أسبوع لندن يركب موج القضايا السياسية والبيئية

دار «بيربري» تؤكد أنها لا تزال الحلقة الأقوى بضخامة عروضها وتنوع تصاميمها

من عرض «بيربري»
من عرض «بيربري»
TT

أسبوع لندن يركب موج القضايا السياسية والبيئية

من عرض «بيربري»
من عرض «بيربري»

عندما كان الحديث يتطرق إلى أسبوع الموضة بلندن في السابق، فإن الألوان الساطعة والتقليعات الغريبة، سواء داخل قاعات العروض أو خارجها، كانت المحور الذي تدور حوله كل المناقشات والتعليقات. لكن الموسم الحالي الذي انتهى يوم الثلاثاء الماضي، كان مختلفاً شكلاً ومضموناً. غابت التقليعات وحل محلها أزياء رومانسية تعبق بالأنوثة من دون أن تتخلى عن نكهتها الجريئة. أحد أسباب هذا الاختلاف أنه قد يكون آخر موسم تشهده لندن قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما أنه الموسم الذي يشهد فيه العالم زيادة الوعي بالقضايا البيئية والإنسانية، وهو ما كان واضحاً في لندن من خلال عدة مظاهرات تبنتها جمعيات رفعت شعارات وأشعارا تندد بتأثير الموضة، السريعة تحديداً، على البيئة. كما تجلت في عدة محاضرات وجلسات قامت بها منظمة الموضة البريطانية طوال الأسبوع لزيادة الوعي بأهمية الموضة المستدامة، وبأنها هي المستقبل.
من التغييرات اللافتة التي قامت بها منظمة الموضة البريطانية هذا الموسم أيضاً أنها حضرت نفسها، أو بالأحرى تصدت لكل التغييرات التي نتجت عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. استبقت هذه التأثيرات باتخاذ تدابير واستراتيجيات مبتكرة، أهمها فتح أبواب الأسبوع أمام العامة من عشاق الموضة لقاء مبلغ. ما انتبهت له منظمة الموضة، هو أن عروض الأزياء لم تعد نخبوية كما كانت عليه أيام زمان حين كانت تجري في صالونات مقفلة لا يحضرها سوى قلة من وسائل الإعلام وعدد من الزبونات. فقد أخرجتها وسائل التواصل الاجتماعي والبث المباشر من بُرجها العاجي وباسم الديمقراطية، كشفت الكثير من أوراقها ووجوهها للناس... بضغطة زر. كالعادة، فكرت لندن بحس تجاري. عوض أن تعارض أو تعاند، قررت أن تستفيد من الوضع ببيع تذاكر لكل من يحب حضور هذه العروض والفعاليات. أمر لم يكن واردا في الماضي، وربما كان قد جعل بعض المصممين من أمثال الراحل إيف سان لوران، أن يغادروا المهنة أو يتقاعدون رفضا للوضع. فقد أعلن هذا الأخير تقاعده لمجرد أن أهمية العطور ومستحضرات التجميل في داره زادت على أهمية الأزياء، وهو ما رآه تجارة تنتقص من فن التصميم.
لكن في عصر تغيرت فيه كل المبادئ وأشكال العرض، فإن قرار لندن، يُعتبر خطوة ذكية وقراءة جيدة لنبض الشارع. لم تقبل أن تبقى مكتوفة الأيادي تنتظر ما ستتمخض عنه هذه الظاهرة، بل تفاعلت معها لضمان استمراريتها والإبقاء على وهج وقوة صناعة تدر على الاقتصاد البريطاني ما لا يقل عن 32 مليار جنيه إسترليني ككل، وتوظف نحو 100.000 أوروبي. رقم يفسر سبب مخاوف القائمين عليها واعتراضهم على الخروج من الاتحاد الأوروبي بـ90 في المائة صوت. في منشور وزعته المنظمة قبل انطلاق الأسبوع، أفادت بأنه في حال الخروج من دون اتفاق، فإن بعض المصممين الشباب والحرفيين سيضطرون للعودة إلى بلدانهم، فضلا عن أن الضرائب الجمركية على استيراد الأقمشة وعلى المعامل قد يكلف هذا القطاع نحو 900 مليون جنيه إسترليني. وغني عن القول إن كل هذا لن يؤثر على المصممين فحسب بل أيضا على المستهلك، بحكم أن أسعار الأزياء والأكسسوارات سترتفع، وهو ما قد ينتج عنه أيضا تدمير ما تم بناؤه على مدى عقود بعقد شراكات مع معامل لا تراعي حقوق الإنسان أو تهتم بالجوانب البيئية.
هذا على الأقل ما كتبه المتظاهرون بالبُنط العريض على لافتات خارج رقم «80 ذي ستراند» مقر عروض الأزياء الرسمي. بالنسبة لهؤلاء فإن صناعة الموضة هي المؤثر السلبي الأول على الأرض، لأنها «تفضل الربح على حساب الإنسان والمستقبل».
من جهتهم، واجه المصممون هذه التغيرات بطريقتهم، أي من خلال استعمالهم الأزياء كرسائل واضحة تارة ومبطنة تارة أخرى، للتعبير عن مخاوفهم وتنديدهم ببعض القرارات السياسية. فهم يرون أن «بريكست» سيكون له تأثير مباشر عليهم، بالنظر إلى أن نسبة عالية منهم إما من جنسيات أخرى أو يتعاملون مع دول أوروبية بشكل يومي.
في المقابل تبنى بعضهم الآخر قضايا البيئة والتنوع العرقي والإنسان بشكل ملموس. من هؤلاء المصمم الكندي الأصل مارك فاست، الذي افتتح أسبوع لندن يوم الجمعة الماضي بتشكيلة اختزل فيها حبه لغابات الأمازون، التي التهمتها النيران مؤخرا. قال المصمم إنه بدأ العمل على تشكيلته قبل وقوع الفاجعة، لأنه خلال زيارة لها افتتن بألوانها وكائناتها المتنوعة، من قرود وطيور ونباتات نادرة. كانت نيته أن يكون العرض حفلا صاخبا في الغابة، إلا أن اندلاع النيران غير نفسيته وفكرته، لكن لحسن الحظ لم يُغير من ألوان الأزياء ولا سخائها في استعمال الريش وطبعات مستوحاة من الأفاعي والثعابين وطيور الجنة وغيرها. كانت تشكيلة مفعمة بالأنوثة ذكرتنا بأنه كان من المصممين الأوائل، إن لم يكن الأول، الذين احتفلوا بالمرأة الممتلئة وقدموا لها تصاميم خاصة على منصات العرض، وهذا ما ظهر أيضا في عرضه الأخير لربيع وصيف 2020 مؤكدا على ضرورة التنوع.
مصمم آخر يعشق اللعب بتضاريس الجسد هو المصمم رولان موريه، الذي منذ أن أطلق ماركته في عام 1998 وهو يخاطب امرأة تضج بالأنوثة والإغراء، وليس أدل على هذا من فستان «غالاكسي» الذي حقق له في عام 2005 جماهيرية عالمية بعد أن ظهرت به معظم نجمات هوليوود تقريبا. كان تجسيدا لأسلوبه في النحت. لكن كان هناك تغير ملحوظ في تشكيلته الأخيرة لربيع وصيف 2020. لم تكن هناك تصاميم منحوتة على الجسم تعتمد الإثارة، بقدر ما ركزت التشكيلة على البساطة، فيما رآه المصمم تطوراً طبيعياً يعكس تطور المرأة وتطلعاتها. ترجم هذه الرؤية الجديدة من خلال بنطلونات طويلة وواسعة، وجاكيتات بلايزر مفصلة على الطريقة الرجالية، وفساتين منسابة، بعضها على شكل قمصان طويلة وبعضها الآخر من الصوف، لأنه كما قال كان يريد «أن تلعب الزبونة بهذه القطع بطريقتها لخلق أسلوبها الخاص».
أما المصمم التركي الأصل، بورا أكسو، فلم يحذ عن أسلوب عودنا عليه منذ سنوات. أسلوب رومانسي يمزج فيه أناقة راقية مع رشة شقاوة وحداثة. هذه المرة جسده في تشكيلة قال إنه استوحاها من الأميرة الفارسية تاج سلطانة، التي قادت في بداية القرن الماضي حركة نسوية غير مسبوقة. أسست عدة جمعيات تطالب بمساواة المرأة وحريتها من كل القيود التي كانت تكبلها بما في ذلك الأزياء التقليدية. هذه الرحلة الإنسانية والسياسية لأميرة وناشطة تجسدت في أزياء جمع فيها الأقمشة الناعمة والشفافة بأخرى سميكة وغنية مثل البروكار، وألوانا تتدرج من الفاتح إلى الساطع وخطوط بسيطة من حيث التصميم بعضها استقاه من خزانة الرجل من حيث تفصيلها الدقيق والمائل إلى الصرامة في بعض القطع.
كما استوحت كل من المصممة سيمون روشا ودار «برين» البريطانية تشكيلاتهما من أميرات من قرون ماضية، تميزن بالتمرد والسُخط على التقاليد المتوارثة المفروضة عليهن. مصمما دار «برين»، ثيا بريغازا وجاستين ثورنتون، توجها إلى الثقافة اليابانية ليغرفا من فنونها وحرفيتها وأضافا إليها لمسة «بانك»، وهو ما ظهر في فساتين بأحجام كبيرة ومعاطف مبطنة و«تي - شيرتات» مطبوعة بنقشات غريبة إضافة إلى أزياء تبدو وكأنها قطعت بسيف «ساموراي» من النصف. الكشاكش أيضا كانت حاضرة كما العادة إلى جانب تطريزات بالخرز لكن بأسلوب أكثر حداثة وجاذبية من ذي قبل بما لا يترك الشك أن المصممين يخاطبان جيلاً جديداً من الزبونات.
أما بالنسبة للمصممة الشابة سيمون روشا، فإن «ألكسندرا بالاس» كان المكان الذي اختارته لتقديم تشكيلتها. قصر افتتح في عام 1875 لكنه ظل متجاهلاً طوال الـ80 عاما الأخيرة قبل افتتاحه مرة أخرى في عام 2018. كان المكان المناسب بالنسبة للمصممة نظراً لشكله الدائري. السبب أنها استلهمت تشكيلتها من مجموعة غنائية دينية في آيرلندا تعرف باسم «رين بويز» يقدمون أغانيهم في يوم القديس ستيفن من خلال رقصات دائرية. الشكل الدائري ظهر أيضا في تنورات ضخمة بكشاكش ومزينة بالدانتيل الناعم. كما كانت هناك حقائب يد ومعاطف وأكسسوارات شعر مصنوعة من القش والرافيا في إشارة إلى بساطة الطبيعة وألوانها الترابية التي تماهت مع ألوان الورود.
في محكمة دوربار التابعة لوزارة الخارجية أقامت فكتوريا بيكهام عرضها لربيع وصيف 2020، وإذا كان هناك شيء أكده العرض أن الحصول على دعم مادي يحقق المعجزات. أمر يعرفه كل مصمم شاب، وحققته فكتوريا بيكهام مؤخرا. فبعد سنوات من التراجع وعدم تحقيق الربح، بدأت الأمور تنفرج بعد حصولها في عام 2018 على تمويل من شركة NEO Investment Partners وهي شركة استثمارية خاصة ومتخصصة في الماركات التجارية الفاخرة. بموجب هذه الشراكة ستتمكّن فكتوريا بيكهام من تعزيز وجودها الرقمي والمادي على حدّ سواء، وأيضا الدفع بعجلة النمو.
كل هذا انعكس على تشكيلتها الأخيرة، بدءاً من الألوان التي تخلت فيها عن الدرجات القاتمة لصالح درجات منعشة تضج بالحيوية والحياة، إلى التصاميم التي اكتسبت انسيابية ملحوظة قالت إنها تعكس أسلوبها الشخصي وتطورها كامرأة وأم وسيدة أعمال «فأنا لا أطرح أي شيء لا يمكنني أن ألبسه في حياتي اليومية». فكتوريا تعيد سبب نجاحها إلى هذه الاستراتيجية تحديدا لأنها، وحسب قولها، تعطيها مصداقية أكبر. لكن لا يمكن أيضا تجاهل أنها تصاميم يسهل تنسيقها مع بعض كونها عملية حتى فيما يتعلق بأزياء المساء والسهرة. ويبدو أن الألوان كانت مُلحة على بال المصممة كونها أطلقت مجموعة مستحضرات تجميل منذ فترة قصيرة جدا. تشعر كما لو أنها وضعت الألوان، التي حددت حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، في خلاط لتحصل على تركيبة شهية تعبق برائحة الماضي الجميل، ظهرت مثلا في قمصان من الحرير بالأخضر التفاحي أو الأصفر الليموني، نسقتها مع تنورات مفصلة بلون الشوكولاته أو فساتين منسابة من الحرير بلون البسكويت. وبين الفينة والأخرى تطالعنا زخات من الوردي في بنطلون طويل يتسع من الأسفل مثلا، أو في جاكيت أزرق. هكذا تزاوجت ألوان الأزياء مع ألوان الماكياج التي أطلقتها المصممة وقالت عنها المصممة إنها تحتفل بموجة جديدة من مستحضرات التجميل تحترم البيئة ومتطلبات المرأة العصرية.
مرة أخرى أكدت «بيربري» أن عرضها هو الأهم خلال أسبوع لندن للموضة، سواء من ناحية الإخراج أو نوعية الحضور أو الديكورات أو مشاركة عارضات عالميات من مثيلات جيجي حديد وكيندل جينر وإيرينا شيخ، وطبعا الأزياء وتنوعها. تنوع أراده مصممها الإيطالي ريكاردو تيشي أن يعكس كل الثقافات ويصل إلى كل العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط. فقد ظهرت في العرض عارضة محجبة تلبس تايورا مكونا من جاكيت وبنطلون واسع، بلون البيج مرصع بالأحجار. كانت لفتة ذكية منه لإيصال رسالة إلى زبونة منطقة الشرق الأوسط أن تصاميم الدار تحترمها وتتوجه إليها، أيا كان ذوقها أو عمرها.
لم يركز المصمم على التنوع في اختيار العارضات والثقافات فحسب بل أيضا فيما قدمه من أزياء تتباين بين الـ«سبور» وبين المفصل بأسلوب رجالي يجمع حرفية «سافيل رو» وخفة وانطلاق الأسلوب الإيطالي، فضلاً عن فساتين سهرة ربما تكون موجهة لجيل الشابات أكثر. وطبعا ليس هناك أكثر منه يفهم الجيل الجديد. فسنواته في دار «جيفنشي» التي ارتقى فيها بالأحذية الرياضية إلى مستوى غير مسبوق من الأناقة، تشهد على ذلك. كما تشهد عليه السترات الواسعة بالأبيض والأسود والبنطلونات الفضفاضة والقمصان ذات الأكتاف المتدلية، التي طرز بعضها بأحجار الكريستال أو الدانتيل، التي قدمها يوم الاثنين الماضي في مسرح «تروبادور» بمنطقة وايت سيتي شرق لندن. القطع المفصلة اكتسبت بدورها قوة وتفاصيل أكثر تظهر حينا في تقويسات أمامية لجاكيت طويل أو في سلاسل تزين جاكيت توكسيدو أو جيوب ضخمة تضفي على بدلة مفصلة الكثير من الشبابية والديناميكية وما شابه. تعتبر هذه ثالث تشكيلة يقدمها المصمم الإيطالي للدار، وربما تكون أكثر واحدة تحمل بصماته الشخصية. ففي التشكيلتين السابقتين، كان يحاول أن يفهم جينات الدار وتطويعها لتناسب العصر. أما هذه التشكيلة فكانت أكثر ثقة، ويبدو واضحاً أنه ضخها بجرعة إيطالية لن تجد أي مقاومة من قبل المساهمين، لأنها، وبلا شك ستحقق لهم الربح التجاري المطلوب، الذي برهن أنه قادر عليه منذ التحاقه بالدار. فقد سجلت الدار في شهر يونيو (حزيران) الماضي ارتفاعاً في أرباحها بنسبة 4 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، والبقية تأتي.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.