تناقلت الأنباء اتهام رائدة الفضاء آن ماك كلين بارتكاب ما يمكن اعتباره الجريمة الأولى في الفضاء، فقد تقدّمت ضابطة المخابرات الجوية السابقة سامر ووردن ببلاغ أمام هيئة التجارة الفيدرالية حول سرقة الهوية، تدّعي فيه أنّ شريكة حياتها آن ماك لاين استخدمت حسابها المصرفي دون إذنها، وذلك من مقرّ إقامتها في المحطّة الفضائية الدولية، حيث تشارك في بعثة مدّتها ستة أشهر.
وتُنظّم أمور المحطّة الفضائية الدولية بموجب معاهدة تُعرف بالاتفاق الحكومي الدولي المتعلّق بالمحطة الفضائية، وقّعتها الكيانات الخمسة المشاركة في المحطة الفضائية الدولية وهي روسيا، واليابان، وأوروبا، وكندا، والولايات المتحدة. وعند حصول أي جناية في المحطّة، تسنِد المعاهدة صلاحيات التحقيق فيها إلى الدولة التي ينتمي إليها مرتكبها، إلّا في حال تضرّر أشخاص من الدول الأخرى.
ويعدد الخبراء أهم جوانب استكشاف واستغلال الفضاء القريب، وكيفية تأثيره على حياتنا اليومية، وقوانين الفضاء بالإضافة إلى بعض الأمور التي تثير قلق خبراء الفضاء.
- الأرض والفضاء
عندما نفكّر بالفضاء، تتراود إلى مخيلتنا العربات الجوّالة المتّجهة إلى المريخ وهبوط مركبات أبوللو، وليس الأمور المملّة التي تحصل كلّ يوم مثل الاتصالات، ونظم الإرسال الإذاعية والتلفزيونية، ونظم تحديد المواقع والملاحة وتقنية الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء، التي لن تستطيع المؤسسات المالية العمل في حال عدم وجودها. وفي غياب تلك النظم، لن يستطيع الناس إتمام التحويلات المصرفية أو سحب الأموال من آلات الصرّاف الآلي، ولن نحصل على توقعات للأرصاد الجويّة أو على خدمات البثّ والإنترنت التي تعتمد على الأقمار الصناعية. ومن دونها، سيتوقّف عمل أجهزة الاستجابة الجويّة والبحرية، وسيتعطّل تطبيق إنستغرام على بعض الهواتف، ولن نلتقط إذاعات «سيريوس إكس إم». عبر الراديو، هذا فضلاً عن شلّ بعض المستشفيات التي تحتاج إلى الاندماج بالأقمار الصناعية لتعمل.
وفيما يتعلق بالقوانين، تجتمع الدول التي تملك أقماراً صناعية دقيقة بعيدة كالولايات المتحدة واليابان وجنوب أفريقيا وروسيا والاتحاد الأوروبي، فيما يسمّى ميثاق الكوارث. وبموجب هذا الميثاق، يتوجب على أي دولة تملك قمراً صناعياً يمرّ فوق المنطقة التي تتعرّض لكارثة (بركان، أو زلزال، أو غيرها) قبل أو خلال أو بعد الحدث، مشاركة بياناتها للتقليل من الأضرار، وإنقاذ الأرواح والممتلكات.
- اتفاقيات الفضاء
إن قانون الفضاء حقيقي، ولا يتعلّق بالممتلكات أو المخلوقات الفضائية. ويتألّف قانون الفضاء من مجموعة من الاتفاقيات والقواعد الإرشادية المحليّة والدولية التي تحكم مسائل كالاستكشاف الفضائي، والاستخدام العسكري والتسليحي، والمسؤولية عن الأضرار. كما أنّه يضمّ مجالات قانونية أخرى من الجنائي إلى التجاري وقانون التأمين والملكية والقانون البيئي.
تشارك الولايات المتحدة حالياً في أربع معاهدات مرتبطة بالفضاء وهي: معاهدة الفضاء الخارجي، وميثاق المسؤولية، وميثاق التسجيل، واتفاق العودة والإنقاذ.
معاهدة الفضاء الخارجي، أو كما يسميها البعض «ميثاق الفضاء الأعظم» هي اتفاق عمره 50 عاماً يرسم العناوين العريضة لكيفية الاستكشاف السلمي للفضاء.
ويقول تشارلز ستوتلر، المدير المساعد لبرنامج الطيران والفضاء في جامعة ميسيسيبي في حديث لوسائل الإعلام الأميركية: «تحمل معاهدة الفضاء الخارجي توقيع جميع الدول التي تعمل في استكشاف الفضاء». وتضمّ هذه المعاهدة 109 دول وتشهد انضمام المزيد بشكل دوري.
تشكّل هذه المعاهدة التي أقرّتها الأمم المتحدة أساساً لقانون الفضاء الدولي، وترتكز على مبدأ توجيهي يعتبر أنّ الاستكشاف الفضائي يجب أن يكون مبادرة سلمية وأنّ جميع الدول تملك حقّ الوصول الحرّ إلى الفضاء. يغطّي هذا الاتفاق مسائل متعدّدة ككيفية تحميل الدول مسؤولية نشاطاتها الفضائية وقواعد تفادي تلويث النظام الشمسي. كما أنّه يتولّى تنظيم الاستخدام العادل للفضاء ويمنع أي دولة من «الاستيلاء على الفضاء الخارجي وما يضمّه من أجسام سماوية».
ولكن مع توسّع المجال التجاري في الفضاء، تحوّل تفسير هذا القانون إلى مسألة خلافية، إذ اعتبر ستوتلر أنّ تفسيراته تختلف بين الدول، حيث إن بعضها يعي أنّه لا يستطيع امتلاك أرض خاصة في الفضاء، بينما يعمد البعض الآخر إلى تغييبه لامتلاك ما يريده من الموارد المستخرجة.
- مشاكل الفضاء
-عسكرة الفضاء. بعد ثلاثة عقود من العمل في قانون الفضاء، حذّر رام جاخو، المدير السابق لمعهد قانون الطيران والفضاء، من مسائل كثيرة أخرى تزداد خطورة كعسكرة الفضاء، واستغلال الموارد الطبيعية، والمخلّفات الفضائية. وقال جاخو إنّ «أكبر التغييرات التي حصلت هي تطوّر التكنولوجيا والأعمال التجارية وعسكرة الفضاء. لقد تنامت هذه المشاكل بشكل ملحوظ ولكنّ القانون لم يجار هذا النمو».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن حديثا عن تأسيس القيادة الفضائية التابعة للجيش الأميركي. من جهته، اعتبر جاخو أنّ روسيا والصين، كما الولايات المتحدة، تؤسسان لقوتهما الفضائية الخاصّة، وأنّ «تكريس القوى يعني التحضير للحرب».
-المخلّفات الفضائية. ومن بين المسائل الخطيرة الأخرى التي يحذّر منها الخبراء اليوم، برزت مشكلة المخلّفات الفضائية.
تسبب هذه القطع التي خلّفتها الصناعات البشرية في الفضاء حوادث ارتطام داخل المدار الأرضي. وتختلف أحجام هذه المخلفات وتتراوح بين كبيرة بحجم دراجة نارية وصغيرة بحجم الأدوات التي يستخدمها روّاد الفضاء. تتحرّك هذه المخلّفات بسرعة مخيفة وتهدّد الأشخاص والمحطات الفضائية والأقمار الصناعية المؤثّرة في التجارة العالمية والبعثات التجارية والعسكرية.
هذه المخلّفات، التي ستتضاعف مع ازدياد الاستكشافات والاستخدامات في الفضاء، ستؤدّي إلى حوادث متعمّدة وأخرى غير متعمّدة. فكلّ حدث ارتطام أو انفصال أو تجزئة سينتج مخلّفات إضافية. وعلى سبيل المثال، أطلقت الصين عام 2007 صاروخاً لتدمير أحد أقمارها الصناعية القديمة، مما أنتج آلاف المخلّفات الجديدة.
ويقول ماثيو شايفر، المدير المساعد لبرنامج الفضاء، والاتصالات، والسايبر، في كلية الحقوق في جامعة نبراسكا: «في حال تسببت هذه المخلّفات بأضرار أو خسارة في الأرواح على سطح الأرض، فإن الدولة التي أطلقتها تتحمّل مسؤوليتها». ولكنّه أشار إلى أنّ وقوع الضرر في الفضاء يزيد من ضبابية الموقف.
بلغ عدد الأقمار الصناعية الموجودة في مدار الأرض منذ مارس (آذار) من العام الجاري 2062 قمراً، تعود ملكية 40 في المائة منها للولايات المتحدة الأميركية. ويعرض الاعتماد الكبير لهذه الدولة على رصيدها الفضائي، إلى خطر أكبر على صعيد المخلّفات الفضائية، سواء عن قصد أو غير قصد.
- سياحة وتنقيبات كونية
يرى شايفر أنّ التقنيات الحديثة، وانخفاض تكلفة الوصول إلى الفضاء، والنماذج التجارية الجديدة، تمهّد لازدهار تجاري محتمل، وأنّ تطوّر النشاطات الفضائية التقليدية سيؤدي إلى بروز مسائل قانونية معقّدة ومستجدة.
صحيح أنّ معاهدة الفضاء الخارجي تنصّ على أنّ أي دولة لا يحقّ لها امتلاك أراض في أي مكان في الفضاء، ولكنّ أحداً لا يحرّك ساكناً لتطبيقها في مواجهة الأفراد والشركات.
وقد بدأت الشركات فعلاً في بناء نماذج لفنادق فضائية، وقريباً، سنرى شركات تجارية خاصة تهبط على القمر لأهداف تنقيبية. علاوة على ذلك، يولّد السفر والسياحة إلى القمر حاجة ملحّة للتشريعات التي تضمن التزام الشركات الخاصة بالحدّ الأدنى من المعاهدة، بحسب شايفر، الذي أضاف أنّ قضيّة المسؤولية ستظهر إلى الواجهة مع انطلاق الرحلات دون المدارية في السنة أو السنة والنصف المقبلة. في الوقت الحالي، تخطّط الصين لإطلاق أوّل قمر صناعي يعمل بالطاقة الشمسية في مدار الأرض، بينما تتلقّى هيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية طلبات لآلاف الأقمار الصناعية الجديدة التي ستستخدم لتوفير خدمات الإنترنت من الفضاء.
من جهة أخرى، يشدّد البعض كميشيل هانلون، المديرة المساعدة لبرنامج قانون الفضاء في كليّة الحقوق في جامعة ميسيسيبي، بأهمية حقوق الإنسان والحاجة إليها في الفضاء. وقد اعتبرت هانلون أنّ عدد السكان الموجودين في الفضاء سيشهد نموّاً مطرداً.
وأضافت «لا يوجد ميثاق لحقوق الإنسان يضمن حقّ البشر بالحصول على الأكسجين أو بفتح خطّ اتصالات من الفضاء إلى الأرض. لا بدّ من تطوير الأوضاع لحماية البشر في الفضاء».
عصر السياحة الفضائية والتنقيب في الأجرام السماوية... هل يحتاج إلى قوانين جديدة؟
مهمات دولية لحكومات العالم وكبريات الشركات تهدد بخرق الاتفاقيات القديمة
عصر السياحة الفضائية والتنقيب في الأجرام السماوية... هل يحتاج إلى قوانين جديدة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة