حملة نتنياهو تغامر بالرهان في وادي الأردن

احتمالات لجوء إسرائيل إلى الاستفادة من الغيبوبة العربية والدولية غير مستبعدة

مناصرو رئيس الوزراء الإسرائيلي يدفعون باستوديو حزب الليكود إلى سوق كرمل بتل أبيب (أ.ف.ب)
مناصرو رئيس الوزراء الإسرائيلي يدفعون باستوديو حزب الليكود إلى سوق كرمل بتل أبيب (أ.ف.ب)
TT

حملة نتنياهو تغامر بالرهان في وادي الأردن

مناصرو رئيس الوزراء الإسرائيلي يدفعون باستوديو حزب الليكود إلى سوق كرمل بتل أبيب (أ.ف.ب)
مناصرو رئيس الوزراء الإسرائيلي يدفعون باستوديو حزب الليكود إلى سوق كرمل بتل أبيب (أ.ف.ب)

السيف الأمضى الذي شهره بنيامين نتنياهو في وجه خصومه كان وعده لناخبيه بضم غور الأردن في الضفة الغربية، إلى إسرائيل، في حال فوزه في الانتخابات التشريعية التي ستجري الثلاثاء في 17 سبتمبر (أيلول) الجاري.
إلى جانب الإدانة الشديدة التي قابل بها العالم العربي والاتحاد الأوروبي وروسيا، الوعد، رأى سياسيون ومعلقون إسرائيليون فيه خطوة يائسة من رئيس الوزراء وزعيم الليكود للتغلب على تحالف «أزرق أبيض» الذي ما زال يتقدم على الليكود في استطلاعات الرأي. من وجهة نظر إسرائيلية، سيعيد الوعد بضم وادي الأردن وشمال البحر الميت إحياء النقاش حول الوضع الحالي في الضفة الغربية والاحتلال المستمر، من دون آفاق لتغيير الوضع الحالي، وخصوصا فيما يتعلق بمنطقة الغور والبحر الميت. وهذا ما يضعف موقف إسرائيل التفاوضي أمام العالم بعدما ألقت باللائمة في جمود العملية السياسية على الفلسطينيين الرافضين لكل أنواع التسويات، بحسب الرواية الإسرائيلية.
ورأى هؤلاء السياسيون، أن نتنياهو، يعرّض بأنانيته المفرطة وبرغبته في الفوز بأي ثمن، الأمن الإسرائيلي للخطر عبر جلبه موضوع ضم الأراضي الفلسطينية إلى حلبة الانتخابات، من دون انتباه إلى الحساسية الشديدة التي يتسم بها الموضوع الذي قد يغير الموقف الدولي رغم التأييد الأميركي غير المسبوق الذي يتبجح نتنياهو به بعدما حصل على اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل وبعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
لكن في منأى عن مجريات الصراع الانتخابي، يتفق مراقبون على أن الوضع الحالي في الضفة الغربية وغزة يقترب من نقطة تحول عميقة، إذ أن الجمود الحالي، وإن كانت إسرائيل تستفيد منه وتستثمر فيه، قد ينشئ واقعا جديدا غير قابل للسيطرة، حتى في إطار أكثر التصورات الإسرائيلية تشددا. ويبدو أن حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، على أراضي فلسطين التاريخية لم يعد قائما في حسابات القوى الدولية الكبرى التي تعتبر أن سياسة إسرائيل في فرض «حقائق على الأرض» من خلال البناء الاستيطاني الكثيف وتشجيع المستوطنين على البقاء في الأراضي المحتلة، قد أفلحت في تبديل الوضع على نحو لا عودة عنه. بكلمات ثانية، ستحصل إسرائيل على الموافقة الدولية على الاحتفاظ بكتلها الاستيطانية في الضفة، ما يطيح عمليا بإمكان إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي. ويتفاقم الوضع الفلسطيني سوءا إذا أضيفت حالة قطاع غزة واستعصاء المصالحة بين الأطراف الفلسطينية المتصارعة.
في المقابل، ما من مناصرين جديين لحل الدولة الواحدة ذات القوميتين، العربية والإسرائيلية. فهذه الدولة المفترضة ستحتوي على ما يزيد عن نصف السكان من الفلسطينيين ما يلغي مقولة الوطن القومي اليهودي الذي جاء قانون يهودية الدولة الإسرائيلي الذي أقر في يوليو (تموز) 2018. لتكريسه. تترك هذه المعطيات خيارات قليلة للخروج من المأزق القائم، منها تبني إسرائيل لحل الدولة الواحدة، لكن في سياق شديد الاختلاف عن فكرة الدولة الديمقراطية التي يتساوى فيها العرب واليهود.
التلويح بضم وادي الأردن يعني أن إسرائيل على استعداد لاتخاذ خطوات عنيفة لتحقيق هذه الغاية، من بينها افتعال اضطرابات واعتداءات تصيب الفلسطينيين لدفعهم خارج الضفة الغربية. هذا الخيار الذي نوقش في سبعينات وثمانينات القرن الماضي تحت عنوان «الترانسفير» أو الطرد الإجباري للفلسطينيين خارج أرضهم، سقط بفضل تمسك هؤلاء بالبقاء حيث هم، من جهة، وبسبب عدم ملاءمة الأجواء الدولية له في ظل الحرب الباردة أولا ثم ظهور عملية السلام في التسعينات والرهانات الكبيرة التي وضعت عليها.
اليوم، يبدو المناخ الدولي وقد مسه الجنون. لا ضوابط ولا مؤسسات دولية فاعلة وانهيار في النظام السياسي العربي. وإذا أضيف على ذلك موقف المتفرج الذي اتخذه المجتمع الدولي إزاء مآسي اللجوء الهائلة التي شهدتها سوريا، خصوصا، وأمام تدمير مجتمعات بأسرها في عدد من البلدان العربية بفعل الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، تبدو احتمالات لجوء إسرائيل إلى الاستفادة القصوى من حالة الغيبوبة العربية والدولية لفرض سيطرتها على الضفة غير مستبعدة على النحو الذي كانت فيه قبل عشر سنوات فقط.
ولعل هذا من الوجوه الأخطر التي تكتسبها الانتخابات الإسرائيلية الحالية التي عاد فيها نتنياهو إلى التركيز على المسائل الأمنية والخارجية التي مزجها ببعضها، من التصدي للتمدد الإيراني في سوريا والعراق ولبنان، إلى رفع مستوى الخطاب العنصري ضد فلسطينيي الـ48، إلى حدود غير مسبوقة وصولا إلى الجهر برغبته في ضم وادي الأردن، مستخفا بكل العواقب التي قد تثيرها هذه الخطوة والأهوال التي قد تنجم عنها.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».