«صمٌّ» من غزة يبدعون في المهن التقليدية ويكسرون الحواجز المجتمعية

«الشرق الأوسط» زارتهم في اليوم العالمي للغة الإشارة

زيارة وفود لمصنع الخياطة حيث تعمل نساء يعانين من الصم
زيارة وفود لمصنع الخياطة حيث تعمل نساء يعانين من الصم
TT

«صمٌّ» من غزة يبدعون في المهن التقليدية ويكسرون الحواجز المجتمعية

زيارة وفود لمصنع الخياطة حيث تعمل نساء يعانين من الصم
زيارة وفود لمصنع الخياطة حيث تعمل نساء يعانين من الصم

تحتفل الأمم المتحدة في 23 سبتمبر (أيلول) من كل عام، باليوم الدولي للغة الإشارة، اعترافاً منها بأهميتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولحماية الهوية اللغوية والتنوع الثقافي لجميع من يستخدمها. وحسب إحصاءات الاتحاد العالمي للصّم، فهناك نحو 72 مليون شخص أصم حول العالم، ويعيش 80 في المائة منهم في البلدان النامية، ويستخدمون أكثر من 300 لغة إشارة.
تؤكّد كثير من الدراسات والأبحاث الحديثة ذات العلاقة بالتسويق والتجارة، على أهميّة اختيار الأسلوب والطّريقة الأمثلين للتّواصل مع العملاء. وهذا الاختيار يشكّل بدوره، الأساس الأول الذي تقوم عليه أي عملية تسويقية. إنّه الوضع الطبيعي لأي مسألة، لكنّه ليس كذلك بالنّسبة لعدد الأشخاص المهنيين الذين يقطنون قطاع غزة ويعانون من إعاقاتٍ في السّمع، ويستخدمون لغة الإشارة للتواصل مع الآخرين بكلّ تفاصيل حياتهم.
هاشم غزال (53 عاماً) أبٌ لتسعة أولاد، يعمل مسؤولاً للمنجرة التابعة لجمعية أطفالنا للصّم. عاش منذ شبابه حالة صعبة ولّدتها النّظرة المجتمعية للأشخاص «ذوي الهمم»، لكنّه رغم ذلك، سعى في سبيل تغييرها من خلال إقدامه على تعلّم مهنة النجارة وإتقانها ليصبح بعد وقتٍ طويل ذا صيتٍ وسمعة بين أهلها.
يتحدث هاشم لـ«الشرق الأوسط» من خلال مترجمٍ للغة الإشارة قائلاً: «بدأنا مشروعنا بصورة بسيطة وبدعمٍ محدود عام 1993. لكنّه تطوّر بعد ذلك وأصبح منجرة متكاملة يعمل بها عشرات الأشخاص من (ذوي الهمم)، كما أنّنا ننتج مختلف أنواع الأثاث الخشبية ونقيم المعارض بشكلٍ مستمر لعرضها للجمهور»، موضحاً أنّه يجد إقبالاً وإعجاباً من كلّ الأشخاص الذين يشاهدون إنتاجهم، وعلى صعيده الشّخصي فهو يعمل اليوم مدرباً لحرفة النجارة.
وعن لغة الإشارة في حياته، يذكر أنّه يعاني كثيراً للتواصل مع الناس خاصّة الزبائن منهم، ويضطر كثيراً للاستعانة بمترجمٍ، كما أنّه يفصح عن معاناته في المرافق العامّة والحكومية التي لا توائم عملها مع متطلباته، مشيراً إلى أنّ محيطه العائلي متعلم لتلك اللغة ويفهم ما يريد إيصاله بصورة سريعة.
حكاية أخرى نسجت تفاصيلها الأربعينية ساجدة غزال برفقة مجموعة من النسوة الصمّاوات، حيث وجدن طريقهن للانخراط في المجتمع من خلال العمل في مصنعٍ للخياطة يتبع لجمعية أطفالنا للصم، وينتج القطع القماشية التراثية المطرزة بأسلوبٍ عصري وجذاب.
