران والعراق على أن سوريا هاجس مشترك بينهما، ودعا البلدان إلى حفظ سلامة الأراضي السورية، وضرورة العمل المشترك لإرساء الأمن والاستقرار فيها.

وحضَّ المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على «حفظ (الحشد الشعبي) وتعزيزه»، واصفاً وجود القوات الأميركية في العراق بأنه «غير قانوني ومخالف لمصالح الشعب والحكومة العراقية».

وقال خامنئي لدى استقباله السوداني إن «المؤشرات تدل على سعي الأميركيين لتثبيت وجودهم وتوسيعه في العراق، ويجب الوقوف بجدية ضد هذا الاحتلال».

ونقل موقع خامنئي قوله للسوداني: «كما ذكرتم، (الحشد الشعبي) يُعدّ من أهم عناصر القوة في العراق، ويجب العمل على حفظه وتعزيزه بشكل أكبر»، وأشار إلى أهمية «الوحدة والانسجام بين المذاهب والقوميات المختلفة في العراق».

جاء كلام خامنئي في سياق مباحثات أجراها السوداني حول التطورات الإقليمية، بما في ذلك إطاحة نظام بشار الأسد.

وقال خامنئي: «دور الحكومات الأجنبية في هذه القضايا واضح تماماً».

وصرح خامنئي: «كلما كان العراق أكثر ازدهاراً وأمناً، كان ذلك في مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضاً».

وأشار بيان موقع خامنئي إلى أن السوداني أعرب عن ارتياحه من المحادثات التي أجراها في طهران، معرباً عن أمله بأن تساهم «المحادثات والاتفاقيات الموقَّعة في تعزيز العلاقات بين البلدين وتعميقها».

وأشاد السوداني بعناصر القوة في العراق، التي تشمل «الشعب»، و«الحشد الشعبي»، و«الوحدة والانسجام الوطني» و«المرجعية»، مشيراً إلى أن «الموقف المبدئي للعراق هو دعم شعب غزة ولبنان ضد عدوان الكيان الصهيوني، والمقاومة في المنطقة».

كما أشار السوداني إلى «التطورات في سوريا ودور القوى الأجنبية فيها»، موضحاً أن موقف العراق دائماً يتمثل في «دعم إرادة الشعب السوري، والحفاظ على استقلال ووحدة أراضيه، والسعي لتشكيل حكومة شاملة».

قبل ذلك بساعات، كانت التحولات الإقليمية محور مباحثات السوداني والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، التي شملت أيضاً، توسيع العلاقات والتعاون الثنائي في جميع المجالات.

السوداني وبزشكيان خلال مؤتمر صحافي مشترك في طهران (الرئاسة الإيرانية)

وأكد بزشكيان، في مؤتمر صحافي مشترك مع السوداني، أن «العراق بلد مهم وشريك استراتيجي لإيران. نحن سعداء بأن العلاقات بين البلدين في أعلى مستوياتها، وأن نطاق هذا التعاون يتسع يوماً بعد يوم».

وصرح بزشكيان قائلاً: «إيران تسعى دائماً إلى السلام والاستقرار والتنمية لمحيطها الإقليمي. إن أمن ونمو ورفاه الشعب العراقي ذو أهمية كبيرة بالنسبة لإيران»، منبهاً إلى أن «العراق، بعد تجاوزه فترة الإرهاب، يشهد فترة جيدة من الاستقرار».

وأضاف: «تأتي هذه الزيارة استكمالاً لزيارتي الناجحة إلى العراق في شهر سبتمبر (أيلول)، والتي كانت من المحطات المهمة في العلاقات بين البلدين، وستظهر نتائجها في تعزيز العلاقات الثنائية في المستقبل».

سوريا نقطة تلاقٍ

وأفاد الرئيس الإيراني بأن البلدين «يشتركان في مخاوف بشأن سوريا، من بينها استقرار سوريا وهدوؤها، والحفاظ على وحدة أراضيها، ومواجهة الجماعات الإرهابية، وضرورة خروج الكيان الصهيوني من المناطق المحتلة، والاهتمام بالمشاعر الدينية خصوصاً فيما يتعلق بالمزارات المقدسة للشيعة».

وأضاف: «يشكل خطر الإرهاب واحتمال إعادة تفعيل الخلايا الإرهابية أحد الهواجس المشتركة التي نوقشت الأربعاء؛ مما يجعل اليقظة والتعاون بين البلدين أكثر أهمية من أي وقت مضى».

من جانبه، أكد السوداني نجاح حكومته في حفظ سلامة العراق وعدم الانزلاق بالصراعات الإقليمية، داعياً إلى حوار إقليمي شامل يعزز الثقة بين دول المنطقة.

بزشكيان يستقبل السوداني خلال مراسم رسمية في قصر سعد آباد شمال طهران (الرئاسة الإيرانية)

وأكد السوداني خلال الزيارة احترام العراق «إرادة الشعب السوري، ودعمه أي نظام سياسي أو دستوري يختاره بنفسه دون تدخلات خارجية»، كما أشار إلى «استعداد العراق للتعاون مع الأطراف كافة... لتحقيق انتقال سلمي سلس إلى نظام يعكس إرادة الشعب السوري»، معبراً عن رفضه «لغة التهديد واستخدامها ضد الدول».

وأضاف السوداني: «استقرار سوريا مفتاح لاستقرار المنطقة»، داعياً إلى «حل سياسي شامل في سوريا». ودعا إلى «احترام القانون الدولي، وحوار إقليمي شامل يضمن الأمن والسلام»، مبيناً أن «الحكومة نجحت في حفظ سلامة العراق وعدم الانزلاق في الصراعات الإقليمية»، مؤكداً أن «العراق حريص على نشر التهدئة وعدم توسيع الحرب في المنطقة، كما يسعى إلى إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية العراقية (واع).

وأفاد بيان لرئاسة الوزراء العراقية بأن السوداني أكد «استمرار جهود العراق، استناداً إلى علاقات التعاون البناء مع الجمهورية الإسلامية ومحيطيه العربي والإقليمي، من أجل فرض التهدئة والاستقرار في عموم المنطقة».

السوداني ووزراء في حكومته خلال مباحثات مع بزشكيان وفريقه الحكومي في طهران الأربعاء (الرئاسة الإيرانية)

التعاون الثنائي

ووصل السوداني، الأربعاء، إلى طهران في مستهل زيارة رسمية تستغرق يوماً واحداً، واستقبله لدى وصوله إلى مطار مهر آباد في غرب طهران، وزير الاقتصاد عبد الناصر هتمي.

وبحسب بيان الحكومة العراقية، ترأس السوداني وفد بلاده في المباحثات الثنائية الموسعة مع الوفد الإيراني برئاسة بزشكيان، مشيراً إلى أنها «تناولت مجالات التعاون والشراكة بين البلدين على مختلف الصعد والمجالات».

وقال السوداني في المؤتمر الصحافي: «زيارته إلى طهران تأتي لتعزيز العلاقات الثنائية، حيث عقدنا اجتماعاً موسعاً مع الرئيس الإيراني، وناقشنا العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وملف تجهيز العراق بالغاز والطاقة، كما ستكون هناك اجتماعات على مستوى الوزراء بين البلدين». وأضاف: «نتابع المشاريع المشتركة مع إيران خصوصاً في قطاعي السكك والسكن»، مؤكداً أن «تعزيز علاقاتنا مع إيران ضروري لتحقيق المصالح المشتركة، في إطار الاتفاقات والتفاهمات الثنائية، وتطوير الشراكة البناءة، بما يعزز مصالح البلدين الجارين».

وأكد بزشكيان مناقشة تعزيز التعاون الجمركي، والاستثمارات المشتركة، وتسهيل النقل، وتقوية الأسواق الحدودية، معرباً عن أمله في تحقيق نتائج ملموسة.

السوداني ووزراء في حكومته خلال مباحثات مع بزشكيان وفريقه الحكومي في طهران الأربعاء (الرئاسة الإيرانية)

في سياق متصل، أكد فادي الشمري، المستشار السياسي للسوداني، أن العراق يعتمد في علاقاته الخارجية على الدبلوماسية المنتجة وسياسة التشبيك الاقتصادي؛ لتعزيز التعاون مع الجيران. وأضاف أن زيارة السوداني إلى إيران، في ظل توقيت حساس إقليمياً ودولياً، تهدف إلى توطيد التعاون في مختلف المجالات، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

وأشار الشمري إلى أن الحكومة العراقية تسعى من خلال سياسة التشبيك الاقتصادي إلى فتح آفاق جديدة للشراكات المثمرة ودعم الاقتصادات الوطنية، انطلاقاً من مبدأ الشراكة المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وأوضح أن هذه الزيارة تعكس رؤية العراق جسراً للتواصل الإقليمي والدولي، وتعبر عن التزام الحكومة بالحوار البنّاء، وتعزيز الروابط الإقليمية لتحقيق الأمن والاستقرار، وبناء شراكات متوازنة تدعم التنمية الاقتصادية والسلام المستدام.