قد يتصور البعض أن تناول وجبة من الطعام لا يحتاج إلا اختيار أحد المطاعم المميزة أو الفخمة، غير عابئين بالأجواء المحيطة بهم وهم يجلسون إلى وجبتهم المفضلة، سواء كانت هادئة أو مشحونة بالضجيج، لكن كثيراً من الدراسات العلمية بددت هذه النظرة، وذهبت إلى أن هناك ما يعيق حاسة التذوق، ويقلل من متعة الشعور بمذاق الطعام والشراب، ورأت أن للموسيقى الناعمة دوراً في خلق لحظات من المرح والسعادة تدفع الزبائن لتذوق مزيد من الأطباق، غير عابئين بما قد يدفعونه من نقود.
والاهتمام العلمي بدراسة تأثير الموسيقى على سلوك عملاء المطاعم بدأ منذ قرابة عقدين، باعتبارها واحدة من أدوات التسويق، وخلق مناخ عام محبب لنفوس الزبائن. وقد لاحظ الباحثون أن للموسيقى تأثيراً واضحاً على مرتادي المطاعم، من حيث وتيرة تناول الطعام، ومدى استساغتهم له، بل واختيارات الأطباق المناسبة.
الدراسات المتاحة حول هذا السلوك البشري كثيرة، بدأها باحثون من جامعة ساوث فلوريدا، بنشر دراسة في «دورية أكاديمية علم التسويق» العام الماضي، أثبتوا فيها وجود تأثير مباشر لمستوى صوت الموسيقى على معدلات ضربات القلب، وكمية الطعام التي يتناولها الإنسان.
وأشار الباحثون إلى أن الموسيقى المرتفعة تزيد معدلات نبضات القلب لدى العملاء، وترفع مستوى التحفيز لديهم، وتدفعهم لاختيار أنماط غير صحية من الطعام، مثل البرغر والبطاطا المقلية. وفي المقابل، وجد الباحثون أن عملاء المطاعم يميلون نحو اختيارات صحية من الطعام عند توفر خلفية موسيقية هادئة الصوت.
ورأى ويل بريدجز، مالك مطعم «لامبرتس داون تاون باربكيو»، في أوستن بتكساس، أنه من خلال عمله شاهد بصورة مباشرة التفاعل بين الموسيقى وتجربة تناول الطعام، وقال: «لا يمكنك الفصل بين هذين العنصرين، وأعترف بأن مطعم (لامبرتس) لم يكن ليصل للنجاح الذي بلغه اليوم دون عنصر الموسيقى».
وتبدو آراء لامبرتس المستوحاة من واقع تجربته العملية متوافقة تماماً مع دراسات علمية ذهبت إلى أن تناول الطعام مع سماع موسيقى هادئة يزيد من استمتاع المرء بالطعام ومذاقه، بينما وجود ضوضاء مرتفعة للغاية في الخلفية يعيق حاسة التذوق، ويقلل متعة الشعور بمذاق الطعام والشراب. بجانب ذلك، فإن الاستماع للموسيقى يجعل الوقت الذي يقضيه المرء داخل المطعم في انتظار الطعام أخف وطأة وأكثر لطفاً.
وكانت دراسة منشورة في «دورية علوم وتكنولوجيا الطهي» قد أشارت إلى أن رواد المطاعم يستسيغون الطعام بأفضل صورة عندما يستمعون إلى موسيقى كلاسيكية تأتي من الخلفية بصوت خافت. وأوضحت الدراسة ذاتها أن غياب الموسيقى قلص بدرجة كبيرة من متعة تجربة تناول الطعام، مع شكوى الرواد من وجود مستوى غير مقبول من الضجيج، مثل أصوات رنين أدوات المائدة ومضغ الطعام وضوضاء تسهم الموسيقى في إخفائها بسهولة.
وبطبيعة الحال، زيادة رضا العملاء يترجم على أرض الواقع في صورة ارتفاع العائدات لأصحاب المطاعم، وهذا ما خلصت إليه دراسة اسكوتلندية نشرها اتحاد أبحاث المستهلكين، وذكرت أن إنفاق رواد المطاعم ارتفع بنسبة 23 في المائة عندما جرى في الخلفية تشغيل موسيقى هادئة الإيقاع. وتركز الجزء الأكبر من زيادة الإنفاقات على جانب المشروبات التي ارتفعت بنسبة 51 في المائة.
ونظراً لتكشف أهمية عنصر الموسيقى داخل المطاعم يوماً بعد آخر، ظهر خبراء معنيون باقتراح نوعيات موسيقى محددة تتواءم مع الجو العام لكل مطعم، ونوعية ما يقدمه من أطباق. وتضم شبكة «الإنترنت» مواقع مخصصة في تقديم اقتراحات بقائمة المواد الموسيقية الموائمة لكل مطعم على حدة. وبصورة عامة، يعتقد أن المطاعم شديدة الفخامة يليق بها أكثر الاستعانة بخلفية موسيقية كلاسيكية هادئة الإيقاع خافتة الصوت، بينما تتناسب الموسيقى سريعة الإيقاع عالية الصوت نسبياً بصورة أكبر مع مطاعم الوجبات السريعة والخفيفة.
هل تزيد الموسيقى الهادئة أثناء الطعام من إنفاق الزبائن؟
دراسة علمية على ذواقة المطاعم
هل تزيد الموسيقى الهادئة أثناء الطعام من إنفاق الزبائن؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة