حتى الساعة لا يمكن تفسير الأسباب التي دعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى الإقرار بأنه ناقش في مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اتهامات بالفساد ضد نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن، رغم معرفته بأن هذه القضية قد تدعم ملف خصومه الذين يطالبون بعزله على قاعدة ادعاءات مخالفاته الدستورية والسياسية واستغلاله لسلطته الرئاسية.
ويتهمه معارضوه بأنه ناقش فرضية حول مواطن أميركي ومنافس سياسي مع رئيس دولة أجنبية من دون أي أدلة تثبت ادعاءاته، وبأنّه تلاعب بتحالفات الولايات المتحدة لمصالح شخصية وسياسية، مهدداً بوقف المساعدات عن بلد يخوض حرباً مع روسيا، هو في أمسّ الحاجة إليها.
واعتبر كثيرون اعترافه بما ناقش في المكالمة أمراً مذهلاً، ورفع الضغوط على بعض المترددين حتى من أوساط الحزب الديمقراطي للانخراط في دعم حملة عزل الرئيس. وأعلن العديد من الديمقراطيين أن الأدلة التي ظهرت في الأيام الأخيرة والتي تشير إلى أن الرئيس ترمب دفع الحكومة الأوكرانية إلى التحقيق مع بايدن، وتعطيل إدارته محاولات الكونغرس لمعرفة المزيد، ستغيّر حساباتهم حول توجيه الاتهام إليه لعزله.
وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، آدم شيف، الذي كان لا يزال يعارض اعتماد مسار العزل، إن المجلس قد يكون قد وصل إلى مرحلة تبني اقتراح عزل الرئيس، بعد الحقائق التي ظهرت أخيراً. وقال شيف على شبكة «سي إن إن»: «لقد كنت متردداً للغاية في السير في طريق المساءلة، لكن إذا كان الرئيس يحجب المساعدات العسكرية بشكل أساسي (...) ويحاول توبيخ زعيم أجنبي لفعل شيء غير مشروع وتوفير تجاوزات ارتكبها خصمه لاستغلالها ضده خلال حملة رئاسية»، فإنه سيغيّر موقفه.
وقال عدد من المشرعين الديمقراطيين المعتدلين الذين يعارضون عزل الرئيس إنهم يفكرون في تغيير مواقفهم، فيما قال آخرون مترددون إنهم يفكرون في الانضمام إلى جهود العزل. كما صعّد النواب التقدميون في الحزب الديمقراطي من انتقاداتهم لقيادة الحزب، متهمين إياها بالفشل في التحرك. وكتبت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز على «تويتر»: «في هذه المرحلة، الفضيحة الوطنية الأكبر ليست سلوك الرئيس المخالف للقانون، بل هي رفض الحزب الديمقراطي عزله». وأعلن العديد من الممثلين المحسوبين على التيار التقدمي أنهم قرروا الانضمام إلى تأييد عزل الرئيس بعد الفضيحة الأخيرة، حسب قولهم.
في المقابل، وجّهت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، رسالة تحذير إلى البيت الأبيض، تطالبه بتسليم الشكوى السرية للمبلغين عن مخالفات الرئيس في محادثته مع نظيره الأوكراني بحلول يوم الخميس، أو مواجهة تصعيد كبير من المجلس.
ورغم أن رسالة بيلوسي التي أبلغتها للديمقراطيين أيضاً لم تذكر كلمة «عزل»، فإنها ألمحت إليها. وقالت الرسالة: «إذا استمرت الإدارة في منع الشخص الذي أبلغ عن هذه المخالفة من المثول وكشف ما لديه أمام الكونغرس من خرق محتمل وجسيم للواجبات الدستورية من قبل الرئيس، فسوف ندخل فصلاً جديداً وخطيراً من الفوضى التي ستقودنا إلى مرحلة جديدة تماماً من التحقيق».
وتتركز الاتهامات حول ما إذا كان ترمب قد ضغط على الرئيس الأوكراني المنتخب حديثاً، بشكل ضمني أو صريح لاتخاذ إجراء لإلحاق الأذى بحملة بايدن الانتخابية، في لحظة هشة بالنسبة إلى أوكرانيا، ربما عبر استخدام المساعدات العسكرية للولايات المتحدة كوسيلة للضغط.
كانت إدارة ترمب قد حجبت مؤقتاً تمويلاً عسكرياً بقيمة 250 مليون دولار عن أوكرانيا التي تخوض حرباً ضد الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا. وفيما لم تكن هناك مؤشرات على هذه النقطة، غير أن ترمب ذكر أموال المساعدات خلال مكالمته، حسبما يتم تداوله في الإعلام وما تم فهمه من تصريحاته. وعلى الرغم من أن ترمب لم يؤكد تماماً التقارير الإخبارية بشكل مباشر حول ما جاء في المكالمة الهاتفية، فإنه دافع عنها، وحاول إلقاء اللوم على الديمقراطيين وعلى بايدن، رغم أنه أقرّ بأنه ناقش قضيته، متهماً نائب الرئيس السابق بالفساد المرتبط بأنشطة ابنه التجارية.
وقال ترمب للصحافيين: «المحادثة التي أجريتها كانت إلى حد كبير للتهنئة وكذلك عن الفساد وعن كل الفساد الذي يجري، وإلى حد كبير لحماية شعبنا من الفساد الذي خلقه بالفعل نائب الرئيس بايدن وابنه في أوكرانيا».
ونفى بايدن اتهامات ترمب وطالب بكشف نص المكالمة وكل ما يرتبط بهذا الملف، مؤكداً أنه لم يتدخل أبداً في أنشطة ابنه.
ورغم أن الغموض لا يزال يلفّ مصير هذه القضية، وعما إذا كانت ستقود إلى دعم إجراءات العزل التي يدفع نحوها الديمقراطيون، فإن الجمهوريين التزم معظمهم الصمت. إلا أن عدداً قليلاً من الأعضاء الجمهوريين البارزين طلبوا من البيت الأبيض الكشف عن محتوى المكالمة الهاتفية.
وقال السيناتور ليندسي غراهام: «آمل أن يتمكن الرئيس من تبادل المعلومات بطريقة مناسبة للتعامل مع الدراما حول الاتصال الهاتفي»، مضيفاً: «أعتقد أنه سيكون جيداً للبلد أن نتمكن من التعامل مع هذه القضية».
لكن السيناتور الجمهوري ميت رومني، المرشح السابق للرئاسة عام 2012، وجه كلاماً أكثر حدة، حيث اعتبر أنه «من المهم أن تظهر الحقائق»، وقال: «إذا طلب الرئيس أو ضغط على الرئيس الأوكراني للتحقيق مع منافسه السياسي، بشكل مباشر أو من خلال محاميه الشخصي، فسيكون أمراً مقلقاً للغاية».
كما رأى العديد من المشرعين الديمقراطيين أن الادعاءات ضد ترمب تنطوي على إمكانية تجريمها بشكل فردي، مع إمكانية دفعها نحو حملة عزل الرئيس، بعدما بدا أنها تفقد زخمها. وقال هؤلاء إن القضية لا تشير فقط إلى أن الرئيس استخدم سلطات الرئاسة للحصول على مكاسب سياسية من قوة أجنبية، بل ويحاول بنشاط مرة أخرى منع الكونغرس من معرفة ماذا جرى.
ارتفاع الضغوط على ترمب بعد اعترافه بمناقشة حول بايدن مع نظيره الأوكراني
ارتفاع الضغوط على ترمب بعد اعترافه بمناقشة حول بايدن مع نظيره الأوكراني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة