«الفيغان» أكثر ظواهر الطعام نمواً في العالم

الأكل النباتي الصرف يكتسح الأسواق

«الفيغان» أكثر ظواهر الطعام نمواً في العالم
TT

«الفيغان» أكثر ظواهر الطعام نمواً في العالم

«الفيغان» أكثر ظواهر الطعام نمواً في العالم

طغت كلمة فيغانيزم Veganism أو طعام الـ«فيغان» وهي واحدة من أهم الكلمات التي تسمعها في عالم الطعام والطبخ في الدول الغربية هذه الأيام. تعبر الكلمة عن الموجة النباتية الجديدة التي تجتاح عالم الطعام بشكل لم يسبق له مثيل. وقد أشارت صحيفة «الغارديان» إلى أن طعام الـ«تيك أواي» (الأكل خارج المطعم) الـ«فيغان» أو ما أطلقت عليه الموسوعة الحرة اسم «الخضرية» أو «النباتية الصرفة»، أصبح أكثر القطاعات والخيارات المطبخية نمواً في بريطانيا، إذ تضاعف الطلب خمس مرات مما كان عليه قبل سنتين.
وقد زاد الطلب على الأطعمة «الخضرية» الجاهزة (التيك أواي) بنسبة 388 في المائة بين عامي 2016 و2018 وارتفعت نسبة الطلب على الأطعمة النباتية بنسبة 137 في المائة في نفس الفترة. وبكلام آخر الأطعمة الخضرية مثل البرغر المحضرة من الفاصوليا السوداء أو البطاطا الحلوة أو الدجاج المقلي «الخضري» أصبحت أهم من الهامبرغر العادي والدونر كباب والتيكا ماسيلا، الأطعمة التي تعتبر تقليديا من أكثر الأطعمة شعبية في عالم الـ«تيك أواي» في بريطانيا. ويعود ذلك إلى ارتفاع عدد الناس الذي يتبعون الفلسفة «الفيغانية» ليصل إلى 600 ألف شخص وأيضا إلى الارتفاع الكبير في عدد الناس الذين يريدون تخفيض واستهلاك المواد التي تعتمد على الحيوان.
والأهم من هذا أن معظم سلاسل السوبرماركت وحتى شركات الطيران (توماس كوك تقدم البرياني والطاجن النباتي) أصبحت تقدم هذا الخيار إلى زبائنها. وقد ارتفعت أيضا عدد المطاعم المختصة بالظاهرة الجديدة بنسب عالية جدا في السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع شعبيتها في أوساط الشباب والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ وصل عدد المطاعم المختصة بها حول العالم إلى 15000 مطعم تقريبا، 4500 منها في بريطانيا وحدها.
أضف إلى ذلك كله ارتفاع عدد المنتجات أكانت مطبخية أم غيرها والتي تتبع هذه الفلسفة إلى عشرات الآلاف. وقد وصلت قيمة المبيعات «الفيغانية» حول العالم إلى 20 مليار دولار تقريبا هذا العام ولهذا يتوقع أن يكون العام الحالي العام الذي يصبح فيه قطاع «الفيغان» المطبخي جزءا لا يتجزأ من تيارات الأكل المهمة حول العالم.
تشير المعلومات المتوفرة إلى أن 21.9 في المائة من سكان العالم يتبعون الفلسفة «الفيغانية»، منهم 38 في المائة من سكان الهند و12 في المائة من سكان تايوان و10 في المائة من سكان إيطاليا ونسبة مماثلة من سكان ألمانيا.
ما هي «الفيغانية»
يعرف المجتمع «الفيغني» «الفيغانية» على الشكل التالي «أنها فلسفة وطريقة عيش تسعى وبأقصى حد ممكن وعملي إلى استبعاد جميع أشكال استغلال الحيوانات والقسوة التي تعامل بها من أجل الغذاء وإنتاج الملابس أو أي غرض آخر. وبالتالي تعزز تطوير واستخدام البدائل الخالية من الحيوانات لصالح الحيوانات والبشر والبيئة. ومن الناحية الغذائية تشير إلى ممارسة الاستغناء عن المنتجات المشتقة كليا أو جزئيا من الحيوان». وبكلام آخر رفض أي نوع من أنواع استخدام واستغلال الإنسان للحيوان مهما كان هذا النوع حتى ولو كان للعمل أو التشريح.
ولهذا يمكن القول: «الفيغانيون» أو «النباتيون الصرف أو الخضريون» أصحاب فلسفة مهمة جدا تعبر عنهم وطريقة عيش تمنحهم هوية جديدة. ولا بد من التأكيد هنا أنها لا تتوقف على الطعام بل تتعداها إلى مبادئ أخلاقية وبيئة وطبية وصحية أساسية.
تاريخ «الفيغانية»
يعود تاريخ الفلسفة «الفيغانية» أو «النباتية الصرفة» إلى حضارة وادي السند التي نشأت قبل 4500 سنة من الآن في منطقة باكستان وشمال وغرب الهند، وتعتبر واحدة من أولى الحضارات العالمية العظيمة، ولاحقا اليابان واليونان. وكان من أوائل النباتيين في العالم الفيلسوف البوذي ماهافيرا واكاريا كنداكندا، والشاعر التاميلي وفالوفر، والإمبراطوريان الهنديان مويا وأشوكا، ومن الإغريق عرف الفيلسوف أمبادوقليس الذي سبق سقراط والعالم الذي حاول تصنيف النباتات وإكمال عمل أرسطو العالم ثاوفرسطس الفيلسوف أفلوطين الذي أثر في الكثير من الأديان وابن مدينة صور الفيلسوف فرفوريوس الصوري بالإضافة إلى الفيلسوف وعالم الرياضيات المعروف فيثاغورس. ومن العرب ابن معرة النعمان أهم الشعراء العرب الكلاسيكيين أبو العلاء المعري.
بشكل عام، تعود جذور الظاهرة إلى الفلسفات الهندية والإغريقية القديمة، وحديثا وجدت ضالتها في حركة حديثة مهمة في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة وإنجلترا وقد روج لها الشاعر الغنائي الإنجليزي المعروف بيرسي شيلي. وفي العام 1841 أسس أعضاء حركة الكوت الروحية أول جمعية بريطانية تمتنع عن أكل الأطعمة التي تستخدم المواد الحيوانية وبعدها ساهم في تأسيس أول جمعية نباتية في البلاد في العام 1847.
إلا أن تعبير فيغان vegan تمت صياغته لأول مرة من قبل مجموعة صغيرة من النباتيين الذين انفصلوا عن جمعية ليستر النباتية في إنجلترا لتشكيل الجمعية «الفيغانية» أو «النباتية الصرفة» عام 1944. وقد تم تأليف التعبير من خلال الجمع بين الأحرف الثلاثة الأولى والحرفين الأخيرين من كلمة نباتي - vegetarian.

ماذا يأكل «الفيغانيون»؟
> لأن أتباع «النباتية الصرفة» يحجمون عن تناول أي منتجات من الحيوانات وجميع أنواع اللحوم ومن بينها الدجاج والسمك والمحار والبيض والألبان والأجبان والعسل، فهم يركزون على جميع أنواع الخضار والفاكهة والمكسرات والحبوب والبذور والفاصوليا وعلى رأسها البقوليات. ومن هذه المواد يمكن تحضير ما لا يعد ولا يحصى من الأطباق المعروفة وكبدائل لأطباق الكاري والبيتزا والهامبرغر والنقانق وغيرها من الأطباق التي يرغبها الناس بشكل عام.
وتعتمد هذه البدائل في عمليات التحضير على ما يعرف بالتامبيه (فاصوليا الصويا المطبوخة والمخمرة) والتافو (يصنع من حليب الصويا المكثف وغير مخمر) إضافة إلى السيتان المصنوع من القمح الذي يشبه شرائح اللحم ويستخدم كبديل له والمكسرات والبذور والعدس والفاصوليا.
كما يستبدل الحليب العادي من خلال حليب النباتات كحليب الصويا واللوز وجوز الهند والفستق والشعير وغيرها.



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.