خلاف عقاري ـ طائفي في لبنان يستدعي استنفاراً أمنياً

TT

خلاف عقاري ـ طائفي في لبنان يستدعي استنفاراً أمنياً

استدعى الخلاف العقاري المتعاظم بين قضائي بشري والضنية الواقعين شمال لبنان والذي اتخذ أخيراً منحى طائفياً نظراً إلى أن القضاء الأول ذو غالبية مسيحية والثاني ذو غالبية مسلمة، تدخل وزيرة الداخلية ريا الحسن التي طالبت خلال اجتماع استثنائي لمجلس الأمن المركزي، أمس، الأجهزة الأمنية بمنع حصول أي احتكاك بين أهالي بلدتي بشري وبقاعصفرين (إحدى بلدات الضنية) و«عدم المس بالسلم الأهلي».
وخرج الخلاف إلى العلن في الأيام الماضية مع توجه نائبي حزب «القوات اللبنانية» ستريدا جعجع وجوزيف إسحق للطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري التدخل لحلحلة الموضوع. ويعترض أهالي بشري على موقع بركة للمياه بوشر العمل بها في نقطة معروفة بـ«حقل سمارة» المتاخم للقرنة السوداء على علو 2700 متر تقريباً، وهي منطقة يؤكدون أنه متنازع عليها عقارياً بين بلدتي بشري وبقاعصفرين، فيما ينفي أهالي الضنية الموضوع ويصرون على أنها تابعة لهم عقارياً.
ولا يقتصر الصدام على العقار، إنما على إمكانية أن يهدد قيام بركة مياه على هذا الارتفاع المياه الجوفية في المنطقتين. وهو ما تشير إليه مصادر «القوات» التي تذكر بأنه كان يتم العمل على تأمين المياه لأهالي بقاعصفرين من بركتين في العطارة ووادي دبة «لكن الإصرار على استحداث بركة في القسم المتنازع عليه، هو ما يطرح أكثر من علامة استفهام».
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن لدى «القوات» قرار بـ«تبريد الأجواء والتخفيف من الضغط الحاصل بين أهالي القضاءين، علما بأننا منذ بداية الطريق لم نهاجم أحداً، إنما لجأنا إلى القانون والقضاء الذي أنصفنا بعدما أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بشري جو خليل، قراراً تمهيديّاً قضى بوقف أعمال إنشاء بركة مياه في سهلة سمارة».
ولفتت إلى أن «الخلاف لا يجب على الإطلاق أن يتخذ طابعاً طائفياً باعتبار أننا ننطلق من وقائع بيئية تؤكد أن الموقع المحدد يهدد المياه الجوفية، كما من وقائع عقارية تؤكد أن المنطقة متنازع عليها، وبالتالي لا يحق لأي من الفرقاء العمل فيها، علما بأن الجرد شاسع جداً في المنطقة وكان يمكن تحديد أي نقطة أخرى محسومة الملكية».
واستهجن رئيس اتحاد بلديات الضنية محمد سعدية في شدة «استثمار الملف سياسياً وطائفياً، وإقحام أهالي بشري والضنية على حد سواء في كباش مماثل لا يشبههم، فلطالما كانت الضنية ملجأ لأهل بشري والعكس صحيح، وهذه الأرض بالنهاية هي أرض تخص الدولة اللبنانية، وليست أرضاً مسلمة أو مسيحية كما يحاول البعض تصويرها».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه عاتب بشدة على «كيفية مقاربة الفرقاء السياسيين المعنيين الملف لمحاولة تسجيل شعبية على حساب توتير الأجواء بين المنطقتين». وأضاف أن «سبب الخلاف لا شك ليس بيئياً كما يصور البعض، والحديث عن أن إنشاء إحدى برك المياه سيؤدي إلى شح في المياه الجوفية مجرد حجة واهية».
وذكّر بأن «النائبة جعجع حازت على أكبر عدد من أصوات أهالي الضنية في انتخابات العام 2005 في وقت حاز بانتخابات لاحقة النائب جهاد الصمد على أكبر عدد من أصوات ناخبي بشري، ما يعطي مؤشراً واضحاً إلى كون أهالي المنطقتين بعيدين كل البعد عن الطائفية في التعامل مع الملفات».
وكان الاحتقان بين المنطقتين انفجر نهاية الأسبوع الماضي مع توجه أكثر من 100 سيارة رباعية الدفع يقودها شبان من مختلف قرى الضنية وبلداتها نحو القرنة السوداء، في تحرك رمزي للتأكيد على أن العقار المتنازع عليه يتبع للضنية.
وأعلنت بلدية بقاعصفرين - الضنية في وقت لاحق أن «الشبان الذين صعدوا إلى القرنة السوداء تعرضوا لإطلاق نار من قبل مجهولين من جهة بشري، من غير أن يصاب أحد منهم بأذى». وعبرت البلدية عن أسفها للحادثة الذي اعتبرت أنه «سيؤدي إلى توتر الأجواء بين الضنية وبشري، وهو ما لا نتمناه ولا نريده». ودعت «الجيش اللبناني والقوى الأمنية، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء الحادثة، ومنع تكرارها».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.