إخراج جثة طفل سوري من قبره يفجر جدالاً حول العنصرية في لبنان

TT

إخراج جثة طفل سوري من قبره يفجر جدالاً حول العنصرية في لبنان

تنامت ظاهرة التمييز العنصري ضدّ المقيمين في لبنان من جنسيات عربية وآسيوية وأفريقية، لكن أكثرها حدّة كان ضدّ النازحين السوريين. ولم يعد التمييز العنصري يقتصر على الأحياء، بل بات يشمل الأموات أيضاً، إذ شهدت بلدة عاصون في قضاء الضنيّة (شمال لبنان) ظاهرة فريدة، تمثّلت في نبش قبر طفل سوري بعد ساعات على دفنه، وإخراج الجثّة من القبر، لينقل ويوارى الثرى في مقبرة أخرى، وهو ما أثار موجة غضب واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولدى الهيئات والمؤسسات الحقوقية.
هذه الحادثة أثارت الاهتمام بالنظر إلى الضجّة التي أحدثتها، واستدعت متابعة رسمية. وعلمت «الشرق الأوسط» أن وزارة الداخلية والبلديات وضعت يدها على الحادثة وأمرت بفتح تحقيق سريع «لتحديد المسؤولية، واتخاذ المقتضى القانوني». وأكدت مصادر في وزارة الداخلية أن «قوى الأمن الداخلي باشرت تحقيقاتها بإشراف ومتابعة النيابة العامة الاستئنافية في الشمال»، معدةً أن «ما حصل لا يعبّر عن سلوك اللبنانيين».
وتضاربت المعلومات المتداولة عن كيفية حصول الحادثة، لكنّ مدير إذاعة «طريق الارتقاء» خالد زعرور، ابن بلدة عاصون، قدّم روايته، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحادثة وقعت في جبانة بلدة عاصون، وهي المقبرة الوحيدة التي دفن فيها خلال سنتين ما يزيد على 100 سوري ممن توفوا في عدد من مناطق شمال لبنان». وقال: «جرت توسعة المقبرة أكثر من مرّة على حساب أشخاص من أبناء البلدة المتمولين، وهو ما أثار امتعاض قلّة قليلة من أبناء البلدة»، كاشفاً أن «المشكلة وقعت عندما أحضرت جثّة الطفل، ووجد المشيعون باب المقبرة مقفلاً، فعمدوا إلى القفز من فوق السور وأدخلوا الجنازة ودفنوها، ولمّا علمت قائمقام قضاء الضنية أن الدفن حصل من دون علم القيمين على المقبرة، أمرت بنبش القبر وإخراج جثّة الطفل التي نقلت إلى بلدة سير الضنية ودفنت هناك»، معدّاً أن «هذا الأمر غير مقبول قانونياً أو أخلاقياً أو دينياً، لأن الميّت له حرمته».
وأكد زعرور أن «قائمقام الضنية هي المسؤولة عمّا حصل، لأن لا أحد يتخطى سلطتها الإدارية، لكنّها تحاول إلقاء المسؤولية عن المتطوّع على حراسة المقبرة، وهذا يدلّ صراحة على أن المصيبة دائماً تقع على الصغار ويتنصّل منها الكبار»، مشيراً إلى أن «هناك فاعل خير، تبرّع بقطعة أرض لتحويلها إلى مقبرة وخصصها لدفن السوريين فقط، حتى لا تتكرر مثل هذه الحادثة المؤسفة».
واعتبر رئيس القسم الديني في دائرة أوقاف طرابلس الشيخ فراس بلوط أن «إعادة فتح القبر وإخراج جثّة الطفل أمر لا يجوز، لا قانوناً ولا شرعاً ولا عرفاً، وهذا حصل نتيجة خطأ من موظف في البلدية اعترف بالخطأ وندم على تصرفه». وأكد أن «قائمقام منطقة الضنيّة لا علاقة لها بما حصل، ونحن نتابع الموضوع حتى لا تتكرر مثل هذه المشكلة مع الإخوة السوريين أو مع غيرهم».
وتزامنت هذه الحادثة مع الكاريكاتير العنصري الذي نشرته محطة «أو تي في» المملوكة من «التيار الوطني الحرّ» برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، التي تدين بالولاء لرئيس الجمهورية ميشال عون، وأظهر طالبين لبنانيين أمام لافتة كتب عليها «نعتذر منكم... المدرسة ممتلئة بالسوريين والعراقيين والهنود والزنوج والأحباش والبنغلاديش». ورأى ناشطون الكاريكاتير تعبيراً عن «مستوى الكراهية لدى التيار الوطني الحرّ وقيادته تجاه النازحين السوريين والعمّال من جنسيات أخرى».
ويأتي هذا الكاريكاتير ردّاً على تغريدة لوزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، قال فيها: «رغم كل التحديات لن نسمح ببقاء أي طالب خارج المدرسة في لبنان مهما كانت جنسيته، وسنسعى لتأمين التعليم الشامل والعادل للجميع، فحق الإنسان بالتعلم حق مقدس تكفله المواثيق والشرائع الدولية كافة».
وعدّت مصادر مقرّبة من وزير التربية لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الكاريكاتير هو الوجه الحقيقي للعنصرية القديمة - الجديدة الموجودة لدى التيار الوطني الحرّ ضدّ السوريين والفلسطينيين». وشددت على أن «التعليم حقّ إنساني مقدّس، ووزارة التربية تمارس هذا الحقّ كاملاً، على قاعدة حق الجميع في التعليم». وأشارت إلى أن الطفل «أياً كانت جنسيته وعرقه ولونه، هو إنسان يتمتع بحقّ التعليم الذي تكفله المواثيق الدولية، عدا عن أننا نتلقى المساعدات من المجتمع الدولي من أجل تعليمهم».
وأكدت أن «السهر على حقوق الأطفال السوريين والفلسطينيين وغيرهم، لا يلغي ضرورة عدم ترك أي طالب لبناني خارج المدرسة». وقالت: «تجب المساواة بين الطفل السوري الذي هجّره نظام بشار الأسد، والطفل الفلسطيني الذي هجرته إسرائيل، وأن نكفل حقهم بالتعليم بعيداً عن التمييز العنصري».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.