> لطالما شكلت الاجتماعات الرفيعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المنتدى السياسي العالمي الأكبر، من أوج الحرب الباردة إلى نزاعات اليوم. يتوافد إلى نيويورك في كل عام ممثلو الدول الـ193 للتبشير بجداول أعمالهم ولنسج شبكات علاقاتهم، وحتى لنشر شائعاتهم. وسط هذا الحشد الضخم، تتزايد القيود الأمنية بصورة ثقيلة، وتتحول أروقة المبنى الجميل إلى متاهات تصعب الوصول إلى قاعات الاجتماعات الكبرى والغرف الصغرى لمناقشة مشاغل عالم اليوم، من صواريخ كوريا الشمالية إلى التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وتدخلات الأخيرة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وتهديدها، وملف كشمير بين الهند وباكستان، واحتجاجات هونغ كونغ، وانهيار محادثات السلام بأفغانستان.
على هذا المنبر وفي هذا المكان، حصلت في السابق أحداث جسام طبعت في صور لا تنسى. خلع الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف حذاءه وضرب به على الطاولة. وقف الزعيم الكوبي فيديل كاسترو بسيجاره الهافاني متحدياً. رفع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات غصن الزيتون داعياً إلى السلام. مزق العقيد معمر القذافي ميثاق الأمم المتحدة.
ما الذي يحمله هذا العام؟
يلاحظ المراقبون غياب زعماء كبار أو مؤثرين مثل الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والعاهل المغربي الملك محمد السادس ورئيسي الوزراء الكندي جاستن ترودو والإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو في قلب الأزمات والحروب مثل الرئيسين الكوبي دياز كانيل والسوري بشار الأسد والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ولكن يتحدث الجميع تقريباً عن المناخ - باستثناء الولايات المتحدة. يترقب كثيرون عواقب «بريكست» وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وروسيا تتعطل. وتواصل الصين صعودها الاستراتيجي.
وفي جانب آخر يراه كثيرون ولكن لا يحظى بكثير من الأضواء، إذ تشكل اجتماعات الجمعية العامة عذراً لزوجات الزعماء أو أزواجهم أو أبنائهم وبناتهم للاستمتاع ببعض التسوق في الجادة الخامسة.
وعلى هذا الهامش العالمي، يتساءل ممثلو الدول عن كيفية عمل مجلس الأمن ولماذا تحظى 5 دول (بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة) بحق استخدام حق النقض (الفيتو)، وبأي عدالة تمنح الجمعية العامة دولة صغيرة مثل توفالو تصويتاً متساوياً مع دولة كبرى كالهند.
وعلى رغم المآخذ، أحدثت الأمم المتحدة اختراقاً مهماً خلال السنوات الـ20 الماضية بعد جولتين من المفاوضات: الأهداف الإنمائية العالمية، إذ بدأت المنظمات غير الحكومية (بما في ذلك كثير من الشركات الكبرى والمصارف) في تقديم مجموعة كبيرة من الشراكات، بدءاً من تمويل جهود لإنقاذ مليون طفل من السرطان وصولاً إلى توفير المراحيض للفقراء.
وفيما يتوقع أن يكون المناخ من أبرز القضايا المعلنة على المنصة الرسمية وخارجها، لكن حديث الأروقة سيكون حول إيران وأمن إمدادات الطاقة والحروب التجارية. وسرت قبل أسابيع تكهنات وتساؤلات حيال ما إذا كان ترمب وروحاني. ويرتقب أن يمضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع دافعاً لتبني نوع جديد من التعددية، مقترحاً أن تكون بلاده وسيطاً عالمياً جديداً، فيما يسعى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى إبقاء المملكة المتحدة في قلب الحدث الدولي مع سعيه المحموم إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أيام حكمها الذي يؤول إلى الأفول، ويغيب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بعدما حاول أخصامه إغراقه في فضيحة.
مع سيطرة «الرجال الأقوياء» على اليوم الأول من الخطابات، يخشى محللون من أن يكون ذلك مؤشراً إلى نهاية العصر الذهبي للديمقراطية.
هنا ضرب خروتشوف بحذائه وهنا مزق القذافي الميثاق
هنا ضرب خروتشوف بحذائه وهنا مزق القذافي الميثاق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة