الدينار التونسي يستعيد بعض عافيته مقابل العملات الأجنبية

خبراء يشككون في «ظرفية الصعود»

الدينار التونسي يستعيد بعض عافيته مقابل العملات الأجنبية
TT

الدينار التونسي يستعيد بعض عافيته مقابل العملات الأجنبية

الدينار التونسي يستعيد بعض عافيته مقابل العملات الأجنبية

أكدت مصادر حكومية تونسية أن الدينار التونسي استعاد خلال الفترة الأخيرة جانبا من قيمته المفقودة منذ سنوات، إذ تمكن من رفع قيمته في المعاملات المالية بنسبة 10 في المائة مقابل اليورو الأوروبي، وما لا يقل عن 7 في المائة مقابل الدولار الأميركي، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ سنوات.
وأشار مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي، إلى أن سعر صرف الدينار شهد منذ شهر مارس (آذار) الماضي «توجها تصحيحيا تصاعديا» بنسبة 10 في المائة، ليصل حاليا إلى 3.17 دينار لليورو الواحد، بعد أن كان قد اقترب من مستوى 3.5 دينار. أما سعر الدولار فقد تراجع بدوره من ثلاثة دنانير إلى 2.8 دينار للدولار الواحد.
وفسر خبراء تونسيون في الاقتصاد والمالية هذا التوجه الإيجابي، بثلاثة عوامل رئيسية، تتمثل في تطور تكافؤ قيمة صرف اليورو مقابل الدولار في السوق الدولية، ووضعية السيولة بالعملة الأجنبية في السوق المحلية التي نمت من 73 يوم توريد، إلى 97 يوما، علاوة على توقعات الفاعلين الاقتصاديين باستعادة النمو المحلي جانبا مهما من عافيته خلال الأشهر المقبلة.
وشكك عدد آخر من الخبراء والمختصين في هذه الانتعاشة الظرفية، وأكدوا أنها عائدة إلى ارتفاع عائدات بعض الأملاك المصادرة، واعتبروا هذا الاستقرار «اصطناعيا»، وهو ناجم بالأساس عن سلسلة من تدخلات البنك المركزي التونسي على مستوى سوق الصرف ودعم السيولة المالية.
وفي هذا الشأن، قال مراد بلكحلة، الخبير الاقتصادي التونسي، إن قيمة العملة المحلية تعكس مدى صلابة الاقتصاد المحلي، وهي تتأثر سلبا وإيجابا بالنتائج الاقتصادية المسجلة ولا يمكن الحديث عن عملة قوية في ظل تذبذب اقتصادي وركود على مستوى النمو الاقتصادي. وأشار إلى أن العملة المحلية استعادت جانبا من عافيتها، لكن المسألة ظرفية على ما يبدو، ومن الضروري تدعيم هذه الخطوة من خلال تحفيز المحركات الأساسية للاقتصاد على غرار التصدير والاستثمار حتى تتواصل هذه الانتعاشة، على حد تعبيره.
وعلى الرغم من لهجة التفاؤل التي طبعت تصريحات الهياكل الرسمية في تونس، فإن عدة مؤشرات اقتصادية ما تزال تعاني من أزمة متواصلة، إذ لم يتمكن الاقتصاد التونسي سوى من تسجيل نسبة نمو لا تزيد على 1.1 في المائة خلال النصف الأول من 2019، مقابل توقعات أولية ببلوغ نحو 3 في المائة مع نهاية السنة، وهي نسبة من المستحيل الوصول إليها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وتشير تقارير رسمية إلى ضعف إقبال المستثمرين الأجانب وتواصل أزمة المداخيل بالعملة الصعبة المتأتية من القطاع السياحي على الرغم من الانتعاشة التي عرفها، وانخفاض نسبة النمو، والتفاقم غير المسبوق للعجز التجاري الذي بلغ السنة الماضية حدود 19 مليار دينار تونسي (نحو 6.3 مليار دولار)، وزيادة نسبة المديونية التي قدرت بنحو 73 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على معاناة الاقتصاد التونسي من التخفيض المتكرر للتصنيف السيادي، وتواصل الشكوك حول الدعم المالي الدولي، وصعوبة اللجوء إلى الأسواق المالية التي باتت تفرض نسب فائدة كبيرة على السلطات التونسية.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.