طبقا لما يجري تداوله في مختلف وسائل الإعلام العراقية، فضلا عن التسريبات هنا أو هناك، فإن الخلافات داخل ائتلاف دولة القانون، وحتى داخل الحلقة الضيقة منه، ممثلة بحزب الدعوة، بدأت تتسع إلى حد كبير.
وحسب المعلومات المتداولة، فإن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لا يبدو راضيا عن منصب نائب رئيس الجمهورية، الذي مُنح له من باب الترضية، مثلما يرى البعض، أو توفير الحصانة له ضد ملاحقات قانونية، مثلما يرى آخرون.
ولخّص مصدر سياسي مطلع لـ«الشرق الأوسط» طبيعة الخلاف بين المالكي من جهة، ورئيس الوزراء حيدر العبادي من جهة أخرى، بأنه «بات يتمحور حول عدة مسائل مهمة، من أبرزها إصرار المالكي والأطراف المؤيدة له داخل ائتلاف دولة القانون على ترشيح هادي العامري زعيم منظمة (بدر)، التي لديها 22 نائبا داخل ائتلاف دولة القانون لمنصب وزير الداخلية، بينما العبادي لا يزال يرفض».
ويرى المصدر أنه «في الوقت الذي باتت فيه قرارات العبادي التي تحمل كثيرا من سمات التمرد على زعيمه في حزب الدعوة وفي دولة القانون معا، نوري المالكي، نابعة مما بات يحظى به العبادي من دعم أميركي منقطع النظير، فإن هناك بعدا آخر لاستمرار رفض العبادي لتولي العامري وزارة الداخلية، يتمثل في انسحاب منظمة بدر من ائتلاف دولة القانون، وهذا يعني خسارة 22 مقعدا مما يفقد ائتلاف المالكي كثيرا من صيغ المناورة، بعد أن خرجت منه كتلة «مستقلون» بقيادة حسين الشهرستاني، الذي تسلم حقيبة التعليم العالي من القيادي البارز في حزب الدعوة علي الأديب، الذي لا يزال يعاني من خسارته حقيبة السياحة والآثار، وهو ما سينعكس على ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة أيضا».
المصدر المسؤول يمضي قائلا إن «المالكي عارض بشدة قرار العبادي بإيقاف قصف المدن، وعندما حصلت مجزرة الصقلاوية، عدها نتيجة لقرارات خلفه الخاطئة، الأمر الذي أدى إلى حصول مشاحنة بينهما قبيل سفر العبادي إلى نيويورك».
ويضيف المصدر: «بينما قال المالكي للعبادي إن قراراته بوقف قصف المدن هي السبب فيما حصل، فإن العبادي أبلغ سلفه بأن قراراته طوال السنوات الماضية هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم».
مع ذلك، لم تنتهِ الحكاية عند هذا الحد، فطبقا للمصدر المسؤول «بدا العبادي يتحرش بجهات سياسية، ولها أذرع عسكرية موالية للمالكي، أبرزها جماعة عصائب أهل الحق، وذلك بأن طلب منهم إعداد كشوفات ذمة مالية، وكذلك بالأسلحة التي تسلموها». لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد. فالأطراف المؤيدة للمالكي باتت ترى أن العبادي ربما يكون خرج تماما عن بيت الطاعة الشيعي، بما في ذلك الموقف من إيران، فالعبادي الذي رحب كثيرا بالدعم الدولي، بدا ترحيبه بالدعم الإيراني محدودا، كما أنه لم يتخذ موقفا جراء رفض أميركا انضمام إيران للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش».
أمام هذا الوضع، لم يتبق سوى الحرب ضد العبادي، وأولها الهجوم الذي بات يتعرض له على الإنترنت، مما يوصف بأنه «جيش إلكتروني» جرى تأسيسه في أواخر عهد المالكي للدفاع عنه أولا، ولمواجهة خصومه ثانيا. يضاف إلى هذا «الجيش» المظاهرات التي يجري الإعداد لها للانطلاق في الـ30 من هذا الشهر. وأولى «بروفات» هذه المظاهرات بدأت أمس في مدينة البصرة تحت ذريعة عدم نيل المحافظة الغنية بالنفط استحقاقها من التشكيلة الوزارية الجديدة. كما رفع المتظاهرون شعارات طالبت بتحويل البصرة إلى إقليم فيدرالي. لكن بعض قيادات المتظاهرين نفوا أن يكون ائتلاف دولة القانون وراء هذه المظاهرات.
