في غرفة منعزلة بمخيم الهول الذي يبعد نحو 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة، جلست 3 سيدات؛ هولندية وألمانية وفرنسية، ينتظرن سماح السلطات الإدارية لهن بزيارة المستشفى بغرض الكشف على حالة أبنائهنّ. كل منهن حملت طفلاً صغيراً لم يتجاوز السنة، وهم ضمن أكثر من 3500 طفل لم يتم تسجيلهم في قيود الولادة الرسمية؛ لا في سوريا ولا في دولهم الأصلية، بعد تجربة قاتمة خاضتها هؤلاء السيدات ومثيلاتهن بزواجهن من عناصر أجانب في صفوف تنظيم «داعش»، وانتهى بهنّ المطاف في هذه البقعة الجغرافية الواقعة أقصى شرقي سوريا.
النساء الثلاث اتشحن بالسواد ولم يظهر من وجوههن سوى عيون فضولية قطعت مسافات طويلة لتحقيق حلم تبيّن فيما بعد أنه وهم، وتساءلن بغضب عن مصيرهن. وأردن الحصول على إجابات خلال حوارات مع «الشرق الأوسط».
يؤوي مخيم الهول اليوم ما يزيد على 72 ألف شخص معظمهم سوريون وعراقيون؛ من بينهم 10 آلاف و732 سيدة مهاجرة برفقة طفلها، ولدى 3177 امرأة منهن 3500 طفل مكتوم القيد تتراوح أعمارهم بين شهر واحد و6 سنوات، إضافة إلى 4055 طفلاً أجنبياً مهاجراً لا يحملون بطاقات شخصية ولا يمتلكون جوازات سفر، يتحدرون من 50 جنسية غربية وعربية.
آباء الأطفال من عناصر التنظيم ذهبوا إلى جبهات القتال ولقوا مصرعهم؛ أو استمروا في القتال واستسلموا في معركة بلدة الباغوز بريف دير الزور بعد القضاء على آخر معقل جغرافي للتنظيم في مارس (آذار) الماضي وهم محتجزون خلف القضبان ومصيرهم مجهول بعد رفض حكوماتهم استعادة رعاياها رغم مطالبات الإدارة الكردية وحليفتها أميركا بذلك.
تروي أماليا؛ الهولندية البالغة من العمر (21 سنة)، وإلى جانبها يلعب طفلها الصغير ذو الـ15 شهراً من أب مغربي، واليوم هي حامل من مقاتل سوري الجنسية محتجز لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، أنها كانت على علاقة بمغربي يكبرها بـ7 سنوات يعيش بالقرب من منزل عائلتها، وسافر إلى سوريا نهاية 2013 والتحق بتنظيم «داعش» وطلب منها القدوم؛ فوافقت دون تردد وسافرت بداية 2014... تقول: «لم أخبر أحداً خشية افتضاح أمري وإبلاغ السلطات الهولندية، لكن عندما أصبحت أُمّاً أدركت ماذا يعني قلب الأم. لقد أخطأت بحق أسرتي». تقول أماليا إن زوجها المغربي قتل بمعركة الرقة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 وترك لها طفلاً لا يمتلك جنسية أو بطاقة شخصية... «أخشى أن يولد طفلي الثاني من دون وثائق أيضاَ. هنا الظروف سيئة للغاية، ومصيرنا مجهول».
وقالت سيدة ألمانية تدعى ريبيكا وتبلغ من العمر 30 عاماً، إنها قدمت إلى سوريا صيف 2015 وتزوجت بمقاتل ألماني في صفوف التنظيم، ليقتل بعد عام من زواجهما، ثم تزوجت بمقاتل روسي، وأضافت: «لم أعد أملك المال لأعيش هنا، ولا توجد اتصالات كي أطلبه من عائلتي المقيمة في بلدي»، ثم تساءلت باستغراب: «متى سنخرج من هنا؟ يجب إخراجنا سريعاً! حالتي تزداد سوءاً كل يوم».
وترفض ألمانيا ومعظم الدول الغربية استعادة رعاياها من مواطنيها الموجودين في مخيم الهول والمحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية». وهذه الألمانية أم لطفلين؛ الأول عمره 4 سنوات ونصف؛ من زوجها الألماني الذي قتل بغارة جوية من طيران التحالف، والثاني يبلغ 10 أشهر وولد في الباغوز من مقاتل روسي؛ والأخير فقد أثناء المعركة ولا تعلم عنه شيئاً. تضيف: «لهذه الدرجة أصبحت عبئاً على حكومتي حتى ترفض استقبالي، ماذا فعلت؟! كنت ملازمة المنزل طوال الوقت ولم أرتكب جريمة، لقد خدعت كحال الجميع».
وبحسب لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في سوريا، وصفت الوضع في مخيم الهول بأنه «مروّع» ودعت المجتمع الدولي إلى التحرك، وقال رئيسها باولو بينيرو في تصريحات صحافية أخيرة: «معظم الأطفال البالغ عددهم 3500 طفل والمحتجزين هناك، لا يملكون وثائق ولادة. إنهم يخاطرون بتركهم عديمي الجنسية، لأن دولهم تبدو غير راغبة في إعادتهم إلى الوطن، خوفاً من ارتباطهم بالتطرف».
أما الفرنسية أمياي (25 سنة) فما زالت متمسكة بوهم أنها ساعدت نساء سوريا وأطفالهن ضد ظلم النظام الحاكم، حيث قضت 6 سنوات في هذا البلد المضطرب ولم تخفِ تأثرها بتلك الصور والمشاهد التي عرضتها منصات التواصل الاجتماعي. أنجبت طفلاً من مقاتل فرنسي لقي هو وأبوه مصرعهما في معارك الرقة، لتتزوج بمقاتل مغربي ورزقت بطفلة عمرها 3 سنوات وطفل ثان عمره نحو العام، غير أنّ والدهما قتل في معارك الباغوز وهي حامل منه، وقالت: «لم أدرك مصاعب توثيق وتثبيت مواليد أطفالي والحصول على وثائق وجوازات سفر. كنا في حالة حرب، واليوم نعيش تحت رحمة خيمة».
وما يزيد الوضع تعقيداً غياب قنصليات معظم الدول والتي لا تملك القدرة على تقديم الخدمات أو تستطيع الوصول إلى مواطنيها في المنطقة، لغياب مكاتب قنصلية رسمية في المناطق الخاضعة لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» شمال شرقي سوريا.
وتبقى آمال النسوة الثلاث معلَّقَة وعيونهنّ منصوبة نحو مستقبل مجهول؛ إذ يخشين من ترحيل المقاتلين الأجانب إلى دولهم وفصلهم عن زوجاتهم وأطفالهم بعد الإفراج عنهم لتستمر إجراءات محاكمتهم قانوناً، بينما يبقى مستقبل الأطفال هو الأكثر غموضاً وتعقيداً لا سيما مع وجود 300 طفل يتيم قتل آباؤهم وأمهاتهم في المعارك الدائرة بسوريا. وبينما ترفض المنظمة الأممية «يونيسيف» والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة استيعابهم؛ تحجم إدارة مخيم الهول عن منحهم وثائق ثبوتية، وبالكاد يتم تعريفهم بـ«يتامى المخيم».
7 آلاف طفل «مكتوم القيد» في مخيم الهول لرفض دول «آبائهم» استعادتهم
إدارة المخيم تحجم عن منحهم وثائق... وبالكاد يتم تعريفهم بـ«يتامى المخيم»
7 آلاف طفل «مكتوم القيد» في مخيم الهول لرفض دول «آبائهم» استعادتهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة