مرحّلون من أميركا يصفون خوفهم وعزلتهم في العراق

TT

مرحّلون من أميركا يصفون خوفهم وعزلتهم في العراق

أمضى هاني البزوني، أغلب الأشهر الثمانية الماضية منذ ترحيله من الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) في غرفة صغيرة في مدينة البصرة العراقية، منتظراً زيارة يومية من شقيقته. ويقول إنه في بعض الأيام كان يجد صعوبة في القيام من على حاشية ينام عليها على الأرض. وفي أيام أخرى يمضي الوقت في النظر إلى صور زوجته وأطفاله السبعة وجميعهم مواطنون أميركيون. ابنه الأكبر متدرب في مشاة البحرية الأميركية والأصغر عمره ثلاث سنوات.
يقول البزوني: «أخاف جداً من مغادرة المنزل... لا أعرف أحداً هنا وليس لدي مال».
والبزوني واحد من عشرات من أصول عراقية رحلتهم الولايات المتحدة منذ عام 2017 عندما وافق العراق على استعادة مواطنيه من أصحاب السوابق الجنائية، في إطار اتفاق على رفع البلاد من قائمة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للمنع من السفر التي استهدفت سكان العديد من الدول الإسلامية.
ويقول أعضاء في الكونغرس ومحامون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، إن العراق، الذي ما زالت تمزقه الصراعات الطائفية بعد مرور 16 عاماً على الغزو الأميركي لأراضيه، ليس مكاناً آمناً لمثل هؤلاء العائدين.
انتقل البزوني كلاجئ في تسعينيات القرن الماضي إلى الولايات المتحدة، حيث أمضى بعض الوقت في السجن في اتهامات بالاعتداء. وعمل أيضاً مترجماً للجيش وهي وظيفة تجعله معرضاً للخطر في العراق، حيث تعارض فصائل مسلحة ذات نفوذ ومدعومة من إيران وجود القوات الأميركية في البلاد. ولا تتركه أسرته يغادر البيت خوفاً من أن تعتقله قوات هذه الفصائل.
وقبل عام 2017، كانت بغداد ترفض مثل هذه الترحيلات، مشيرة إلى اعتبارات سياسية ولوجيستية تتعلق بحقوق الإنسان.
وقال البزوني «لم أتصور قط أنني قد أعود للعراق... خسرت وظيفتي وخسرت أسرتي وخسرت أبنائي وربما قريباً أخسر حياتي».
وبعد اتفاق عام 2017 اعتقلت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية مئات من بين 1400 عراقي تنطبق عليهم شروط الترحيل، بسبب صحيفتهم الجنائية التي تمنعهم من الحصول على الجنسية الأميركية. وقالت آنذاك إنها تعتقل المدانين أو الذين ارتكبوا انتهاكات تتراوح بين القتل وتجارة المخدرات والذين أصدر قاض مختص بالهجرة أحكاماً بترحيلهم.
ورفع الاتحاد الأميركي للحريات المدنية دعوى قضائية نيابة عنهم. ونجح ذلك في بادئ الأمر في تعطيل الترحيل، لكن القضية تغير مسارها بعد نقض الحكم، وتسارعت وتيرة الترحيلات في أبريل (نيسان). وقالت إدارة الهجرة والجمارك إن 61 عراقياً جرى ترحيلهم خلال ذلك العام حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2017، ثم رحلت السلطات 48 عراقياً ثم 12 بعد ذلك. وقال اتحاد الحريات المدنية إن إدارة الهجرة والجمارك أبلغته بأن 30 عراقياً جرى ترحيلهم حتى الآن هذا العام. وكثيرون من بين أكثر من 370 شخصاً اعتقلوا منذ 2017 ينتظرون الترحيل الآن.
وقال دانييل سميث، الباحث في شؤون حقوق الإنسان، الذي كان شاهداً على عشرات من حالات الترحيل، إن «المرحلين يعاملون تلقائياً بريبة لا لشيء سوى لصلاتهم بأميركا». بعضهم يصل إلى العراق الذي لم يزره منذ عقود دون شبكة علاقات اجتماعية، ودون أوراق هوية، وبقليل من اللغة العربية. ويقول سميث إن هذا الوضع الهش يتركهم عرضة لاتهامات بالتجسس، والخطف مقابل فدية والمضايقات من قوات الفصائل.
ولم ترد السلطات في بغداد أو البيت الأبيض على طلبات التعليق من وكالة «رويترز». وأحالت وزارة الخارجية الأسئلة لوزارة الأمن الداخلي. ولم ترد وزارة الأمن الداخلي أو إدارة الهجرة والجمارك على طلب التعليق.
ووصف تسعة رجال رحلتهم الولايات المتحدة إلى العراق في مقابلات مع «رويترز» معاناتهم من أجل الاندماج في المجتمع. وقالوا إنهم، بعد تفريقهم عن أسرهم وإبعادهم عن وظائفهم، شعروا بالاكتئاب والرغبة في الانتحار والخوف على أمانهم الشخصي. وأشار بعضهم إلى سوء معاملة إدارة الهجرة والجمارك التي قالوا إنها أجبرتهم على التوقيع على أوامر الترحيل، أو سرقت أموالاً كانت بحوزتهم عندما ألقي القبض عليهم. ولم ترد إدارة الهجرة والجمارك على طلب التعليق.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.