قضايا اللاجئين وترميم الأفلام يستحوذان على اهتمام مهرجان الجونة

تركز الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائي على عدد من القضايا السينمائية التي تشغل بال الصناع والمهتمين، ومن بينها ترميم الأفلام القديمة وقضايا اللاجئين. وخلال فعاليات أمس، نظّمت إدارة المهرجان أول لقاءات «سيني جونة» عن أهمية ترميم الأفلام القديمة عبر محاضرة ألقتها ساندرا شولبرج رئيس «مؤسسة أندي كولكت» التي قالت خلالها: «إذا نجحنا في صناعة أفلام جيدة، فليس علينا إلا إيجاد بنية تحتية قوية للحفاظ عليها وتخزينها»، مؤكدة أهمية إيجاد سبل دائمة للحفاظ على الإنتاج السينمائي الذي يجري إنتاجه. وأوضحت شولبرج أن ترميم النسخ الأصلية للأفلام يواجه تحديات كبرى بسبب ضعف التمويل، إذ تعتمد عمليات الترميم التي تجريها المؤسسة بشكل رئيسي على المنح من جهات مختلفة، على غرار ما تم أثناء محاولاتها لترميم بعض الأفلام القديمة التي تعود إلى إنتاج عام 1970، والتي ناقشت قضايا المرأة ذات الأصول الأفريقية بجانب قضايا الأميركيين السود، أو ذوي الأصول الآسيوية.
وترى شولبرج أن الحصول على النسخ الأصلية «نيغاتيف» للأفلام القديمة، يعدّ من أبرز الصعوبات التي تواجه مؤسستها لأن غالبية الأفلام تُخزّن بطريقة خاطئة، ولفتت: «لو نجحنا في الوصول لطرق جيدة لتخزينها وحفظها يمكننا الاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن 300 سنة».
وتسيطر قصص الحروب والسحر والقوى الخارقة والقضايا العائلية على عروض أول أيام المهرجان. فالفيلم الفرنسي «اخوات السلاح» للمخرجة كارولين فورست، الذي يعرض ضمن العروض العالمية الأولى بالمهرجان.
وفي سياق متصل، ناقشت الجلسة الثانية من «سيني جونة»، تأثير صناعة الأفلام على قضية اللاجئين، التي عقدت تحت عنوان «أصوات اللاجئين في السنيما»، التي افتتحتها شادن خلف، رئيس وحدة السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالحديث عن كيفية لعب الأفلام والدراما دوراً كبيراً في تناول حياة اللاجئين، وقالت إن «إقليمنا العربي يستضيف نحو 40 في المائة‏ من حجم اللاجئين في العالم، بسبب الصراعات الإقليمية الدائرة منذ سنوات طويلة، سواء بسبب الحروب الأهلية أو النزاعات المسلحة».
ويشارك في المهرجان 12 فيلماً في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، و9 أفلام في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، و23 فيلماً في مسابقة الأفلام القصيرة، وثلاثة أفلام في البرنامج الخاص، تتنافس جميعها على جوائز مالية تبلغ 224 ألف دولار أميركي. ويعرض المهرجان 21 فيلماً خارج المسابقة، وتعرض الأفلام بترجمة إنجليزية، ومعظمها مترجم للعربية أيضا، إضافة إلى ندوات مع صناع الأفلام، أو طاقم عمل الفيلم.
ويهتم المهرجان بشكل لافت بالجانب الإنساني في الأعمال الفنية، ما يميّزه عن غيره من المهرجانات المماثلة في العالم، إذ يجمع بين رسالة الفن والإنسانية، بجانب إتاحة منصة تهتم بالشباب للتّعبير عن قضاياهم المتعلقة بالنزاعات، واللجوء، والنزوح، وفق ثريا إسماعيل المدير التنفيذي لمؤسسة منتور العربية المختصة بمتابعة الشؤون الإنسانية والعمل الاجتماعي.
وعبّر الممثل السوري قُصي شيخ نجيب، عن سعادته البالغة بعودة السماح بتصوير الأعمال الفنية مرة أخرى في بلاده، وقال إن القضايا التي سيهتم بها خلال الفترة الحالية والمقبلة هي مناقشة وعرض قضايا اللجوء والنزوح وما تخلفه من آثار عنيفة على الإنسانية ككل، وقال قُصي إن للاجئين قصصاً مهمة في الكفاح والنجاح والصمود في جميع المناطق التي نزحوا إليها، وهي إحدى أدوات دعم اللاجئين نفسياً، ومن هذه القصص حكاية أسرة من الأطباء لجأت إلى كندا، وفشلت في معادلة شهاداتها للعمل، لكن اليأس لم يطرق بابها وقرّرت صناعة نوع من الشوكولاته المنزلية سموه «السلام بالشوكولاته»، ووزعت في المتاجر الكبرى، وحققت أرباحا ضخمة، حتى تذوقها رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو واشترى بعضها قبل زيارته الولايات المتحدة ثم عرضها في أحد اجتماعاته وقال، «هكذا يصنع اللاجئون... متى تتاح لهم الفرصة للسلام».
فيما روت الممثلة صبا مبارك عن تجربتها في مسلسل «عبور» الذي أنتجته ومثلت به، متناولة قصصا مختلفة لحياة اللاجئين في إحدى مخيمات الأردن، مستعرضة الجانب الإنساني لحياة اللاجئين، وأنها عاشت حياتهم بنفسها عبر حكاياتهم، وأن كل ما دار في المسلسل من سيناريو وحوار وقصص جاء بالفعل من رواة حقيقيين.
إلى ذلك افتتحت إدارة المهرجان أمس، معرض «مئوية ميلاد الكاتب الروائي إحسان عبد القدوس»، بحضور عدد كبير من أعضاء إدارة المهرجان إلى جانب عدد من النجوم من بينهم الفنانة يسرا وإلهام شاهين وهنا شيحة والمخرج عمرو عرفة، وقال انتشال التميمي مدير المهرجان، إن «عائلة الكاتب الراحل تعدّ مثالية جداً لحفاظها على تراثه كاملاً»، وتابع: «حينما ذهبنا إلى بيته نكتشف كنزاً حقيقياً، وأعتقد أن مقتنياته لا بد أن يُخصص لها متحف ليطالعها كل محبيه وتتعرّف عليه أجيال جديدة لم تعاصره».
من جانبها، قالت المخرجة إيناس الدغيدي لـ«الشرق الأوسط» إن «كتابات إحسان عبد القدوس كانت محرّضة لها وهي تقرأها قبل احترافها الإخراج لاهتمامه بقضايا المرأة في كل كتاباته ودعوته إلى تحرّرها». وأضافت أنها لو أتيح لها اختيار إحدى رواياته لتحويلها إلى فيلم لاختارت رواية «أنف وثلاثة عيون»، لكنها ضدّ فكرة إعادة تقديم الأفلام مرة أخرى. وكشفت أنها اتفقت بالفعل مع نجله أحمد على إخراج فيلم مأخوذ عن إحدى رواياته التي لم تقدّم سينمائياً، رافضة التصريح باسم الرّواية حتّى يُتّفق نهائياً مع أسرته، مؤكدة أنها تتمنى العودة للسينما قريبا، بهذا العمل، بعد فترة طويلة من الغياب.