هيلاري كلينتون ستواجه منافسا.. والصحافيين الأميركيين

علاقة المرشحة المرتقبة للرئاسة بالإعلام مضطربة.. مثل زوجها

الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري تتوسطهما ابنتهما تشيلسي (واشنطن بوست)
الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري تتوسطهما ابنتهما تشيلسي (واشنطن بوست)
TT

هيلاري كلينتون ستواجه منافسا.. والصحافيين الأميركيين

الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري تتوسطهما ابنتهما تشيلسي (واشنطن بوست)
الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري تتوسطهما ابنتهما تشيلسي (واشنطن بوست)

يبدو مؤكدا أن هيلاري كلينتون، السيدة الأميركية الأولى لثمانية أعوام (خلال رئاسة زوجها بيل كلينتون)، والسيناتورة عن ولاية نيويورك (ستة أعوام)، ووزيرة الخارجية في إدارة الرئيس باراك أوباما (أربعة أعوام)، ستترشح باسم الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2016. طبعا، ستواجه مرشحا جمهوريا قويا، وستريد الفوز عليه. لكن يبدو أنها ستواجه، أيضا، الإعلام الأميركي.
رغم قول كثير من الناس، ورغم الاعتقاد العام، بأن الصحافيين الأميركيين يميلون نحو الحزب الديمقراطي أكثر من ميلهم نحو الحزب الجمهوري، يبدو الصحافيون في نهاية المطاف يميلون نحو نشر أخبار محايدة، من دون وضع اعتبار لرجل، أو امرأة، أو حزب، أو دولة. لهذا، لا يمكن وصف الصحافيين الأميركيين بأنهم «أعداء» لهيلاري كلينتون. وقبلها، وحتى الآن، لزوجها. يمكن وصفهم بأنهم «ناقدون».
هذا ما كتبه موقع «ديموكراسي ناو» (الديمقراطية الآن)، وهو موقع ليبرالي، وكان تأسس قبيل غزو العراق (عام 2003). هيلاري كلينتون وزوجها، أيضا، ليبراليان. لكن، كما كتب الموقع مؤخرا «يبدو أن الحكم هو اختبار الليبرالي الحقيقي». يشير هذا إلى عدم رضا كثير من الليبراليين، خاصة التقدميين وسطهم، عن كل من الرئيس باراك أوباما وهيلاري كلينتون. بسبب عدم وقفهم الحروب الأميركية الخارجية، والتدخل العسكري الأميركي (من شعارات الليبراليين منذ التدخل العسكري الأميركي في فيتنام، والذي انتهى عام 1973). لهذا، موقف الإعلام الأميركي هو كما يأتي:
أولا: يريد عرض هذه الانتقادات، خاصة لأنها من ليبراليين ضد ليبراليين.
ثانيا: يريد إثارة صحافية، لا على حساب نزاهة الخبر، ولكن لزيادة أهمية الخبر.
ثالثا: يريد رفع مستوى العمل السياسي بسبب أكاذيب السياسيين، وفضائحهم، وفسادهم. لهذا، لسوء حظ هيلاري كلينتون، صارت نجمة إعلامية مفضلة. وقبلها، نال زوجها نصيبه، خاصة بسبب علاقاته الجنسية مع عدد من البنات، عندما كان حاكما لولاية اركنساس، وعندما كان في البيت الأبيض، خاصة لأن هيلاري وقفت إلى جانب زوجها (لم تقل إن العلاقات الجنسية لم تحدث، لكنها كررت عبارة «فاست رايت كونسبيراسي» (مؤامرة اليمين المتطرف). صحيح، كان ذلك قبل عشرين عاما تقريبا. لكن، أليست مهمة الصحافي هي نشر خلفية لكل خبر؟ أليست غراميات الزوج، ودعم الزوجة، خلفية لخبر أن الزوجة تريد أن تكون رئيسة لأميركا (وللعالم الحر)؟
ربما تعرف الزوجة، والزوج، ذلك أكثر من الصحافيين أنفسهم. لهذا، يتوقعان هجمات وانتقادات، ليست فقط من المرشح المنافس لرئاسة الجمهورية، ولكن، أيضا، من الإعلام. هل يقدران على كسب الإعلام أو، على الأقل، على تحييده؟
لهذا، كان المؤتمر السنوي لمؤسسة «كلينتون غلوبال» (يعقد في نيويورك مع بداية اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة)، اختبارا عن كيف ستعامل هيلاري كلينتون الإعلام، وكيف سيعاملها الإعلام.
كتب كريس سيليزا، كاتب بلوغ لصحيفة «واشنطن بوست»: «يمكن أن يمثل حادث واحد أثناء المؤتمر نظرة هيلاري وبيل كلينتون للإعلام الأميركي، وهي نظرة، بصراحة، سوداء، وشبه مجنونة». وأضاف «ببساطة، لا هيلاري كلينتون، ولا بيل كلينتون، يحب الإعلام الأميركي، أو يرى إمكانية استخدامه استخداما إيجابيا بالنسبة لهما».
وقع الحادث لإيمي شوزيك، صحافية في صحيفة «نيويورك تايمز»، ومتخصصة في تغطية أخبار هيلاري كلينتون، ويتوقع أن تواصل التغطية مع ترشيح كلينتون لرئاسة الجمهورية. ويبدو أن هيلاري، أو زوجها، أو مسؤولين عن الإعلام يعملون معهما، عرفوا ذلك. لهذا، خلال مؤتمر كلينتون، تبعتها مساعدة إعلامية إلى المرحاض. وحكت الصحافية «هي في العشرينات من العمر، وقررت أن تكون مرافقة لي إلى المرحاض، في فندق شيراتون، حيث يقام المؤتمر كل عام». لم تعرف الصحافية إذا كانت المساعدة تحرسها، أو تريد تقديم خدمات لها، أو تتجسس عليها. لكن، مجرد هذا الاهتمام بالإعلام يعكس ما قال صحافي «واشنطن بوست».
وهذه أمثلة لتوتر العلاقات بين آل كلينتون والإعلام الأميركي، أو، على الأقل، أمثلة عدم الثقة في الإعلام الأميركي:
في عام 2012، سقطت هيلاري فاقدة الوعي في بيتها في واشنطن، بسبب تجلط دموي، ومكثت في المستشفى قرابة شهر. وجلب الحادث عطفا شعبيا، ومن قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري. لكن، تساءل كارل روف، مستشار للرئيس السابق بوش الابن، في مؤتمر صحافي، عما إذا كلينتون تعاني من تلف المخ، مما يعني أنها غير قادرة على العمل. وغضب كلينتون الزوج ليس فقط لتصريحات روف (وهو منافس جمهوري)، ولكن، أيضا، لأن الإعلام نقل هذه التصريحات.
وفي عام 2013، مع نهاية عملها وزيرة للخارجية، نشرت مجلة «ماثر جونز» تقريرا طويلا عن عملها ذاك، وكان التقرير سلبيا جدا. نشرت عن دورها في الهجوم الإرهابي في بنغازي، في ليبيا، على القنصلية الأميركية، والذي أدى إلى قتل السفير الأميركي لدى ليبيا. وكتبت الصحيفة أن هيلاري كلينتون هي المسؤولة. ثم كتبت أنها «مثلية جنسية، وزواجها من بيل كلينتون ليس إلا غطاء». ثم كتبت أنها «مثل أغلبية نخبة المثقفين والسياسيين في واشنطن، سحلية تعشق شرب دماء الشعوب الأخرى».
وأخيرا، إذا هذه تغطية صحيفة ليبرالية، وقبل أن تعلن كلينتون ترشيحها، كيف ستكون تغطية الصحيفة عندما تترشح؟ وكيف ستكون تغطية الصحف الأخرى؟



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.