كابل: 4 ثوانٍ بين الموت والحياة

مقطع فيديو يظهر اللحظات الأخيرة من حياة شاب قُتل بسيارة مفخخة

أفغان يتطلعون إلى صورة أكبر فاضليار الذي دفن في قريته بمقاطعة باروان شمال كابل (نيويورك تايمز)
أفغان يتطلعون إلى صورة أكبر فاضليار الذي دفن في قريته بمقاطعة باروان شمال كابل (نيويورك تايمز)
TT

كابل: 4 ثوانٍ بين الموت والحياة

أفغان يتطلعون إلى صورة أكبر فاضليار الذي دفن في قريته بمقاطعة باروان شمال كابل (نيويورك تايمز)
أفغان يتطلعون إلى صورة أكبر فاضليار الذي دفن في قريته بمقاطعة باروان شمال كابل (نيويورك تايمز)

سجلت كاميرات مراقبة في أحد شوارع أفغانستان مقطع فيديو مدته ثوانٍ معدودة يُظهر في بدايته شاباً أفغانياً وهو يعبر الشارع ثم يخطو 4 خطوات فقط قبل وقوع انفجار بسيارة مفخخة في العاصمة الأفغانية كابل، ولكن منذ ذلك الحين، أصبحت هذه الثواني القليلة الأخيرة من حياة الشاب أكبر فاضليار، التي تم التقاطها أثناء هجوم لحركة «طالبان» في 5 سبتمبر (أيلول) الحالي، واحدة من أكثر اللقطات مشاهدة في البلاد، حيث تم عرضها على عدد لا يحصى من الهواتف الجوالة وشاشات الكومبيوتر في البلاد.
ورغم أن حالات القتل الناتجة عن العنف تعد شائعة بشكل مروع في هذا البلد، فإن الأفغان قد شعروا بالفزع من هذا المقطع بالتحديد الذي كان بمثابة تذكير لهم بمدى اقتراب أي شخص من الموت.
وفي الولايات المتحدة، ذكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الهجوم، إلى جانب مقتل الجنود الأميركيين وقوات حلف شمال الأطلسي في الانفجار، بوصفهما من أسباب إلغاء المفاوضات مع طالبان. أما في كابل، فقد كان الهجوم بمثابة مثال مؤلم آخر على كيفية تحول أي مكان في العاصمة (قاعات الأفراح والمساجد ومراكز التعليم) فجأة إلى ساحة معركة، ومثال على أنه قد تكون للقرارات اليومية العادية عواقب وخيمة.
وإلى جانب الأشخاص الـ11 الآخرين الذين فقدوا أرواحهم في الهجوم في ذلك اليوم، ما الذي دفع فاضليار إلى وفاته؟ الإجابة هي لطفه مع أحد موظفيه، ورفضه احتساء كوب إضافي من الشاي.
ويقول أصدقاء فاضليار إنه كان أعزب في منتصف الثلاثينات من عمره، وكان يعيش الحياة ببساطة، ويلتزم بالتعاليم الدينية، وكان يمتلك متجراً صغيراً لبيع وتركيب أجهزة الكومبيوتر، هواياته الرئيسية كان أهمها مشاهدة لعبة الكريكيت والذهاب للسباحة أسبوعياً في حمام سباحة على بُعد مسافة قصيرة من متجره. وكان لدى فاضليار عملاء من جميع أنحاء كابل، وعادة ما يقوم مساعده محمد عاطف بتسليم الفواتير للعملاء، ولكن فاضليار قرر في يوم الانفجار أن يذهب بنفسه لتسليم فاتورة قيمتها نحو 200 دولار لأحد العملاء، وذلك لأن العميل كان صديقاً لم يره منذ مدة.
وبعد تسليم الفاتورة إلى صديقه وعميله أحمد شاه ميراغ، وتناول الرجلين كوبين من الشاي الأخضر، يقول ميراغ إنه عرض على فاضليار تناول كوب آخر من الشاي وتوصيله بسيارته إلى وجهته التالية، ولكن الأخير اعتذر عن عدم تناول الكوب الثاني، لكنه وافق على توصيله لمنطقة قريبة حيث يمكنه أن يستقل سيارة أجرة.
ولبضع ثوانٍ قبل وفاتهم؛ سجلت الكاميرات الأمنية وصول مزيد من الأشخاص الذين كانت حياتهم على وشك أن تنتهي.
وعند التقاطع، كان الرقيب أول الأميركي إليس أ.باريتو أورتز، يجلس إلى جانب العريف الروماني سيبريان ستيفان بولشي داخل سيارة دفع رباعي بيضاء في انتظار المرور عبر نقطة تفتيش أمنية تؤدي إلى مقر قيادة قوات التحالف، حيث كانا عالقين في الزحام بينما كان فاضليار يعبر الطريق باتجاه التقاطع بعد أن نزل من سيارة صديقه.
وكانت هناك شاحنة صغيرة بالقرب من سيارة الدفع الرباعي، ولكنها كانت خالية من الركاب، فقط كان هناك سائق يستعد للقتل وللموت، وحمولة من المتفجرات.
وفجأة انحرفت الشاحنة إلى اليمين كما يُظهر الفيديو، وحينها بدا أن فاضليار قد استشعر الخطر واتخذ خطوتين سريعتين وبدأ يركض، وبعد خطوتين فقط اصطدمت الشاحنة بسيارة الدفع الرباعي واجتاحت كرة من اللهب كل شيء كان يظهر في المشهد.
وعندما اختفى الدخان، لم تظهر لقطات كاميرات المراقبة أي شيء سليماً في مكان الانفجار، الذي كان قوياً لدرجة أن إصابات الركاب في المركبات التي كانت على بُعد أمتار كثيرة كانت خطيرة، كما سجلت الكاميرات عملية إنقاذ أحد الأشخاص؛ وهو سليمان لايق، الوزير الأسبق في مجلس الوزراء والشاعر الذي يبلغ من العمر 89 عاماً. وكان لايق قد هرب من أفغانستان بعد إطاحة الحكومة الشيوعية، ولكنه عاد بعد سنوات ليصبح شاعراً، وكاد الانفجار ينهي حياته، ولكنه قد نجا منه، إلا إنه أصيب بنزف شديد.
ولكن ماذا عن فاضليار الذي لم ينج؟ يقول عاطف، المساعد الذي نجا من الموت لأن فاضليار ذهب لتسليم الفاتورة بدلاً منه، إنه «يبدو أن الله قد أراد أن يستضيفه عنده». وقد تم إغلاق المتجر، مع تعليق إشعار على الواجهة يحمل صورة فاضليار ومعلومات عن مراسم جنازته، وتجمع الباعة خارج المتجر لتقديم العزاء بعضهم لبعض.
وغالباً ما تكون المهمة الأكثر صعوبة بعد التفجيرات هي معرفة ما إذا كان شخص ما قد توفي أم لا يزال على قيد الحياة، ومحاولة تحديد أفراد أسرته هويته بين الجثث التي لا يمكن التعرف عليها، والبحث عن دليل على هويته، مثل ارتدائه لوناً معيناً أو خاتماً أو ساعة، على سبيل المثال.
وبعد الانفجار مباشرة، بدأ مساعد فاضليار في الاتصال بهاتفه مراراً وتكراراً لمعرفة ما إذا كان بخير أم لا، وفي النهاية تم الرد عليه من قبل ضابط مخابرات كان في موقع الانفجار وأخبره بوفاته، وقد تمكن أصدقاء فاضليار من معرفة جثته في المشرحة لأنه حينما ركض بعيداً عن الهجوم تحمل ظهره وطأة الضرر.
وتم دفن فاضليار في قريته بمقاطعة باروان، شمال كابل، وأقيمت مراسم الجنازة في أحد مساجد كابل الذي كان يستضيف 9 جنازات في الوقت نفسه، اثنتان منها على الأقل لضحايا الحرب.
ومنذ ذلك الحين، انتشر في جميع أنحاء البلاد فيديو الكاميرات الأمنية الذي سجل اللحظات الأخيرة من حياة فاضليار. ويقول عزت الله، وهو أحد الرجال الذين كانوا موجودين في المسجد لحضور إحدى الجنازات الأخرى: «لقد شاهدت أفغانستان بأكملها هذا الفيديو. لقد حاول الهروب من الموت، ولكنه لم ينجُ منه».
* خدمة «نيويورك تايمز»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».