قلق لبناني من إمكانية تورّط «حزب الله» في حرب إقليمية

TT

قلق لبناني من إمكانية تورّط «حزب الله» في حرب إقليمية

يترقّب اللبنانيون بقلق تطوّرات الأحداث في المنطقة، بعد الهجوم الذي استهدف المنشآت النفطية لشركة «أرامكو» بطائرات مسيّرة وصواريخ كروز، وتحميل إيران مسؤولية هذا الهجوم، والتلويح بالردّ عليها، وما يمكن أن ينتج عنه من تداعيات، وهو ما استحضر خطاب أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، عندما وضع نفسه بتصرّف المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، وأكد أن «أي ضربة عسكرية تتعرّض لها إيران، ستؤدي إلى إشعال المنطقة برمتها، وإلى إبادة دول وشعوب».
وإزاء هذه المعطيات الخطيرة محلياً وإقليمياً، لا تزال الدولة اللبنانية بكل قياداتها، ملتزمة الصمت تجاه إمكانية توريط لبنان في حرب إقليمية، وغياب أي موقف لرئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي (التيار الوطني الحرّ) الحليف الأساسي لـ«حزب الله». ولا يستغرب منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، صمت رئيس الجمهورية حيال المخاطر المحدقة بلبنان جرّاء مواقف نصرالله، وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المقايضة التي حصلت بين فريق مسيحي وازن، وبين (حزب الله) قائمة على ثنائية مارونية - شيعية، وتعتبر أن التحالف مع روسيا وإيران والنظام السوري، الذي يندرج ضمن (حلف الأقليات)، وهو أهم من مصالح لبنان وانتمائه العربي». وقال سعيد: «عندما يذهب الرئيس ميشال عون إلى موسكو، ويشكر الرئيس فلاديمير بوتين على حماية الأقليات في المنطقة، يعني أنه يعتبر المسيحيين مجرّد أقلية خائفة تحتاج إلى حماية، وقد وجد هذه الحماية مع (حزب الله) وإيران على حساب المصلحة العربية»، مبدياً أسفه «لغياب الأصوات المسيحية الكافية في لبنان، التي ترفض هذا النهج».
وأعاد الخطاب الأخير لنصرالله إلى ذاكرة اللبنانيين، خطاباً مماثلاً ألقاه في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وقال فيه: «لبنان جزء من الجمهورية الإسلامية، التي يرأسها الولي الفقيه». كما أحيا النقاش مجدداً حول كتاب نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم، الذي أعلن فيه صراحة، أن «سياسات حزب الله واستراتيجياته، يرسمها الولي الفقيه، ويترك لقيادة الحزب المحلية كيفية تنفيذها سياسياً واجتماعياً وعسكرياً».
وتعتبر القوى السياسية والشخصيات المناوئة لـ«حزب الله»، أن كلام نصرالله وضع الدولة بكل مؤسساتها الدستورية من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب والحكومة، تحت سلطة المرشد الأعلى ووصايته، ووضع مصير اللبنانيين بيد إيران و«الحرس الثوري». وحمّل نائب رئيس الحكومة الأسبق اللواء عصام أبو جمرا (المنشقّ عن التيار الوطني الحرّ)، القوى التي أبرمت التسوية مع عون، لا سيما رئيس الحكومة سعد الحريري، و(رئيس حزب القوات اللبنانية) الدكتور سمير جعجع «المسؤولية عن هيمنة حزب الله على القرار في لبنان». وأكد أبو جمرا لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه التسوية أوصلت لبنان إلى الكارثة، لأن البلد لا يتحمّل رئيساً للجمهورية متموضعاً في المحور الإيراني»، واعتبر أن «لبنان يحتاج إلى رئيس وسطي غير تابع للمحور الإيراني ولا للمحور الآخر». وسأل أبو جمرا: «هل هكذا يكون لبنان القوي الذي يتحدث عنه ميشال عون؟».
غير أن «التيار الوطني الحرّ» لا يرى أنه تخلّى عن التمسّك بسيادة لبنان وتحييده عن أزمات المنطقة، وهو منسجم مع ما قاله الرئيس ميشال عون غداة توقيع ورقة التفاهم مع «حزب الله» بأن «سلطة الولي الفقيه تبقى داخل إيران». ولم يخف عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون، أن «حزب الله» لديه بعدان، الأول داخلي والثاني خارجي من ضمن محور واسع في المنطقة. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يعنينا نحن كتيار سياسي، هو تفاهمنا مع الحزب في الموضوع الداخلي، سواء في ورقة التفاهم التي أقرت بيننا (في العام 2006)، أو ضمن شراكتنا معه في حكومات الوحدة الوطنية؛ حيث يعمل ضمن منظومة الدفاع عن لبنان، في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي يتعرّض له البلد»، معتبراً أن «كلام نصرالله عن رفض أي حرب على إيران، يأتي ضمن المواجهة القائمة بين طهران والمحور الآخر في المنطقة، سواء كانت حرباً باردة أو حرباً عسكرية». وقال النائب آلان عون: «نحن متوافقون معه فيما خصّ الدفاع عن لبنان وليس في مواجهات أخرى».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.