لاجئون سوريون يدعون فرنسيين إلى مأدبة عشاء... أملاً بفرصة عمل

TT

لاجئون سوريون يدعون فرنسيين إلى مأدبة عشاء... أملاً بفرصة عمل

لم تعد مأساة السوريين مرتبطة فقط بمن هم داخل سوريا أو البلدان المجاورة، إذ هي تمتد إلى جميع أصقاع العالم، بينها فرنسا، التي أطلق مسؤولوها تصريحات بعدم رغبتهم في استقبال الكثير من اللاجئين. ثم استقبلت فرنسا نحو 18 ألف لاجئ سوري، حسب آخر الإحصائيات، ويزداد عددهم تدريجياً بقدوم آخرين إلى المدن الفرنسية.
وإذ يقضي معظم اللاجئين الجدد أوقاتهم في الحصول على أوراقهم الثبوتية وبطاقات الإقامة وغيرها، يرى كثيرون منهم أن اللاجئ السوري في فرنسا أصبح «مهملاً، بعيداً عن الجمعيات أو المؤسسات التي يمكن أن تهتم بوجوده وإيجاد عمل له، أو حتى تدريبه على مهارات تساعده في بحثه عن نشاط أو مشروع يستطيع أن يبدأه في البلد الجديد».
وتعتمد غالبية الجمعيات والمؤسسات الموجودة في المناطق الفرنسية المختلفة على المشاريع الزراعية والصناعية هناك، لكن المشكلة أن كثيراً من الشركات المتخصصة في الهندسة المعلوماتية، وحتى بعض المصانع بدأت بتسريح عمالها الفرنسيين، بحثاً عن تخفيض إنفاقها.
السيد عصام، المقيم في ضواحي مدينة باريس، يشير لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «يعمل حالياً في مكتب لدفن الموتى، فهو عمل لا يحتاج إلى الكثير من اللغة، كما أنه ليس بحاجة إلى العمل طوال اليوم بساعات طويلة، بل يتعلق بعدد الوفيات الشهري. وهو ليس بالعمل المتعب كثيراً، ويختلف عن أعمال الزراعة والصناعة التي على المرء أن يقف طوال النهار لتنفيذها في الحر والبرد».
أما السيدة ميساء المقيمة في ذات الضاحية، فتوضح أنها «تعتقد أن بعض اللاجئين أتوا إلى فرنسا دون أن يكونوا بحاجة اللجوء، أو دون أن يكونوا مطلوبين من النظام السوري، بل إن بعضهم سبق أن قضوا محكوميات جنائية سابقاً في سوريا. لذلك فعمظمهم نسوا الثورة، وبدأوا الاهتمام بالبحث عن عمل، أو عن مال يجمعونه سواء من المساعدات التي تقدَّم لعائلتهم وأولادهم، أو حتى عن مشاريع صغيرة تفتح لهم أبواب رزق مستقبلية».
من جهتها، ترى السيدة لونا أن «معظم من جاءوا كلاجئين إلى فرنسا لا يعملون في أي مجال وينتظرون الفرج، لأن أغلبهم مسؤولون إمّا عن أهلهم المسنين وإما عن أطفالهم، الذين يعاني بعضهم من أمراض مستعصية. بالإضافة إلى كون شروط العمل هنا صعبة جداً، ويفضل صاحب العمل الفرنسي أن يوظف شاباً صغيراً على توظيف اللاجئ السوري ذي الخبرة».
جولي المستشارة في مؤسسة «بول أمبلوا» المسؤولة عن إيجاد عمل، تؤكد أن «نسبة البطالة في فرنسا أصبحت مرتفعة، ومعظم اللاجئين الذي أتوا إلى فرنسا قطعوا أشواطاً صعبة كثيرة، لذا فإن إيجادهم عملاً مناسباً يتعلق برغبتهم في البحث عن فرصة تتناسب مع شهاداتهم وخبراتهم السابقة... أما أن يعمل أي شخص في فرنسا عملاً لا يتناسب مع مهاراته فهذا أمر غير ممكن... وهناك مثل في فرنسا يقول إنه لا يجوز للعربة أن تسبق الحصان، أو أن نحرق المراحل بسرعة وإلا سوف يقع اللاجئ بالفشل».
في المقابل، تجد المساعدة الاجتماعية ذات الأصول المغربية عزيزة، أن «الحياة في فرنسا صعبة بالنسبة إلى الفرنسيين أنفسهم فكيف بالنسبة إلى اللاجئ السوري الذي يحتاج إلى وقت طويل لفهم الثقافة الفرنسية بما فيها العادات، ومتطلبات العمل المختلفة، من لغة وتأهيل أو شهادة تتناسب مع الوظيفة التي يتقدم لها اللاجئ. ولا ننسى أن اللاجئ قد يحتاج إلى عامين كي يتقن اللغة الفرنسية بشكل يجعله قادراً على التكيف والبحث عن عمل وحده دون الاعتماد على المؤسسات والجمعيات التي أُسست لهذه المهمة... فليس من الضروري أن يعرف اللاجئ أن يشرح -على سبيل المثال- مرضه لطبيب فقط، وإنما عليه أن يكتب أوراقه وسيرته الذاتية ورسالة التحفيز، وغيرها من الأمور التي ترسل إلى صاحب العمل».
المحامي سامر المقيم في مدينة ليموج يجد أن «العمل في فرنسا أو حتى إيجاد مشروع صغير يحتاج إلى دراسة مستفيضة ومعرفة السوق الفرنسية التي بدأت تعاني أصلاً ركوداً اقتصادياً، مقارنةً مع باقي البلدان الأوروبية كألمانيا. وأصبح الفرنسيون أنفسهم يعانون ضائقة مالية تجعلهم يعيدون حساباتهم في ارتيادهم للمطاعم، أو في الإنفاق بشكل يهددهم بنقصان حساباتهم المصرفية بشكل كبير... لذا نلاحظ أن الكثيرين منهم يفضلون شراء المعلبات أو الأطعمة المطبوخة من السوبر ماركت على الذهاب بشكل شبه يومي إلى مطعم مهما كان رخيصاً، وهذا ما أصبح السوري يحسبه أيضاً، فإنفاقه على أي مشروع اجتماعي كزواج جديد يرهقه مادياً ويعيد حساباته به مئات المرات، فكيف بمشروع اقتصادي خاص قد يكلّفه خسائر كثيرة».
وبين هذا وذاك، يعتقد لاجئون سوريون أن مجرد دعوته لعائلة فرنسية قد يفتح له أبواب النجاح والعمل في فرنسا، في حين تستمر الحياة في فرنسا على كونها معقدة وتتطلب كثيراً من التأهيل والعلاقات كي يستطيع السوري إيجاد مكانه في بلد تعددت فيه الثقافات والأعراق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».