واشنطن تشن حربا رقمية على مواقع لـ«داعش»

اتساقا مع نجاحه العسكري المفاجئ، أثبت تنظيم داعش مهارة وتطورا في مجال وسائل التواصل الاجتماعي لم يسبق له مثيل لدى الجماعات المتطرفة من قبل.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة حملتها الجوية العدوانية ضد المتشددين، يعتقد السيد ريتشارد إيه ستنغل، وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الدبلوماسية العامة، أنه ليس أمام الولايات المتحدة من خيار سوى مواجهة دعاياتهم برد فعل قوي على الإنترنت.
ويقول ستنغل مشيرا إلى الدبلوماسية الثقافية اللينة التي أرسلت الموسيقيين مثل ديف بروبيك في جولات إلى عواصم الكتلة الشرقية لمواجهة الشيوعية إبان الحرب الباردة: «إن إرسال ثلاثي الجاز إلى بودابست ليست في الواقع ما نريد القيام به في عام 2014. يتعين علينا أن نكون أكثر صرامة، علينا أن نكون أشد مراسا، وخصوصا في الفضاء المعلوماتي، ويجب علينا أن نرد بقوة».
وقد جرب القسم الذي يترأسه ستنغل في وزارة الخارجية الأميركية مجموعة من المسارات للتفاعل مع منطقة الشرق الأوسط منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، من الإعلانات الناعمة على غرار إعلانات شارع ماديسون، إلى الزوار الدوليين التقليديين، وتبادل البرامج.
ولكن الآن، الموظفون الرقميون في وزارة الخارجية يتعاملون مباشرة مع الشباب – وفي بعض الأحيان مع الجهاديين – على المواقع المعروفة بشعبيتها في الدول العربية، وينشرون سيلا من الرسائل المعادية لتنظيم داعش، وأحد مقاطع الفيديو المروعة، على موقع «فيسبوك» أو «يوتيوب» أو «تويتر»، مستخدمين الهاشتاغ المسمى (#Think Again Turn Away).
ويشكك النقاد فيما إذا كان ذلك المجهود واسعا، أو ذكيا، أو موثوقا به بما فيه الكفاية. إن صورة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط – والتي بدأت تطفو على حافة الأمل حينما ألقى الرئيس أوباما خطابا له في القاهرة في عام 2009 – صارت الآن في قاع المعايير، على نحو ما وصفتها به السيدة لينا خاطب من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.
ويركز ستنغل، الذي انضم إلى إدارة الرئيس أوباما في شهر فبراير (شباط) بعد 7 سنوات قضاها كمدير تحرير لمجلة «التايم» الأميركية، جهوده على مسار يعكس إصرار السيد أوباما على أن دولا مثل العراق لا بد أن تضطلع بمسؤولية الدفاع عن نفسها. في حين أن جون كيري وزير الخارجية يعمل على تجميع تحالف عسكري دولي ضد تنظيم داعش خلال رحلته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط. التقى السيد ستنغل مع المسؤولين العرب لخلق ما سماه في مقابلة أجريت معه: «تحالف الاتصال، وتحالف الرسائل، لاستكمال ما يجري على الأرض».
يعد مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب هو رأس الحربة لدى وزارة الخارجية الأميركية في تلك المعركة ومن المحتمل أن يحدد نوعية رد الفعل المعاكس الذي يود المركز أن يرى الدول الصديقة في المنطقة تشارك فيه.
تأسس المركز في عام 2010 لمجابهة الرسائل الصادرة عن «القاعدة» والجماعات التابعة لها، وتشارك وحدة ما بين الوكالات في المنتديات على الإنترنت باللغة العربية، والأردية، والبنجابية، والصومالية. وأضيفت اللغة الإنجليزية حديثا، مما يجعل المركز أكثر شفافية – وأكثر انفتاحا على النقد المتفحص الدقيق.
يناقش أعضاء الوحدة المذكورة مزاعم تنظيم داعش من خلال النشر على مواقع «تويتر»، و«تمبلر»، و«يوتيوب»، و«فيسبوك»، ويعكسون نكسات المتشددين ويؤكدون على التكلفة البشرية الباهظة جراء وحشية المتطرفين. وتستهدف الوحدة كذلك الجماعات المتطرفة في الصومال ونيجيريا. ونقلت تغريدات موقع «تويتر» الأخيرة أقوال علماء المسلمين حول قتل تنظيم داعش لأحد عمال الإغاثة بأنه انتهاك للشريعة الإسلامية، ووصفت الممرضة التركية بأنها أرهقت من علاج مقاتلي تنظيم داعش حتى يتمكنوا من الاستمرار في قطع رؤوس الناس. وخرجت مدونات موقع «تويتر» تحت شعار وزارة الخارجية الأميركية.
عندما نشر أحد مستخدمي موقع «تويتر» ويدعى (Islam4Libya) يوم الثلاثاء تلك التغريدة: «مقطع فيديو يظهر طفلا مقتولا بسبب الغارات الأميركية على سوريا، كما لو أن الأسد لم يكن يقتلهم بسرعة كافية». ورد عليه هاشتاغ (#Think Again Turn Away) يقول: «ردا على أكاذيب (Islam4Libya): يقولون في مقطع الفيديو إن أولئك الأطفال قد أصيبوا في الغارات الجوية لطائرات الرئيس الأسد. توقف عن إعادة نشر اللقطات من باب الدعاية المضادة لأميركا».
يسخر مقطع الفيديو الخاص بهاشتاغ (#Think Again Turn Away) من تنظيم داعش، والذي يعرف باللغة الإنجليزية اختصارا باسم (ISIS) أو (ISIL)، حتى التي تظهر لفترة وجيزة بعض الضحايا ممن قطعت رؤوسهم. ولكن بعض النقاد شككوا في لهجتها الساخرة للغاية: «يمكنك تعلم بعض المهارات الجديدة المفيدة للأمة! من تفجير المساجد. وصلب وإعدام المسلمين. ونهب الموارد العامة» (وكلمة الأمة في اللغة العربية تشير إلى المجتمع المسلم الكبير).
الشعار غير الرسمي لمركز الاتصالات المشار إليه يقول – «نافس الفضاء» – يبدو أنه يستدعي تأييدا رفيع المستوى يوم الأربعاء عندما قال الرئيس أوباما في خطابه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن القتال ضد الإرهابيين يعني «منافستهم في الفضاء المعلوماتي الذي يعملون من خلاله – بما في ذلك شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي».
مع تعمق وزارة الخارجية أكثر وأكثر في العالم الرقمي، يمتلك حسابها على موقع «تويتر» نحو مليوني متابع في جميع أنحاء العالم من العام الماضي، ومدوناتها على ذات الموقع باللغة العربية بلغت مائتي ألف تغريدة، وبعض السفراء لديهم متابعون على موقع «فيسبوك» بعشرات الآلاف.
يقول روبرت إس فورد، والذي تعاقد مؤخرا مع عمله لدى وزارة الخارجية الأميركية، إن وسائل التواصل الاجتماعي لا بديل عنها بالنسبة إليه حينما كان سفيرا لبلاده إلى سوريا. ويضيف أن «المسؤولين في دمشق يمكنهم بمنتهى السهولة منع وصولي إلى الإعلام السوري، ولكن إذا نشرت شيئا على موقع (فيسبوك) فسوف تلتقطها وسائل الإعلام الفضائية العربية والدولية على الفور، مثل قناة (الجزيرة)، وكان ذلك يصل إلى المنازل السورية بمنتهى السهولة».
ومع ذلك، هناك حدود تقيد الجهود الرقمية الأميركية التي يقف ذلك المركز على رأسها. من بين الموظفين البالغ عددهم 3100 موظف تحت رئاسة السيد ستنغل، هناك 50 موظفا فقط يعملون لصالح مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب.
وفي المقابل، قالت السيدة خاطب إن مخبرا تابعا لها في مدينة الرقة السورية معقل تنظيم داعش – وهي المدينة التي تعرضت لغارات جوية قاسية من قبل الولايات المتحدة – أبلغها أن مقاهي الإنترنت هناك مشغولة على مدار اليوم بالعشرات من الشباب «الذين ينشرون ما تمليه عليهم وزارة الإعلام في تنظيم داعش».
* خدمة «نيويورك تايمز»