تقرير مصور من منزل قاضي محاكمة مبارك يفتح باب الجدل في مصر

فقهاء قانون لـ {الشرق الأوسط} : سابقة أولى تخالف «أدبيات القضاء»

المستشار محمود الرشيدي
المستشار محمود الرشيدي
TT

تقرير مصور من منزل قاضي محاكمة مبارك يفتح باب الجدل في مصر

المستشار محمود الرشيدي
المستشار محمود الرشيدي

وصف فقهاء القانون المصري التقرير المصور من داخل منزل رئيس المحكمة المسؤولة عن محاكمة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وآخرين، والذي جرى بثه في مطلع جلسة الأمس بأنه تصرف «لا لزوم له» ويعد «سابقة أولى في تاريخ القضاء المصري»، قائلين لـ«الشرق الأوسط» إنه «يخالف الأدبيات المعروفة للقضاء». وذلك بالتزامن مع إعلان نشطاء وحقوقيين تخوفهم وقلقهم من أن يكون «كل ذلك التبرير مقدمه لحكم بتبرئة مبارك لاحقا».
وقامت قناة «صدى البلد» المصرية الخاصة بإعداد التقرير المصور من داخل منزل المستشار محمود الرشيدي، وهي القناة التي حصلت سابقا على حقوق حصرية لبث وقائع القضية منذ انتهاء قرار حظر النشر فيها.
وقامت مذيعة بالقناة بالتجول داخل غرفتين ممتلئتين بأوراق وملفات القضية في منزل القاضي، مستعرضة مختلف الأوراق التي تفوق 160 ألف ورقة أمام كاميرات القناة، دلالة على كثرة أوراق القضية وتشابكها وتعقيداتها.
لكن قانونيين عقبوا على هذا المقطع المصور الذي أثار جدلا حول مغزاه داخل الشارع المصري، بالقول إن ذلك «سابقة في القضاء المصري»، واصفين إياه بأنه تصرف «يخالف أدبيات القضاء»، فيما توجس حقوقيون من أن يكون مقدمة لـ«حكم بعينه»، من شأنه تبرئة الرئيس الأسبق من كل ما هو منسوب إليه.
وقال الفقيه القانوني الدكتور محمد نور فرحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه هي المرة الأولى التي تحدث في تاريخ القضاء المصري أن تعرض محكمة فيلما تبرر به قرارها بمد أجل الحكم. وهذا عموما غير مطلوب من القاضي أن يبرر ما يصدره من قرارات إجرائية، بل المطلوب منه أن يسبب ما ينطق به من أحكام.. لكن المحكمة هي صاحبة السلطة والتقدير في هذا الأمر؛ ولا تعليق».
ويضيف الدكتور فرحات: «لهذا يشدد رجال القانون ورجال القضاء دائما على المحاكم ألا تخاطب الرأي العام، لأن مخاطبة المحكمة للرأي العام بالشرح والتفسير والتبرير قد تؤدي إلى حمل كلماتها لأكثر مما تحتمل».
من جانبه، استنكر المستشار رفعت السعيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، عرض الفيلم التسجيلي، وقال في مداخلة هاتفية مع قناة «الحياة» المصرية: «أترك مذيعا يدخل بيتي ويفتح الأحراز ليطلع على بعض الأوراق؟ هذا أمر لم يحدث في تاريخ مصر». وأضاف السعيد أن «قضية القرن استثنائية، ولأول مرة تُذاع قضية عبر شاشات التلفزيون، إذ من ضمن الاستثناء أيضا عملية تصوير منزل القاضي والاطلاع على المستندات، لكن أرجو ألا يحدث ما حدث مرة أخرى».
لكن الخبير الدستوري والقانوني الدكتور شوقي السيد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المحكمة تبرر أو تمهد لقرارها لمد أجل الحكم، وتريد أن تقول إن القضية كبيرة وعدد صفحاتها ضخم، وأنها لم تتوان في تصنيف أوراق القضية». ويرى الدكتور السيد أن حديث القاضي عن المادة 14، وهي الخاصة بوفاة المتهم قبل النطق بالحكم، يؤيد وجهة نظره في سعي المحكمة للتمهيد وأنها لم تدخر جهدا في القضية. مؤكدا أن واقعة التقرير المصور لا تتعارض مع القانون بحسب علمه.
وبدوره، يقول نقيب المحامين المصريين سامح عاشور لـ«الشرق الأوسط» إن التقرير المصور لا لزوم له، لأن المحكمة بالأساس لا تحتاج إلى تبرير ولا تحتاج إلى شهادة مرئية تؤكد عدد أوراق القضية الضخم، والمفترض أنها مصدقة دون أي استدعاءات أخرى تساعدها على ذلك. مؤكدا أن «من حق المحكمة أن تمد أجل الحكم دون تبرير، وهذا حقها».
وأشار عاشور إلى أنه «من غير المألوف أن يطلع الناس على أوراق القضية في منزل القاضي، أو وجود أشخاص غريبة عن أصحاب القضية، وهم الدائرة القضائية وأمين سرها والنيابة العامة، في ذلك المحيط».
ويرى عاشور أن اطلاع طرف خارجي على أوراق القضية، حتى وإن كان اطلاعا شكليا، أمر غير محبذ، وإن كان لا يخالف القانون. مضيفا: «ذلك يخالف أدبيات القضاء، وجديد عليها. حيث إن مكان مداولة القاضي يفترض ألا يوجد فيه غير القضاة، لا في غيبتهم ولا في حضورهم». مستبعدا إمكانية أن يكون ذلك التقرير سببا لطعن أحد أطراف القضية لاحقا، بقوله: «ليس له علاقة بالطعن، ولكن له علاقة بإحساس المتقاضي بالقاضي وبالقضية».
وعلى سياق ذي صلة، أبرز ناشطون سياسيون تخوفهم من أن يكون التقرير في ذاته تمهيدا لقرار المحكمة النهائي، في إشارة إلى تبرئة مبارك. مؤكدين أن إسناد عرض التقرير إلى قناة خاصة «معروفة بتأييد نظام مبارك ومهاجمة ثورة 25 يناير أمر لا يبشر بالخير، وكان من الأفضل إسناد ذلك إذا كان هناك من حاجة إليه إلى التلفزيون الرسمي المصري».
كما أعرب حقوقيون مصريون عن اندهاشهم من الواقعة، وقال جورج إسحق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في تصريحات صحافية إنه يعتقد أن عرض المحكمة لتقرير مصور عن عدد الأوراق في قضية قتل المتظاهرين يمهد «لبراءة مبارك». فيما وصف جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ما حدث خلال الجلسة بأنه «غير قانوني؛ ومقلق».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.