البرلمان المصري... «ثورة تشريعية» قياسية بانتظار «مراجعة مستقبلية»

TT

البرلمان المصري... «ثورة تشريعية» قياسية بانتظار «مراجعة مستقبلية»

يتباهى مجلس النواب المصري، وهو بصدد دوره الانعقادي الأخير المقرر خلال أسبوعين، بإنجازه عدداً قياسياً من القوانين، وبشكل غير مسبوق على مدار تاريخه. لكن هذا الكم اللافت للقوانين، وفقاً لمراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» «مرتبط بظرف سياسي استثنائي تعيشه مصر حالياً، تضمن تعديلات دستورية أفضت لتشريعات مغايرة، جاء بعضها متسرعاً أحياناً بفعل الضغوط، حتماً ستجري إعادة النظر في كثير منها مع استقرار النظام السياسي».
وبدأ مجلس النواب عمله في يناير (كانون الثاني) 2016 بموجب دستور عام 2014 كأول مجلس نيابي بعد «ثورة 30 يونيو 2013»، التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وخلال دور انعقاده الأول، أقر المجلس 342 قراراً بقانون، صدرت قبل تشكيله، في زمن قياسي بلغ 15 يوماً فقط. كما نظر 82 مشروعاً جديداً، 80 منها مقدمة من الحكومة. وهو عدد فاق ما تم نظره في دور الانعقاد الأول من الفصول التشريعية للمجالس السابقة، بحسب مضابط المجلس، كما فاق عدد المواد التي نظرها المجلس في الدور نفسه عدد مواد أدوار الانعقاد السابقة كافة على مدى تاريخ البرلمان، حيث بلغ عدد المواد (1226) مادة.
وفي دور الانعقاد الثاني، وافق المجلس على (217) مشروع قانون مقدمة من الحكومة والأعضاء، واعتبره رئيس المجلس علي عبد العال أيضا «أكبر عدد مشروعات قوانين في تاريخ الحياة النيابية المصرية».
وتكررت الأرقام القياسية في دور الانعقاد الثالث، بـ(197) مشروع قانون. وفي الرابع، الذي انتهى منتصف يوليو (تموز) الماضي، بـ(156) مشروع قانون بإجمالي عدد مواد بلغ 1701 مادة.
ويرى رئيس مجلس النواب أن «المجلس حقق إنجازات على طريق بناء الدولة»، واصفاً مهام المجلس بـ«العبء الثقيل... تحملها بكل شجاعة وإقدام»، وأن مصر تشهد «ثورة تشريعية».
كذلك اعتبر صلاح حسب الله، المتحدث الإعلامي للمجلس، هذه الأرقام دليلا على أن المجلس «جاء في ظل ظروف صعبة نجح في تجاوزها، وأكد انحيازه للدولة المصرية للعبور الآمن بها وتحقيق الاستقرار»، مضيفاً في ختام دور الانعقاد الأخير «صنع النواب بيئة تشريعية، وأحدثوا تغييراً تشريعياً في الدولة المصرية، ونسعى لحصد ثمار تلك التشريعات في فترة وجيزة».
حاجة النظام المصري لتشريعات متوافقة مع دستور 2014، ثم التعديلات الدستورية التي جرت في الربع الأول من عام 2019 وما تتضمنه من تغيرات في النظام السياسي والاجتماعي، ومساعي إنشاء نظام اقتصادي جديد على أمل تحقيق التكافل بشكل أشمل، جعلت هذا الكم من القوانين «أمرا طبيعيا»، بحسب المحامي عمر هريدي، وهو عضو برلماني سابق شغل أمين سر اللجنة التشريعية بمجلس الشعب (الاسم السابق لمجلس النواب).
فوفقا للخبير القانوني، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن تلك التشريعات بطبيعة الحال «تلائم الفكرة التي يتبناها النظام السياسي الحالي لمواجهة خصومه وتحديات الوقت الراهن، كما تتضمن أشياء إيجابية كانت مطلباً للشعب المصري منذ سنوات، منها قوانين التأمين الصحي والجمعيات الأهلية وغير ذلك».
ويتشكل المجلس من أعضاء مستقلين وأحزاب تعلن معظمها الدعم الصريح للرئيس عبد الفتاح السيسي وسياسته. ويشير هريدي إلى أن «هذا البرلمان يضع في ذهنه هاجس استهداف الدولة المصرية ويعمل دائما تحت توتر»، كما أن «عدم وجود آيديولوجيا سياسية لمعظم أعضائه مبنية على قاعدة حزبية داخل مجلس النواب، أثر بشكل سلبي على شكل التشريعات».
ويضيف هريدي «في ظل تغييرات دستورية سريعة وضعف الخبرة القانونية والسياسية لعدد من أعضاء المجلس، خرجت قوانين كانت تحتاج للتروي والبحث بشكل أعمق من الناحية التشريعية». وتابع «الكل اتخذ من فكرة تثبيت دعائم الدولة اتجاها، وترك التعمق في النص التشريعي وانعكاساته على المجتمع».
سبب آخر للمراجعة الحتمية من وجهة نظر هريدي وهو وجود نية لاستحداث دستور جديد خلال السنوات المقبلة، وما يتبعه من تعديل تشريعي يلائم الوضع الجديد، مستشهدا بحديث رئيس المجلس عن حاجة مصر لدستور جديد خلال 10 سنوات، وكذلك وصف الرئيسي السيسي لدستور 2014 بأنه «كُتب بحسن نية».
أبعاد أخرى لهذا الرقم القياسي من القوانين، أضافها المستشار عادل الشوربجي، رئيس محكمة النقض السابق، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أهمها «التناغم الواضح بين البرلمان والحكومة، فعدد كبير من القوانين لم يأخذ وقتا في المناقشة في ظل توافق التوجهات، بعكس الحال إن كان البرلمان يضم كثيرا من المعارضين».
ويعاب على المجلس الحالي، عدم إجرائه أي استجواب للحكومة، لكن عبد العال يرى أن السبب هو «عدم توافر شروط طلبات الاستجوابات التي قدمت للمجلس»، مؤكدا أن «الاستجواب إجراء خشن يترتب عليه دائما وأبدا سحب الثقة من الحكومة، لذا يجب أن تستوفي الاستجوابات كافة الشروط المطلوبة». ونوه الشوربجي إلى متغير آخر، وهو «سرعة الأحداث التي يشهدها العالم وضمنه مصر، مثل الإرهاب والجريمة والوسائل الجديدة المستخدمة، والتي تتطلب تعديلات قانونية مستمرة لمواكبة هذه المتغيرات»، ولذلك يتوقع أن «يعاد النظر في بعضها مرة أخرى».
ودعا الرئيس السيسي، مجلس النواب، للانعقاد لدور الانعقاد العادي الخامس والأخير، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وفقا للجريدة الرسمية. وينتظر المجلس مناقشة عدد من التشريعات المفصلية، في مقدمتها مشروعات قوانين الأحوال الشخصية ومجلس الشيوخ، والإدارة المحلية، وقانون المرور، وغيرها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».