«المؤتمر المصرفي العالمي»: الديون تقود اقتصاد العالم نحو الركود

الهاشل: ما يقلق البنوك ليست الشركات المالية... بل منافسة عمالقة التكنولوجيا

مشاركون في المؤتمر المصرفي العالمي «صياغة المستقبل» الذي افتتح في الكويت أمس (الشرق الأوسط)
مشاركون في المؤتمر المصرفي العالمي «صياغة المستقبل» الذي افتتح في الكويت أمس (الشرق الأوسط)
TT

«المؤتمر المصرفي العالمي»: الديون تقود اقتصاد العالم نحو الركود

مشاركون في المؤتمر المصرفي العالمي «صياغة المستقبل» الذي افتتح في الكويت أمس (الشرق الأوسط)
مشاركون في المؤتمر المصرفي العالمي «صياغة المستقبل» الذي افتتح في الكويت أمس (الشرق الأوسط)

أكد محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل، أن الصناعة المالية تقف على مفترق طرق مليء بالتحديات الداخلية والخارجية، وتتطلب أن تنصهر الصناعة المصرفية في قالب جديد ينسجم مع المستقبل، مشيراً إلى أن الديون العالمية تقود اقتصاد العالم نحو الركود الاقتصادي.
وأفتتح في الكويت، أمس، المؤتمر المصرفي العالمي «صياغة المستقبل»، الذي يرعاه أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، وافتتحه رئيس الوزراء بالإنابة وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح.
ويهدف المؤتمر الذي ينظمه بنك الكويت المركزي بمشاركة مجموعة من صناع السياسات المالية والمصرفية ونخب اقتصادية عربية ودولية إلى استشراف مستقبل الصناعة المصرفية والتحديات غير المسبوقة التي يواجهها الاقتصاد العالمي والمتغيرات الاجتماعية والتقنية.
وقال الهاشل، إن الصناعة المصرفية تواجه عدداً من التحديات، أبرزها أوضاع وتقلبات الاقتصاد العالمي وثورة التقنيات المالية الحديثة والتغيرات المتسارعة في توقعات العملاء واحتياجاتهم. لكنه أضاف، أن الصناعة المصرفية حققت نمواً ساهم في دعم الاقتصادات حول العالم رغم ما مرت به من أزمات وما نجم عن ذلك من خسائر.
وذكر أن أوضاع الاقتصاد العالمي تكشف عن حجم التحديات؛ إذ خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2019 مرتين ليبلغ 3.2 في المائة، في حين يتوقع للاقتصادات المتقدمة نمواً يبلغ 1.9 في المائة.
وتحدث عن معوقات النمو، موضحاً أن أبرز تلك المعوقات تكمن في ضبابية آفاق الاقتصاد العالمي بسبب النزاعات التجارية والسياسات الحمائية، مبيناً أنه إذ استمرت هذه التوترات فقد يعيد صندوق النقد الدولي خفض توقعات النمو مرة أخرى.
وذكر الهاشل، أن العناصر المؤثرة في مستقبل أوضاع الاقتصاد العالمي تكمن في دور السياسات النقدية، موضحاً أن النمو الاقتصادي طيلة العقد الماضي كان مدفوعاً بجملة من السياسات النقدية غير التقليدية قادت جهود انتشال الأسواق من الأزمة المالية العالمية بتوفير السيولة وبيئة اقتراض منخفض التكلفة.
كما أشار إلى مشكلة الديون، وقال إن حكومات الدول المتقدمة أفرطت في الاقتراض خلال السنوات القليلة الماضية، مبيناً أن امتداد أسعار الفائدة المنخفضة لفترة طويلة أتاح للشركات حول العالم أن تقترض بتكلفة رخيصة حتى ربت على ضعف ديون الشركات حول العالم خلال العقد الماضي.
وأشار إلى ارتفاع ديون الشركات حول العالم خلال العقد الماضي، بما فيها القروض والسندات، من 37 تريليون دولار إلى 73 تريليون متخطية بذلك الديون الحكومية.
وبيّن أن الدين العالمي بالعقدين الماضيين نما بنسبة 6 في المائة، مؤكداً أنه إذا استمر نموه بهذه الوتيرة مع معدل النمو المتوقع للناتج الإجمالي العالمي البالغ 3.5 في المائة فسيبلغ الدين العالمي بعد عقدين 780 تريليون دولار أو 500 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.
وفيما يتعلق بأثر التقدم التقني على الصناعة المصرفية، قال الهاشل إن التقنيات المالية الحديثة تتطور بسرعة هائلة ويتلقفها الجميع بالسرعة ذاتها، بيد أنها في تطورها تغير وجه الاقتصاد وتعيد صياغة الكثير من الصناعات التقليدية.
وذكر أن شركات التقنيات المالية قد بدأت بالفعل تحل محل كثير من مؤسسات الوساطة المالية، لافتاً إلى أن البنوك تحاول الحفاظ على موقعها المتقدم في المنافسة بالتعاون مع شركات التقنيات المالية الحديثة حيناً والاستحواذ عليها حيناً آخر.
وأوضح أن ما يقلق البنوك ليست شركات التقنيات المالية الحديثة، بل منافسة عمالقة التقنية مثل «فيسبوك» و«أبل» و«أمازون» و«فودافون» و«علي بابا»، إذا شرعت هذه الشركات في منافسة البنوك على تقديم الخدمات المالية. وبيّن أن دور الجهات الرقابية يكمن في تحقيق توازن دقيق في معايير حماية العملاء وترسيخ معايير الرقابة الحصيفة والممارسات الإشرافية الرصينة وحماية الاستقرار النقدي والمالي.

الحرب التجارية قد تشكل حافزاً لدول المنطقة
رأى اقتصاديون مشاركون في المؤتمر المصرفي العالمي، أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تمثل تحدياً إضافياً على الاقتصاد العالمي، لكنها يمكن أن تمثل فرصاً للدول الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط.
وفي حين رأى عمر الغانم، رئيس مجلس إدارة بنك الخليج الكويتي، أن الحرب التجارية بين العملاقين الاقتصاديين العالميين هي خسارة صافية للجميع. وقال إن دول الخليج خصوصاً تقوم بتصدير البتروكيماويات للصين، وهذا القطاع سيتأثر من هذه الحرب التجارية، كما أن هذه الدول ستتأثر إذا أدت هذه الحرب إلى تباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي.
من جانبه، أكد أحمد الخليفي، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، أن التحديات الجيوسياسية تشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد العالمي، مؤكداً ضرورة تحديث السياسات النقدية والمالية لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
وأكد الخليفي في خلال مشاركته في جلسة بعنوان «نظرة تأملية في الاقتصاد العالمي والمستجدات الاقتصادية وتحدياته» بالمؤتمر المصرفي العالمي الذي نظمه بنك الكويت المركزي، أمس (الاثنين)، على أهمية الانخراط في دعم سياسات الإنتاج ودعم الموارد البشرية والتفكير في حلول وإصلاحات هيكلية للاقتصادات الوطنية.
وذكر أن السعودية تمكنت من دعم استقلالية البنك المركزي وجذبت الكثير من استثمارات القطاع الخاص لافتاً إلى أن النظام التجاري العالمي أصبح متعدد الأطراف وهو ما يعكس العولمة في حقيقتها.
من جانبه، قال غربيس إيراديان، كبير الاقتصاديين لمنطقة شرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الدولي للتمويل، إن «تذبذب أسعار النفط هو التهديد الأكبر على اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي».
وقال «إذا حافظت أسعار البترول على معدلات أقل من 60 دولاراً؛ فإن الدول المنتجة ستتأثر بشكل أكبر من المنافسة التجارية بين الولايات المتحدة والصين».
كما لفت إلى تأثير التغييرات على معدل الفائدة الفيدرالي، وقال «إنه في فترات الركود السابقة كان لدى المجلس الفيدرالي الأميركي من 4 إلى 5 نقاط مئوية لمستوى الفائدة، أما الآن فهما نقطتان مئويتان؛ ما يعني أن معدل الفائدة قد يكون له تداعيات سلبية».
بدوره، قال محافظ البنك المركزي الأردني، زياد فريز، إن هناك الكثير من التحديات التي تؤثر على الصناعة المصرفية ما يتطلب إيجاد حلول مستدامة وفعالة تدعم رغبة الأشخاص لتحسين ظروف حياتهم عبر تطبيق سياسات اقتصادية ناجحة.
وذكر فريز، أن المصارف المركزية لا تزال تلعب دوراً أساسياً وتتدخل في ضخ السيولة في الأسواق، داعياً إلى اعتماد سياسات تسهم في تعديل الوضع وإصلاح الاختلالات القائمة حتى تتمكن المصارف المركزية من تحفيز الاقتصاد ودعم النمو الاقتصادي.
وأشار إلى تأثير ارتفاع الدين العالمي، وقال إن ارتفاع الدين العالمي يشكل تحدياً جسيماً على الاقتصاد العالمي. مبيناً أنه «إذا ارتفع الدين العالمي بشكل أسرع من النمو الاقتصادي فسنواجه الكثير من المشكلات؛ وهو ما يعني عدم الاستدامة ومن ثم تهديد الاستقرار المالي».
أما هانك هوغيندورن، المدير الإداري لمكتب القطاع المالي في مركز قطر للمال، فقد دعا إلى الاستفادة من التطورات الأخيرة، ولا سيما التوتر في العلاقات التجارية الصينية - الأميركية.
وقال «إن دول الخليج والشرق الأوسط يمكنها أن تعزز موقعها كرابط بين الخطوط التجارية نحو دول أفريقيا». مشيراً إلى مبادرة «الحزام والطريق» التي تبنتها الصين، معتبراً أن من شأن هذه المبادرة تحسين التجارة العالمية؛ إذ يعتبر الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي تحديداً مركزاً رئيسياً بالنسبة لآسيا وأفريقيا وأوروبا.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.