وسط آلات الخياطة تقف ساجدة تشير بيديها للنسوة، تخبّرهن عن الكمية المطلوب إنجازها خلال هذا اليوم، وتحدثهن كذلك عن التفاصيل الواجب عليهن الالتزام بها خلال العمل وعن الشّكل النّهائي المفترض للقطعة. تردّ عليها إحداهن لتعلق على ما تقول بلغة الإشارة كذلك، فيما تقطع الحديث سيدة أخرى قدمت من الخارج، على ما يبدو من لهفتها في الحديث، أنّها عايشت قصّة شيّقة خلال يومها وترغب في روايتها لزميلاتها.
تقول ساجدة لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل هنا منذ سنوات طويلة، برفقة أكثر من عشرين سيدة، نتشارك كلّ التفاصيل اليومية، ونتعامل بلغة الإشارة مع كلّ فئات المجتمع من تجار وإدارة مركز ومواطنين»، شارحة أنّ لغة الإشارة تعني بالنسبة لها حياة خاصّة لا يشاركها بها إلّا أصحاب ألمها وأهلها، وتأمل في أن تصبح تلك اللغة عمّا قريب، متداولة بشكلٍ أكبر في المجتمع الفلسطيني.
وتعمل النسوة في المصنع على إنتاج أثواب الأطفال المميزة والمقتنيات النسوية الصغيرة، وجميعها يتم ضمنها إدخال عناصر تراثية فلسطينية، وفقاً لحديث ساجدة، لافتة إلى أنّهن يسعين كذلك من خلال عملهن لتحقيق دخل يسهم في توفير حياة كريمة لهنّ ولعائلتهن في ظلّ الأوضاع المعيشية الصّعبة التي يعيشها القطاع.
يُشار إلى أنّ جمعية «أطفالنا للصم» تأسست عام 2199. لمساعدة الأطفال والبالغين الصّم وضعاف السمع، في الحصول على فرصهم بالتعليم والتأهيل والتدريب المهني، ونجحت خلال الأعوام السابقة في افتتاح عدد من المشاريع الخاصّة بهذه الفئة وصدرتهم للمجتمع المحلي بصفة منتجين ومبدعين.
داخل غرفة مغلقة يكاد لا يسمع فيها إلّا صوت تبديل خيوط جهاز غزل النسيج «النول» ينشغل عصام شلدان (47 عاماً)، برفقة زميلين آخرين في تركيب الخيوط وفصلها حسب اللون. يسارعون الوقت لإنجاز ما تبقى لهم من طلبية عاجلة تضم «بسطاً ومعلقات جدران، ومستلزمات نسائية»، يركّزون خلال إنجازها على أدق التفاصيل، حرصاً منهم على إخراج عملٍ متقن.
شلدان الذي يعاني هو الآخر من الإعاقة السمعية التي لازمته منذ الولادة، يسرد لـ«الشرق الأوسط» أنّه تعلّم تلك المهنة بصعوبة بالغة، كونها تعتمد على الشّكل اليدوي التقليدي، وتحتاج للدقة التامة في التعامل، إضافة لكونها مهدّدة بالانقراض في ظلّ التطور التقني الذي يشهده قطاع صناعة آلات الخياطة.
ويعيل شلدان الذي يحرص برفقة صديقيه على مواءمة إنتاجهم بمتطلبات العصر والسّوق، أسرة مكونة من سبعة أفراد، ويشير إلى أنّه تخرّج بالأساس في المعهد الحرفي التابع لجمعية أطفالنا، وهو اليوم، يعمل ضمنها، وعن مكانة لغة الإشارة في نفسه، ينبّه إلى أنّه لم يعش يوماً إحساس النّقص لأنّه يستخدمها، وهو يشعر دائماً أنّه قريب من الجميع والكلّ يحترمه ويتعامل معه بصورة طبيعية.



السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)

تحتفي وزارة الثقافة السعودية بنظيرتها العراقية في النسخة الثانية من مهرجان «بين ثقافتين» خلال الفترة من 18 إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في «ميقا استوديو» بالرياض، لتقدم رحلة استثنائية للزوار عبر الزمن، في محطاتٍ تاريخية بارزة ومستندة إلى أبحاث موثوقة، تشمل أعمالاً فنيّةً لعمالقة الفن المعاصر والحديث من البلدين.

ويجوب مهرجان «بين ثقافتين» في دهاليز ثقافات العالم ويُعرّف بها، ويُسلّط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافة السعودية وهذه الثقافات، ويستضيف في هذه النسخة ثقافة العراق ليُعرّف بها، ويُبيّن الارتباط بينها وبين الثقافة السعودية، ويعرض أوجه التشابه بينهما في قالبٍ إبداعي.

ويُقدم المهرجانُ في نسخته الحالية رحلةً ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة، والسمعية في أجواءٍ تدفع الزائر إلى التفاعل والاستمتاع بثقافتَي المملكة والعراق، وذلك عبر أربعة أقسامٍ رئيسية؛ تبدأ من المعرض الفني الذي يُجسّد أوجه التشابه بين الثقافتين السعودية والعراقية، ويمتد إلى مختلف القطاعات الثقافية مما يعكس تنوعاً ثقافياً أنيقاً وإبداعاً في فضاءٍ مُنسجم.

كما يتضمن المهرجان قسم «المضيف»، وهو مبنى عراقي يُشيّد من القصب وتعود أصوله إلى الحضارة السومرية، ويُستخدم عادةً للضيافة، وتُعقدُ فيه الاجتماعات، إلى جانب الشخصيات الثقافية المتضمن روّاد الأدب والثقافة السعوديين والعراقيين. ويعرض مقتطفاتٍ من أعمالهم، وصوراً لمسيرتهم الأدبية، كما يضم المعرض الفني «منطقة درب زبيدة» التي تستعيد المواقع المُدرَجة ضمن قائمة اليونسكو على درب زبيدة مثل بركة بيسان، وبركة الجميمة، ومدينة فيد، ومحطة البدع، وبركة الثملية، ويُعطي المعرض الفني لمحاتٍ ثقافيةً من الموسيقى، والأزياء، والحِرف اليدوية التي تتميز بها الثقافتان السعودية والعراقية.

ويتضمن المهرجان قسم «شارع المتنبي» الذي يُجسّد القيمة الثقافية التي يُمثّلها الشاعر أبو الطيب المتنبي في العاصمة العراقية بغداد، ويعكس الأجواء الأدبية والثقافية الأصيلة عبر متاجر مليئة بالكتب؛ يعيشُ فيها الزائر تجربةً تفاعلية مباشرة مع الكُتب والبائعين، ويشارك في ورش عمل، وندواتٍ تناقش موضوعاتٍ ثقافيةً وفكرية متعلقة بتاريخ البلدين.

وتُستكمل التجربة بعزفٍ موسيقي؛ ليربط كلُّ عنصر فيها الزائرَ بتاريخٍ ثقافي عريق، وفي قسم «مقام النغم والأصالة» يستضيف مسرح المهرجان كلاً من الفنين السعودي والعراقي في صورةٍ تعكس الإبداع الفني، ويتضمن حفل الافتتاح والخِتام إلى جانب حفلةٍ مصاحبة، ليستمتع الجمهور بحفلاتٍ موسيقية كلاسيكية راقية تُناسب أجواء الحدث، وسط مشاركةٍ لأبرز الفنانين السعوديين والعراقيين.

فيما يستعرض قسم «درب الوصل» مجالاتٍ مُنوَّعةً من الثقافة السعودية والعراقية تثري تجربة الزائر، وتُعرّفه بمقوّمات الثقافتين من خلال منطقة الطفل المتّسمة بطابعٍ حيوي وإبداعي بألوان تُناسب الفئة المستهدفة، إذ يستمتع فيها الأطفال بألعاب تراثية تعكس الثقافتين، وتتنوع الأنشطة بين الفنون، والحِرف اليدوية، ورواية القصص بطريقةٍ تفاعلية مما يُعزز التعلّم والمرح.

بينما تقدم منطقة المطاعم تجربةً فريدة تجمع بين النكهات السعودية والعراقية؛ لتعكس الموروث الثقافي والمذاق الأصيل للبلدين، ويستمتع فيها الزائر بتذوق أطباقٍ تراثية تُمثّل جزءاً من هوية وثقافة كل دولة، والمقاهي التي توفر تشكيلةً واسعة من المشروبات الساخنة والباردة، بما فيها القهوة السعودية المميزة بنكهة الهيل، والشاي العراقي بنكهته التقليدية مما يُجسّد روحَ الضيافة العربية الأصيلة.

ويسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة تستعرض الحضارة السعودية والعراقية، وتُبرز التراث والفنون المشتركة بين البلدين، كما يهدف إلى تعزيز العلاقات بين الشعبين السعودي والعراقي، وتقوية أواصر العلاقات الثقافية بينهما، والتركيز على ترجمة الأبعاد الثقافية المتنوعة لكل دولة بما يُسهم في تعزيز الفهم المتبادل، وإبراز التراث المشترك بأساليب مبتكرة، ويعكس المهرجان حرص وزارة الثقافة على تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».