إيطاليا وفرنسا تتفقان على إصلاح سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي

مع ضرورة توزيع المهاجرين على دول التكتل وإيجاد نظام آلي جديد

دعا الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) ورئيس الوزراء الإيطالي كونتي لإصلاح شامل لسياسة الهجرة الأوروبية «غير الفعالة» (إ.ب.أ)
دعا الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) ورئيس الوزراء الإيطالي كونتي لإصلاح شامل لسياسة الهجرة الأوروبية «غير الفعالة» (إ.ب.أ)
TT

إيطاليا وفرنسا تتفقان على إصلاح سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي

دعا الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) ورئيس الوزراء الإيطالي كونتي لإصلاح شامل لسياسة الهجرة الأوروبية «غير الفعالة» (إ.ب.أ)
دعا الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) ورئيس الوزراء الإيطالي كونتي لإصلاح شامل لسياسة الهجرة الأوروبية «غير الفعالة» (إ.ب.أ)

أبدت الحليفتان التاريخيتان فرنسا وإيطاليا موقفاً موحداً للمرة الأولى بعد عامين من الخلافات حول سياسة الهجرة في أوروبا. ويعود سبب التوتر بين البلدين إلى التحالف السابق بين «حزب الرابطة» اليميني و«حركة خمسة نجوم» الشعبوية، وموقفهما المعادي للمهاجرين وسياسة الهجرة الأوروبية «غير العادلة» التي تعاني منها بعض دول أوروبا الجنوبية المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط. وطالبتا بأن يضع الاتحاد الأوروبي نظاماً آلياً جديداً لاستقبال المهاجرين بعد إنقاذهم في البحر المتوسط، بينما تسعيان لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين.
وتشتكي إيطاليا منذ وقت طويل من أنها تُركت لتتعامل بمفردها مع مئات الآلاف من المهاجرين الذين عبروا البحر في السنوات القليلة الماضية سعياً لحياة أفضل في أوروبا. وأثارت القضية توترات بين روما وباريس؛ إذ تشكو إيطاليا من أن منظمات فرنسية غير حكومية تلعب دوراً فعالاً في إنقاذ المهاجرين لكن فرنسا لا تبذل ما يكفي من جهد لاستقبالهم. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي لإصلاح شامل لسياسة الهجرة الأوروبية «غير الفعالة»، وذلك خلال لقاء لطيّ صفحة سياسة الحكومة الإيطالية الشعبوية السابقة المناهضة للهجرة.
وقال ماكرون عقب محادثاته مع كونتي في روما إن «الاتحاد الأوروبي لم يظهر تضامناً كافياً مع الدول التي تتعامل مع وافدين أوائل، خصوصاً إيطاليا».
وقال ماكرون للصحافيين في روما أمس بينما كان يقف بجانب رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي: «لا أقلل من حجم ما مرت به إيطاليا منذ 2015. لقد عانت أيضاً مراراً من سوء الفهم والجور». وأضاف: «أنا مقتنع بأن هناك حاجة إلى آلية أوروبية تلقائية لاستقبال المهاجرين». وأضاف: «فرنسا مستعدة لتطوير هذا الأمر في إطار إصلاح (اتفاق دبلن)»، وتحت إشراف المفوضية الأوروبية، في إشارة إلى قوانين الاتحاد الأوروبي التي تنص على أن المسؤولية عن المهاجرين تقع على عاتق الدولة الأولى التي يطأ المهاجرون أرضها.
وتستقبل موانئ إيطاليا ومالطا في العادة أكثرية المهاجرين الآتين من أفريقيا عبر البحر المتوسط في رحلات محفوفة بالمخاطر، ويشكو هذان البلدان من تحملهما العبء الأكبر في هذه القضية. ودعا ماكرون إلى إبرام اتفاق تشارك فيه جميع دول الاتحاد الأوروبي؛ «أو يتم فرض عقوبات مالية» على المتخلفين، مكرراً بذلك مطلباً إيطالياً.
وكان وزير الداخلية السابق اليميني المتطرف ماتيو سالفيني قد أغلق الموانئ الإيطالية في وجه المهاجرين وسفن الإنقاذ الخيرية، في خطوة حظيت بشعبية كبيرة بين الإيطاليين، ولكنها تركت المهاجرين عالقين في البحر لأيام وأسابيع. أما التحالف الجديد بين «حركة خمسة نجوم» و«الحزب الديمقراطي» الموالي لأوروبا الذي تمكن قبل أسبوع من تشكيل حكومة، فقد ابتعد عن الخطاب الحاد لسالفيني الذي وصف ماكرون بأنه «متعجرف» و«منافق» فيما يتعلق بالهجرة. وقال كونتي للصحافيين، كما نقلت عنه «الصحافة الفرنسية»، وهو يقف إلى جانب ماكرون: «الهجرة ظاهرة معقدة. من الأهمية بمكان بالنسبة لأوروبا أن تقلب الصفحة باتجاه إدارة بنّاءة وليست فقط طارئة؛ للمهاجرين». وأضاف: «الهجرة يجب ألا تكون بعد الآن عنواناً للدعاية السياسية المناهضة لأوروبا». وقال كونتي إنه حصل على تأييد فرنسي لنظام يعيد توزيع المهاجرين على نحو يجعل بمقدور إيطاليا الاعتماد على الاتحاد الأوروبي بشكل كلّي في قبول حصة من الوافدين الجدد تلقائياً بمجرد إنقاذهم.
وتقدمت الحكومة الإيطالية الجديدة بمشروع اتفاق جديد يضع حداً للمفاوضات على أساس كل حالة على حدة، بشأن من سيتولى مسؤولية من يتم إنقاذهم في البحر المتوسط.
وأعطت فرنسا وألمانيا الضوء الأخضر للنظام الجديد، والذي قد يضم أيضاً لوكسمبورغ ومالطا والبرتغال ورومانيا وإسبانيا. وذكر ماكرون، الذي كان يتحدث من خلال مترجم، أن دول الاتحاد الأوروبي التي رفضت المشاركة في الخطة تجب «معاقبتها بشدة». وأضاف ماكرون: «أدت الخلافات السياسية إلى مقاربة غير فعالة للغاية» في قضية الهجرة. وأضاف: «كثير من النساء والرجال الذين خاطروا بكل شيء لمغادرة بلادهم وجدوا أنفسهم يجولون عند حدود أوروبا دون أن يتحمل أحد مسؤوليتهم». وقال ماكرون الذي سعى إلى التمييز بين الهاربين من الحروب و«المهاجرين الاقتصاديين»: «نحن جميعنا غير فاعلين مع هؤلاء الذين يملكون حقاً حقيقياً في اللجوء، والذين ليس لديهم هذا الحق وتجب إعادتهم بأسرع ما يمكن». واتبع ماكرون الاثنين الماضي خطاً أكثر تشدداً بشأن الهجرة في فرنسا، بحجة أن الحكومة يجب أن تنهي نهجها «المتراخي» لمنع الناخبين من الانجراف إلى أقصى اليمين.
وستتم دراسة آلية الهجرة الجديدة المقترحة من إيطاليا بمزيد من التفصيل في اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين الاثنين في مالطا قبل القمة الأوروبية خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في لوكسمبورغ. ولم يقدم ماكرون وكونتي تفاصيل أخرى، وقالا إن وزراء داخلية الاتحاد سيناقشون الأمر قريباً.
وإلى جانب الهجرة، أبدى الزعيمان موقفاً موحداً إزاء الملف الليبي، وهو محور خلاف آخر بين بلديهما منذ وقت طويل. وقال كونتي، كما نقلت عنه «رويترز» إنهما اتفقا على «مبادرة مشتركة» ويريدان أن تجتمع كل الأطراف المتحاربة في مسعى آخر لإحلال السلام بليبيا. وسبق أن اتهمت إيطاليا فرنسا بتقويض جهودها الرامية لإنهاء الحرب في ليبيا، لكن ماكرون أكد أن البلدين يتعاونان عن كثب. وقال: «هناك تقارب حقيقي بين فرنسا وإيطاليا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