تحليل سياسي: ألمانيا تدخل على خط الأزمة الليبية لإحياء المسار السياسي

TT

تحليل سياسي: ألمانيا تدخل على خط الأزمة الليبية لإحياء المسار السياسي

انهيار المسار السياسي في ليبيا، واستمرار القتال بين الجيش الوطني، بقيادة الجنرال خليفة حفتر، وقوات حكومة فايز السراج في طرابلس، دفعا بألمانيا إلى الدخول على خط الأزمة الليبية، ومحاولة التوسط بين الأفرقاء قصد إعادة إحياء المسار السياسي من خلال مؤتمر يضم الأفرقاء الليبيين، بحسب ما كشفت مصادر في وزارة الخارجية الألمانية لـ«الشرق الأوسط».
ورغم إعلان برلين رسميا عن نيتها استضافة مؤتمر بهذا الحجم، إلا أن التحضيرات له ما زالت في بداياتها. وبحسب مصدر في الخارجية فإن برلين «بدأت عملية المشاورات الدولية مع الأطراف الأكثر صلة بالأزمة الليبية، والتشاور مع الأمم المتحدة». وكان أوليفر أوفتشا، سفير ألمانيا في ليبيا، قد أعلن على حسابه على «تويتر» عن نية بلاده استضافة المؤتمر في الخريف المقبل.
وتصر برلين على التأكيد على دعمها لمسار الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى ليبيا غسان سلامة. وتقول إنها لا تسعى لإطلاق مسار مواز لمسار الأمم المتحدة، مبرزة أن مبادرتها هذه يقودها «القلق الكبير من الوضع في ليبيا»، بحسب ذات المصدر، الذي أكد أن «العملية السياسية انهارت، ومع ذلك فإن حلا سياسيا بات حاجة ملحة».
وقد أكد ذلك وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن بلاده تدعم «بشكل كامل» خطة سلامة المؤلفة من ثلاث نقاط لحل الأزمة الليبية، وأنها «تشكل نقطة جيدة لإعادة إطلاق العملية السياسية المتوقفة في ليبيا».
كما شدد ماس على أن العملية السياسية تعد أساسية «لإحلال سلام دائم» في ليبيا. وانطلاقا من هنا، أوضح ماس، أن ألمانيا تريد إطلاق عملية تشاور مع الأطراف المعنية «قد تؤدي إلى عقد مؤتمر في مرحلة ما»، وتسعى لـ«خلق شروط» لتحقيق ذلك.
ورغم هذا التأكيد الألماني على دعم المسار الدولي، يبدو أن الأمم المتحدة خارج التحضيرات المتعلقة بهذا المؤتمر. وقد قال المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ردا على سؤال «الشرق الأوسط» حول دور البعثة في هذا المؤتمر، بأن لا برلين «هي من تقود هذه الجهود».
ويبدو أن ألمانيا تسعى للحصول على إجماع دولي واضح حول المؤتمر، قبل دعوة الأطراف الليبية التي نفت علمها بالتحضير له، أو تلقيها دعوة لحضوره. وفي هذا السياق، يعتقد كريستيان هانلت، المحلل السياسي المختص في قضايا الشرق الأوسط في معهد برتلسمان شتيفتونغ، أن المشاورات التي ستحصل في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة في الأمم المتحدة، التي تنطلق الأسبوع المقبل، «ستكون حاسمة في تحديد ما إذا ستتمكن برلين من إقناع الحكومات الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة الليبية بالانضمام إلى مبادرتها».
ويرى هانلت أن برلين «تهدف لإقناع اللاعبين الدوليين، الذين يدعمون أطرافا مختلفة في الصراع الليبي بالعودة إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن حول ليبيا بشكل فعال، حتى تتمكن الأمم المتحدة من لعب دورها كوسيط لوقف الحرب الأهلية هناك».
وكان الوسيط الأممي قد نجح في إقناع الأطراف الليبية بالمشاركة في مؤتمر للتصالح، كان من المفترض أن يحصل في أبريل (نيسان) الماضي، لكن المعركة التي أطلقها حفتر باتجاه طرابلس أوقفت العملية، التي ما زالت مؤجلة منذ ذلك الحين. ورغم التقدم السريع الذي حققه حفتر في البداية باتجاه طرابلس، إلا أن تقدمه توقف بعد فترة، رغم استمرار المعارك والهجمات، التي تنفذها قواته على العاصمة.
وفي أوروبا التي تعاني بشكل مباشر من الانفلات الأمني في ليبيا، وأزمة الهجرة القادمة من هناك عبر البحر إليها، فإن الانقسام الفرنسي - الإيطالي يصعّب على الاتحاد الأوروبي الخروج بموقف موحد حول الأزمة. ففي حين تدعم فرنسا الجيش الوطني برئاسة حفتر، تقدم إيطاليا دعمها لحكومة السراج. فيما تقف ألمانيا في الوسط، رافضة أن تدعم طرفا على حساب آخر. ورغم استضافة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للسراج في مقرها في برلين السراج في مايو (أيار) الماضي، إلا أنه لم يصدر عنها مواقف يمكن اعتبارها مؤيدة لحكومة السرج على حساب حفتر، حيث اكتفت هي ووزير خارجيتها بالدعوة إلى وقف الاقتتال والعودة للحوار.
ومنذ بدء زحف حفتر إلى طرابلس، تسعى برلين لتوحيد الصف الأوروبي والخروج بموقف موحد. ويبدو أنها قد تنجح بذلك أخيرا. وفي هذا السياق يعتقد هانلت أن السبب يعود الآن للتغير الذي حصل في إيطاليا بعد دخول حكومة جديدة إلى السلطة. ويقول موضحا: «بسبب قربها الجغرافي، فإن ليبيا تشكل معضلة للدبلوماسية الأوروبية، ومؤخرا كان الدور الأوروبي في ليبيا مشلولا بسبب المصالح المتناقضة لفرنسا وإيطاليا هناك، حيث تدعم كل دولة علنا الطرف المنافس، فرنسا بنغازي، وروما طرابلس». لكنه يضيف أنه «مع دخول حكومة جديدة في إيطاليا، فقد ظهرت فرصة لتقوية الإجماع الأوروبي الداخلي حول الملف الليبي».
ويشير هانلت إلى أن وزراء خارجية دول الاتحاد الـ28 أكدوا على ذلك في بيان بعد اجتماعهم في هلسنكي قبل أسبوعين.
وما يمكن ألمانيا من لعب هذا الدور، قربها من فرنسا، وحفاظها «على علاقات ثنائية خاصة معها، فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، وهذا يفتح الباب أمام برلين للعب دور رائد في الوساطة الدبلوماسية في الأزمة الليبية».
ولعبت ألمانيا في الماضي دورا مهما في الأزمة الليبية بعد سقوط القذافي. فبين 2015 و2017 كان الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر هو الوسيط الأممي. ورغم تعرضه لانتقادات كبيرة، واتهامات بأنه يميل لدعم الجماعات المرتبطة بـ«الإخوان»، إلا أنه زاد من الاهتمام الألماني بالأزمة الليبية.
ويساعد ألمانيا على لعب دور الوسيط الحيادي واقع أنها امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن للتدخل العسكري في ليبيا عام 2011. ولعل السبب الأهم، الذي يدفع بألمانيا للسعي لوقف القتال هناك، هو تأثرها المباشر بأزمة عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر المتوسط، قادمين بشكل أساسي من ليبيا.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».