ويبدو أن الحرب ضد العبادي موضع خلاف داخل ائتلاف دولة القانون؛ فالنائبة هدى سجاد رأت في تصريح أمس أن «هناك جهات تدعم بالمال تنظيم مظاهرات ضد رئيس الوزراء حيدر العبادي»، مضيفة أن «هذه الدعوات أطلقت في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي دعوات مدسوسة يُراد منها إسقاط الحكومة الشيعية في العراق، وليس إسقاط العبادي كشخص».
وأكدت أن «العبادي أعلن عن برنامجه الحكومي، وصوت عليه مجلس النواب، لكن هناك من يعمل على التشكيك في عمل العبادي وبرنامجه لأجل خلق الفوضى في البلاد لتحقيق أجندة خارجية».
وبينما ينتظر الرأي العام العراقي مظاهرات يوم 30 من هذا الشهر ضد العبادي، فإن الأخير لا يبدو عليه في وارد الاهتمام بها. فإجراءاته طالت أخيرا ما كان ينظر إليه على أنه عرين المالكي، وهو مكتب القائد العام للقوات المسلحة، الذي ألغاه، وهو ما يعني تشتيت العشرات من كبار الضباط الذين كان قسم منهم يوالي المالكي، بين النقل إلى مواقع أقل أهمية أو الإحالة إلى التقاعد. وبينما لا يبدو هناك رضا كامل من قبل السنّة والأكراد على إجراءات العبادي إلا أنهم يطرحون أنفسهم اليوم بوصفهم الداعم الأكبر له. فالتحالف الكردستاني، وعلى لسان عضو لجنة الأمن والدفاع السابق شوان محمد طه، أعلن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما أقدم عليه العبادي من إجراءات أخيرا ننظر إليها بارتياح، لا سيما الإجراءات العسكرية، مثل إلغاء مكتب القائد العام، وإحالة بعض كبار الضباط إلى التقاعد، فضلا عن حضور عدد من القادة الأمنيين جلسات البرلمان، وهو ما لم يحصل خلال الدورة الماضية، وهذا أمر مهم على صعيد إعادة بناء المؤسسة العسكرية بشكل صحيح».
وأضاف طه أن «المهم بالنسبة لنا هو بدء مرحلة جديدة مستفيدين من الدعم الإقليمي والدولي، وهو ما لم يحصل سابقا».
في السياق ذاته، أكد القيادي في تحالف القوى العراقية محمد الخالدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إجراءات العبادي مهمة حتى الآن، وتدل على وجود رغبة حقيقية له للإصلاح، ونحن ندعم بقوة هذه الإجراءات، لكننا نريد إجراءات فاعلة على الأرض»، وعد أن ما تقوم به جهات شيعية ضد العبادي «محاولة لتخويفه من أجل أن لا يمضي قدما في الإصلاحات الموعودة التي تضمنتها وثيقة الإصلاح الحكومي التي جرى التوقيع عليها من قبل الجميع، بما في ذلك الأطراف الفاعلة في التحالف الوطني، مثل التيار الصدري والمجلس الأعلى والفضيلة والإصلاح، وحتى أطراف مهمة داخل دولة القانون».
العبادي الذي يجد أن حربه المقدسة ضد «داعش»، لم يكن يتوقع أن يتحول (طبقا لهجوم الجيش الإلكتروني عليه) إلى «خائن شيعي» و«خائن بريطاني»، انطلاقا من جنسيته التي تخلى عنها، مثلما نقلت بعض وسائل الإعلام. مع ذلك، لا يزال يلتزم الصمت حيال أولى حروب الشيعة ضده، بينما يؤجل كل من السنّة والأكراد مواجهتهم معه إلى ما بعد الفترة الانتقالية التي حددوها له، وهي 3 أشهر. لكن الحلف الأمتن للعبادي يبدو أنه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أطلق استراتيجية لدعم العبادي ومحاربة «داعش» تستمر لسنوات.
وسط استيائه من منصبه نائبا للرئيس.. المالكي يحشد «جيشا إلكترونيا» ضد العبادي
حملة على الإنترنت تتهم رئيس الوزراء الجديد بـ«الخيانة».. والتخطيط لمظاهرات ضده بعد غد
وسط استيائه من منصبه نائبا للرئيس.. المالكي يحشد «جيشا إلكترونيا» ضد العبادي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة