متداول الأسهم اليابانية «سي آي إس» الغامض يحرك السوق ويجري مليون معاملة

مرت 6 دقائق بعد جرس الافتتاح في يوم الـ4 من فبراير (شباط)، ولا تزال عشرات من الأسهم ذات الأسماء الكبيرة لم تتداول بعد في بورصة طوكيو. وكان سهم مؤسسة «سوفت بانك» الضخمة للاتصالات، من بين الأسهم التي لم تشهد تداولا بعد. هبط سعر العرض بمقدار 5 %، ثم واصل الهبوط، ولم يكن هناك أيضا أي مشاركين. ثم جاء أمر الشراء بقيمة 300 ألف سهم عند مستوى 6.714 ين، وتساوي قيمتها ما يربو على ملياري ين (نحو 20 مليار دولار)، ثم تابع بقية المشترين، وبدأ الزخم يعلو، وأنهى السهم يومه بـ2 فقط من الرابحين في مؤشر «نيكي 225» المتوسط.
وكان الرجل الذي امتلك السوق في ذلك اليوم لصالح مؤسسة «سوفت بانك» يجلس مرتديا ملابس نومه في غرفته محاطا بالمجلات الكوميدية. وكان يتابع توهج شاشات حاسوبه وهو يمضغ جزرة في يده، من أجل تهدئة معدته.
تُعد المراهنة على ارتفاع الأسعار عقب انخفاضها من الخطورة بمكان، ولكنه شاهد فقدان سهم «سوفت بانك» لخمس قيمته عبر 9 أيام، وأدى الهبوط في الأسواق الأميركية الليلة السابقة إلى المزيد من الانخفاض في سعر الأسهم. وكانت الاحتمالات تميل أكثر لصالح الارتداد، وفقا لتقديراته. وقرر أن ينفذ خطوته، ونفذ أوامر الشراء واحدا تلو الآخر، ومن المتوقع أن تنشر مجلة «بلومبيرغ للأسواق» تقريرا حول ذلك في عدد نوفمبر (تشرين الثاني).
بعد مرور 90 دقيقة، اكتسب الرجل مبلغا يُقدر بـ140.6 مليون ين. ثم انتقل الأمر إلى التداول التالي بالنسبة لبطل ألعاب الفيديو ومقامر ماكينات الباتشينكو، الذي يُعرف باسم «سي آي إس» (CIS). ويقول المتداول البالغ من العمر (35 عاما) إنه حقق أرباحا بمقدار 6 مليارات ين، بعد خصم الضرائب، من خلال المراهنة على الأسهم اليابانية في العام الماضي.

* أرقام ضخمة
خلال 10 سنوات من التداول اليومي، التي بدأت بأكثر أو أقل من الصفر، تجمعت لدى «CIS» ثروة تتجاوز الآن على حد زعمه 16 مليار ين (146 مليون دولار). وفي هذه العملية، صار شخصية مرموقة بين المتداولين اليوميين اليابانيين، وهم عبارة عن دائرة مغلقة من المهنيين العصاميين، الذين يفتخرون بالعمل في واحدة من أصعب أسواق الأسهم العالمية. وصار السيد «CIS» موضع كثير من الثرثرة والتكهنات. وهناك صفحة على موسوعة «ويكيبيديا» تحاول تتبع نتائج استثماراته.
هناك حفنة قليلة فقط من أقرانه يعرفون اسمه الحقيقي، ولم يشاهده أحد قط وهو يعمل. ولم يوفر السيد «CIS» حسابا كاملا عن عائدات استثماراته وعن ثروته التي هي موضوع هذه المقالة، وبعض من مزاعمه لا يمكن التحقق من صحتها.
ظهرت بالفعل عدة بيانات في عام 2014 من خلال كثير من حسابات الوساطة المالية لديه، بالإضافة إلى عائدات الضرائب الخاصة به لعام 2013. وأظهرت بيانات الوساطة الصادرة عن مؤسسة «SBI» القابضة أصولا سائلة تتراوح بين 4.4 مليار ين إلى 4.8 مليار ين. وأظهرت عائدات الضرائب خاصته أنه تداول في الأسهم اليابانية بما قيمته 1.7 تريليون ين في عام 2013، وهو ما يساوي نحو نصف نسبة 1 % من قيمة جميع معاملات الأسهم المتداولة من قبل الأفراد في بورصة طوكيو للأسهم. وفي أكثر أيامه ازدحاما، كما يقول، اشترى وباع أسهما بقيمة 70 مليون ين.

* أيام المراهنات
لفظة «CIS) تنطق «sis»، وهي تعني الموت في اللغة اليابانية الكلاسيكية. وهو لا يزال يحتفظ بلقبه منذ أيام المقامرة الأولى، حينما اعتاد أن يحطم خصومه في حلقات المصارعة الافتراضية وعلى عوالم الإنترنت الخيالية. ويقول ريثما يتناول الشاي في فندق «غراند بالاس» في طوكيو بعد عدة أيام من التداول على سهم «سوفت بانك»: «علمتني المقامرة التفكير السريع والاحتفاظ بالهدوء».
بنيته الجسدية نحيفة، مع مسحة من شعر أشعث، حيث ظهر مرتديا سترة رمادية، وبنطالا من الجينز، ومنتعلا زوجا من الأحذية الرياضية. لم يكن أحد ليظن أن ذلك الشخص من أصحاب الملايين.
يريد «CIS» أن يعرف الناس إنجازاته، ولكنه لا يريدهم أن يعرفوا حقيقة شخصيته. حتى بعد 6 جلسات من المقابلات الشخصية على مدى عدة شهور، طلب «CIS» ألا يُذكر اسمه في هذه المقالة. وهو متزوج ولديه 3 من الأطفال، ويقول إنه يخشى أن يستهدفه أحدهم بالسرقة أو الابتزاز. كان العام الماضي عاما جيدا بالنسبة للمتداولين اليوميين اليابانيين. وإثر دفعة من رئيس الوزراء شينزو آبي، أغرق بنك اليابان السوق بالنقدية من خلال برنامج لشراء الأصول. وعلاوة على ذلك، سمح التسهيل في قيود الاقتراض للناس بالتداول على الهامش لتمديد الديون في اللحظة التي ينتقلون فيها من الموضع. ونتج عن هاتين الخطوتين مجتمعتين مزيج رائع وقوي.

* نشاط فائق
قفز مؤشر «نيكي 225» القياسي لأكثر من 56 % خلال عام 2013. وهو أعلى معدل يصل إليه المؤشر خلال 40 سنة. وارتفع مؤشر «Mothers» لأسهم الشركات الصغيرة، وهو نقطة جذب للمستثمرين الأفراد، بنسبة 137%. ووفقا لبورصة طوكيو، تضاعف عدد الأسهم المتداولة من قبل المستثمرين الأفراد.
لم يكن السبب وراء ذلك أن الناس يضخون أموال التقاعد في السوق، رغم أن سياسات السيد آبي كانت تهدف إلى تشجيع ذلك. يقول اكيرا واريتا، المدير الإداري لشركة «ماتسوي للأوراق المالية»: «كان يوما عظيما، يوما نشيطا وعظيما للمتداولين». تشكل نسبة 1% من عملاء الوساطة على الإنترنت ما نسبته 70% من حجم الأعمال خلال الشهور الـ3 الأخيرة من عام 2013. وكان الأشخاص البالغ عددهم 397، الذين أجروا 50 عملية تداول أو أكثر في اليوم مسؤولين على أكثر من نصف معاملات هامش الوساطة. وكان أكثر التجار استحواذا قد استخدم وديعة نقدية بقيمة 20 مليون ين لشراء وبيع ما قيمته 4 مليارات ين من الأسهم في يوم واحد، وفقا للسيد واريتا.

* طاقم صغير
لم يكن لأي مصرفي صغير أن يعرف من الذي يتحدث على شاشة التلفزيون، ولكن المتداولين اليوميين كانوا يعرفون. يقول ناوكي موراكامي، وهو متداول ينشر مدوناته تحت اسم مورايان: «إنه لنجم. والجميع يقرأون مدوناته على موقع (2channel). وبعض الناس قد لا يعجبهم تلك المدونات، ولكن معظم الناس يعرفون أننا نمزح».
موراكامي هو أحد المؤرخين الحذرين لتداولاته الشخصية، الذي يعفي نفسه من أي إحراج ويقوم بنشر نتائجه على الإنترنت، وقد حاز شهرة محدودة ويتلقى مقابلا على ذلك من شركة «ماتسوي للأوراق المالية» وغيرها من شركات الوساطة للحديث في مؤتمرات المستثمرين.

* مخزونات
يقول إنه حصل بالكاد على شهادته في الهندسة الميكانيكية، حيث كرس معظم وقت الكلية إلى لعبة الأدوار الخيالية (Ultima Online). متحصنا في غرفة نومه ويقضي أياما من دون نهاية متجولا في عالم اللعبة الافتراضي، جامعا للأسلحة، والأموال، والطعام. ويدعي أن ذلك من قبيل التدريب المبكر على تكوين والمحافظة على الأصول.
مهارات لوحة المفاتيح الشريرة كانت أمرا لا مفر منه. كان يتذكر أكثر من 100 اختصار للوحة المفاتيح، ويمكنه الانتقال بينهما من دون نقل عينيه من على الشاشة. ويقول في لا مبالاة: «بعض الناس يمكنهم ذلك، وبعضهم لا يستطيع». ولكن اللعبة علمته درسا أهم: «متى تتوقف وتهرب». ويقول: «كنت لاعبا واثقا للغاية، ولكن مثلما هو الحال في العالم الحقيقي، كلما ازداد عدد الخصوم، ساءت الفرص المتاحة لك. لن تخسر شيئا إذا فررت».
تلك هي الطريقة الني يلعب بها الآن في سوق الأسهم. يقول إنه يراهن بالخطأ على 4 من أصل 10 محاولات. والخدعة تكمن في بيع الأسهم الخاسرة سريعا في الوقت الذي تسمح فيه بتقدم الأسهم الرابحة. وبالنسبة له، فإن وقف الخسارة المدبرة جيدا هي كل ما يعني التداول بالنسبة إليه.

* شيء من الجمال
لهذا السبب يقول إن تداول «سوفت بانك» الأقل بهجة من ذلك التداول الذي جرى في فبراير (شباط) قد يتحول إلى أفضل تحرك قام به في عام 2014. في أول يوم للتداول في العام، تخلص من أسهم لشركة «سوفت بانك» بقيمة 4.5 مليار ين. وتقبل خسارة بقيمة 2.5% في ذلك اليوم، ولكنه خرج بمكسب يبلغ 650 مليون ين على ذلك الموضع، الذي كان يبني فيه منذ منتصف أكتوبر (تشرين أول). انزلق سهم «سوفت بانك» بنسبة 18% في الشهر الذي أعقب بيعه، وبعد عدة أسابيع، أظهرت الملفات التنظيمية السبب: «كانت مؤسسة (كابيتال غروب)، العملاق الأميركي في إدارة الصناديق، تقوم بعملية تفريغ للأسهم».
دخلت الأسهم حياة السيد «CIS» حينما كان في الـ20 من عمره ويعمل مصمما لامتصاص الصدمات الصناعية في مصنع صغير. وبدأ بالمراهنة على ما كان يعتقد أنه شركات مقدرة بأقل من قيمتها، وخسر أموالا جراء ذلك.
وصادف النجاح بعدما منحه صديقا له نصيحة: «انس الأساسيات». لم يشترك السيد «CIS» في صحيفة «نيكي» أو أي صحيفة أخرى. ولا يقوم بالتدقيق في تقارير الأرباح أو تحليل بيانات البنك المركزي أو يضيع الكثير من الوقت على مشاهدة تحركات المتوسطات أو غير ذلك من الرسوم البيانية لأسعار المرتبطة بشكل طبيعي بالتداول الإلكتروني.

* قاعدة واحدة
بدلا من ذلك، يبقي أذنيه مفتوحتين في غرف الدردشة، ويلصق عينيه أمام شاشات العطاءات، التي يراقب عليها شهية السوق حيال الأسهم الـ300 الأكثر تداولا. وإذا كان هناك مبدأ واحد أساسي، كما يقول - مرارا وببطء، كما لو كان يصدر تعليمات - فها هو: «اشتر الأسهم التي تم شراؤها، وبع الأسهم التي تم بيعها». تبدو تلك النصيحة أعمق مما تتبدى للسامعين، طبقا للسيد هيرش شيفرين، أستاذ التمويل السلوكي في جامعة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا ومؤلف كتاب «ما بعد الجشع والخوف»، الذي نُشر في عام 2007 ويدور حول دور علم النفس في الاستثمار. العقل البشري يرتبط بالرهان على الانعكاسات، على حد زعم البروفسور شيفرين.
إنها ظاهرة تسمى مغالطة المقامر. فعلى طاولة القمار، على سبيل المثال، يميل اللاعبون إلى تحويل رهاناتهم في اتجاه الأرقام التي لم تأتِ بعد، رغم أن الاحتمالات لا تتغير مع كل دفعة للزهر. وبالطريقة نفسها، حتى أمهر المستثمرين لديه انحياز إلى الشراء عندما تنخفض الأسهم، وللبيع عندما ترتفع.

* بالاتفاق مع {بلومبيرغ}