استخدمت روسيا والصين حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار أعدته الكويت وألمانيا وبلجيكا في مجلس الأمن للمطالبة بوقف النار فوراً بدءاً من السبت في شمال غربي سوريا، في وقت أخفقت فيه الدبلوماسية الروسية في حشد ما يكفي من التأييد لمشروع قرار عرضته في الساعات القليلة الماضية على بقية الأعضاء الـ14 في المجلس الذي يتولى عملية صون الأمن والسلم الدوليين.
وعقد مجلس الأمن جلسة علنية حول الوضع الإنساني في سوريا استمع خلالها إلى إحاطة من مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للشؤون الإنسانية نائبة منسق المعونة الطارئة أورسولا مولر. وعلى أثر كلمات لأعضاء المجلس، وضع المشروع الكويتي - الألماني - البلجيكي على التصويت، فحصل على تأييد 12 عضواً (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، والكويت، وجمهورية الدومينيكان، وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، وساحل العاج، والكويت والبيرو). وامتناع دولة واحدة عن التصويت (غينيا الاستوائية). لكنه لم يصدر لأن روسيا والصين استخدمتا الفيتو لإسقاطه. وعندئذ وضع المشروع الروسي - الصيني أمام التصويت، فنال صوتين فقط (الصين وروسيا). وامتنعت أربع دول عن التصويت. ولم تكن هناك حاجة إلى استخدام حق النقض من أي من بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة.
ويحتاج إقرار أي مشروع قرار في مجلس الأمن إلى موافقة تسعة على الأقل من الأعضاء الـ15 مع عدم استخدام حق النقض من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية، وهي روسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة. وفي مؤشر على استمرار الانقسامات العميقة بين أعضاء مجلس الأمن، ولا سيما بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من الجهة الأخرى، على طريقة موحدة لوضع حد للحرب السورية المتواصلة بلا هوادة منذ أكثر من ثماني سنوات، شهدت في جلسة الخميس المرة الثالثة عشرة التي تستخدم فيها روسيا الفيتو لتعطيل مشاريع قرارات مختلفة أعدها أعضاء مجلس الأمن الآخرون. وفي ظل تبادل الاتهامات بين أعضاء المجلس، تخوف مسؤولون أمميون من تفاقم الكارثة الإنسانية الخطيرة أصلاً في محافظة إدلب.
وأعدت ألمانيا وبلجيكا والكويت مشروع قرارها منذ أسابيع بهدف «تجنب المزيد من التدهور في الوضع الإنساني الكارثي أصلاً» في سوريا. ويدعو مشروع القرار هذا إلى وقف الأعمال العدائية في محافظة إدلب ظهر غدٍ (السبت) 21 سبتمبر (أيلول) بتوقيت دمشق. وقال دبلوماسيون كويتيون وألمان وبلجيكيون، إنهم عقدوا اجتماعات عدة مع نظرائهم الروس في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول النص، بيد أن روسيا طلبت استثناء الهجمات العسكرية ضد الجماعات المسلحة التي يدرجها مجلس الأمن على قائمته من قرار الهدنة. وهذا ما رفضته الولايات المتحدة ودول أخرى عبّرت عن خشيتها من أن يسمح هذا بتفسيرات متباينة لقرار وقف النار. وأصرت الدول الثلاث على أن يتضمن النص عبارات تطالب بوجوب الامتثال للقانون الإنساني الدولي في نشاطات مكافحة الإرهاب. لكن روسيا اعترضت عليها. ويطالب مشروع القرار المقدم من ألمانيا وبلجيكا والكويت «الدول الأعضاء بضمان الامتثال لكل التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك في محافظة إدلب، لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين». ويشدد أيضاً على أن «عمليات مكافحة الإرهاب لا تعفي أطراف النزاع المسلح من التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك التزامها بالتمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين». ويحض كل أطراف النزاع السوري على التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتطبيق «مبدأ التناسب»، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة «لتجنب أي ضرر يلحق بالمدنيين والمنشآت المدنية وفي أي حال من الأحوال».
وبعدما وضع المشروع الأوروبي - العربي للتصويت، سارعت روسيا والصين الأربعاء إلى وضع مشروع قرار مضاد وطلبتا التصويت عليه أيضاً في اليوم ذاته. ويدعو مشروع القرار الروسي إلى وقف الأعمال القتالية فوراً، لكنه لا يحدد موعداً لذلك، فضلاً عن أنه يؤكد أن وقف الأعمال العدائية «لا يشمل الأفراد والجماعات والمشاريع والكيانات المرتبطة بالجماعة الإرهابية، على النحو الذي حدده مجلس الأمن». ولا يشير مشروع القرار الروسي - الصيني إلى عمليات مكافحة الإرهاب، لكنه يدعو كل الأطراف إلى «تجريد» المستشفيات والمرافق المدنية الأخرى من السلاح وتجنب إنشاء مواقع عسكرية في المناطق المأهولة بالسكان.
وتنتشر في إدلب التي يقيم فيها حالياً نحو ثلاثة ملايين نسمة، مجموعات مسلحة مختلفة، ومنها «هيئة تحرير الشام» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» والمصنفة جماعة إرهابية في لوائح الأمم المتحدة. وتشن القوات السورية الحكومية، بدعم جوي روسي، هجوماً منذ خمسة أشهر على إدلب. وأفادت الأمم المتحدة بأن الأعمال القتالية التي يشهدها شمال غربي سوريا منذ أبريل (نيسان) تسببت في مقتل أكثر من 550 مدنياً ونزوح نحو 400 ألف.
- اللجنة الدستورية
من جهة أخرى، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية توصلت إلى «اتفاق» على تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد، في خطوة يعتبرها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن بمثابة «مفتاح الباب» لعملية سياسية مرجوة برعاية المنظمة الدولية في سوريا. وقال غوتيريش خلال مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إنه «يوجد الآن اتفاق بين كل الأطراف على تكوين اللجنة، وغير بيدرسن يضع اللمسات النهائية مع الأطراف فيما يتعلق بالاختصاصات». وأمل في أن «تكون هذه خطوة مهمة للغاية في تهيئة الظروف لحل سياسي لهذا النزاع المأسوي».
وستتألف اللجنة من 150 عضواً. ويتوقع أن يصل بيدرسن سيصل الأحد إلى دمشق، حيث سيلتقي الاثنين وزير الخارجية وليد المعلم.