رغم ازدياد الفقر... الأتراك يهدرون 18 مليار دولار «على هامش الإفطار»

متوسط الدخل انحدر لأدنى مستوياته في 12 عاماً

يشكل هدر الطعام مشكلة متصاعدة في تركيا رغم ازدياد معدلات الفقر بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية (رويترز)
يشكل هدر الطعام مشكلة متصاعدة في تركيا رغم ازدياد معدلات الفقر بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية (رويترز)
TT

رغم ازدياد الفقر... الأتراك يهدرون 18 مليار دولار «على هامش الإفطار»

يشكل هدر الطعام مشكلة متصاعدة في تركيا رغم ازدياد معدلات الفقر بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية (رويترز)
يشكل هدر الطعام مشكلة متصاعدة في تركيا رغم ازدياد معدلات الفقر بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية (رويترز)

أظهرت بيانات تركية أن قيمة الهدر في طعام الإفطار فقط داخل البلاد تصل إلى أكثر من 17.6 مليار دولار سنوياً. وبحسب «مديرية منع النفايات» التركية، وهي مبادرة غير حكومية لضمان الاستخدام الكفء والفعال للموارد والوقاية من النفايات، فإن السبب وراء هذا الهدر الهائل في الطعام هو الاتجاه المتصاعد الأخير لقوائم الإفطار التركية الكبيرة المقدمة في المقاهي.
وقالت المديرية في بيان إن هدر الطعام يمثل مشكلة متصاعدة في تركيا، مشيرة إلى أن قيمة المواد الغذائية التي تضيع كل عام تصل إلى 214 مليار ليرة (37.4 مليار دولار)؛ أي ما يعادل 12 مليون طن من المواد الغذائية.
وأوضحت أن جزءاً كبيراً من النفايات ينبع من الاتجاه الصاعد الأخير في الأصناف التي يتم تقديمها في الإفطار بالمطاعم التركية. وأضافت أن كثيراً من العناصر المقدمة في وجبات الإفطار التركية، مثل الزيتون والجبن والطماطم والزبد والمربى والبيض والخبز؛ تنتهي إلى سلة المهملات لأن العملاء لا يستهلكونها بشكل كامل.
وأشارت إلى أن النفايات «مشكلة سلوكية»، وأن «الكمية الكبيرة من النفايات الغذائية التي يواجهها العالم وتركيا لها آثار سلبية على سلسلة الإمداد الغذائي، بما في ذلك الأسر. لذلك، هناك حاجة ملحة لمنع هدر الطعام أو الحد منه لضمان الاستخدام الفعال للموارد في جميع أنحاء العالم».
وقالت المؤسسة إن «ثلث الأغذية التي يتم إنتاجها كل عام في العالم يضيع أو يتم هدره»، مشيرة إلى أن هذه الكمية تعادل 1.3 مليار طن من الغذاء. وتبلغ تكلفة المواد الغذائية المهدرة في الدول المتقدمة 680 مليار دولار، مقابل 310 مليارات دولار في البلدان النامية.
وأظهرت بيانات رسمية حديثة انحدار متوسط دخل الفرد في تركيا إلى أدنى مستوياته منذ 12 عاماً، وأن ذلك عمق الأزمات المتراكمة التي يعاني منها الاقتصاد التركي منذ أزمة انهيار الليرة العام الماضي.
وأكدت هيئة الإحصاء التركية أن متوسط دخل الفرد السنوي تهاوى بعد انكماش الاقتصاد على مدى 3 فصول متتالية، ليصل إلى 8811 دولاراً فقط، وهو ما يقل عن المستويات المسجلة في عام 2007 والبالغة 9656 دولاراً. وتثبت البيانات أن البرامج الاقتصادية التي طرحتها الحكومة منذ يوليو (تموز) 2018 فشلت تماماً.
وفي واقع الأمر، فإن وعود الحكومة بتحقيق التوازن الاقتصادي تخلفت بركب الاقتصاد وعادت به إلى أسوأ مما كان عليه قبل 12 عاماً، في وقت يتواصل فيه ارتفاع معدلات الفقر. وعندما أعلنت هيئة الإحصاء التركية بيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من العام الحالي، قال خبراء إن بها كثيراً من المبالغة، رغم أنها أكدت انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5 في المائة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. وقالت الهيئة إن الاقتصاد نما 1.2 في المائة مقارنة مع الربع السابق. لكن من الضروري إمعان النظر في تلك الأرقام بشدة لكي نتبيّن كيف جاء هذا النمو. وفي تفاصيل البيانات؛ نما القطاع الزراعي بنسبة 3.4 في المائة، في حين انكمش قطاع الصناعة بنسبة 2.7 في المائة، والبناء بنسبة 12.7 في المائة. كما تراجعت مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المائة، وهو الذي يوفر 52 في المائة من الوظائف. وهبط الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 1.1 في المائة مقارنة مع العام الماضي، بينما ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 3.3 في المائة.
وتراجع الاستثمار أيضاً بوتيرة متسارعة، خصوصاً الاستثمار في الصناعة، الذي انكمش بنسب 1.3 و3.5 و3.7 و7.1 في المائة خلال الأرباع الأخيرة على التوالي.
ويظهر ذلك أن الإسهام الأكبر في النمو جاء من إنفاق الدولة، بينما هبط رأس المال الاستثماري بنسبة 23 في المائة، مما يعطي إشارة إلى أن القادم سيكون أكثر سوءاً.
وبحسب اتحاد نقابات العمال الأتراك، باتت البطالة، التي بلغ معدلها 13 في المائة خلال يونيو (حزيران) الماضي، في أعلى مستوى منذ 17 عاماً، ولا تستثني أحداً؛ حتى تسبب ذلك في زيادة الفقر والجوع؛ وبات الحد الأدنى للأجور في تركيا لا يكفي فرداً واحداً وليس عائلة بأكملها.
وتقدر تكلفة المعيشة للموظف الأعزب بألفين و565 ليرة، وتكلفة الطعام الذي يجب أن تدفعه الأسرة المكونة من 4 أفراد شهريّاً من أجل التغذية السليمة المتوازنة بألفين و75 ليرة.
وبالنسبة للمصروفات الأخرى غير الطعام مثل المواصلات وإيجار المسكن والملابس والتعليم والصحة وغيرها، فقد ارتفعت إلى 6 آلاف و760 ليرة للأسرة المكونة من 4 أفراد؛ بينما الحد الأدنى للأجور 2020 ليرة.
وزادت تكلفة المواد الغذائية بواقع 134 ليرة مقارنة مع بداية العام، و364 ليرة مقارنة مع يونيو 2018. وارتفع إجمالي النفقات اللازم للأسرة بمقدار 437 ليرة خلال أشهر النصف الأول من العام، وبقيمة 1.176 ليرة خلال العام الأخير.
وتعاني تركيا أزمة اقتصادية، وصلت إلى ذروتها في أغسطس (آب) 2018؛ حيث فقدت الليرة نحو 40 في المائة من قيمتها أمام الدولار، وارتفع معدل التضخم إلى ما فوق 25 في المائة، وارتفعت أسعار السلع الأساسية بمعدلات بين 15 و200 في المائة، فيما يعاني ملايين الأتراك من البطالة مع تسارع إفلاس الشركات.
وذكر اتحاد نقابات موظفي القطاع العام أن رواتب الموظفين الحكوميين تأثرت على مدار 16 عاماً؛ في الوقت الذي تضاعف فيه متوسط التضخم بنسبة 347.8 في المائة.
وقال الاتحاد، في بيان، إن متوسط راتب الموظف الحكومي انخفض في يونيو 2018 بواقع 164 ليرة شهريّاً، مقارنة بالشهر ذاته من عام 2017؛ وفقاً لأبحاث أجراها عن تغيرات رواتب الموظفين.
وفي نهاية عام 2018، ارتفع متوسط راتب الموظف بمقدار 441 ليرة؛ ليصل إلى 3 آلاف و419 ليرة؛ وهو ما كان يمكن أن يحقق دفعة إيجابية لمستوى حياة الأتراك، لولا أن التضخم ارتفع بنسبة 20.3 في المائة في الفترة ذاتها؛ لتكون المحصلة فقدان الراتب نحو 164 ليرة شهريّاً؛ بدلاً من الزيادة.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.