تحليل سياسي: انتخابات تونس... طريق شاق نحو الديمقراطية يصعب التنبؤ بنتيجته

TT

تحليل سياسي: انتخابات تونس... طريق شاق نحو الديمقراطية يصعب التنبؤ بنتيجته

يختار أكثر من 7 ملايين ناخب تونسي بعد غد الأحد رئيسهم المقبل، في ثاني انتخابات رئاسية حرة في تاريخ البلاد، لكن يصعب كثيراً التنبؤ بنتيجتها، بحسب جلّ المراقبين. ويخوض السباق 26 مرشحاً، أحدهم من السجن. وتتشابه برامجهم الانتخابية، وسط خيبة أمل واسعة بين الناخبين من عدم تحقق الوعود، ولا سيما على الصعيد المعيشي والاجتماعي، برزت بعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي. وبالتالي، لم يبرز اتجاه واحد يعطي الأولوية لمرشح على حساب آخر.
يقول الكاتب الصحافي، زياد كريشان، لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك مجموعة من المرشحين البارزين، وكل التكهنات واردة»، معتبراً أنه «من الصعب جداً التكهن بنتيجة الدورة الأولى، أو ما سيليها». فيما المحلل السياسي حاتم مراد من جهته، يرى أن «هذه الانتخابات تحكمها الضبابية بامتياز». وكان الانقسام واضحاً خلال الانتخابات الرئاسية عام 2014، بين إسلاميين وأنصار الحداثة. لكن المشهد السياسي في 2019 يتوزع بين أقطاب عدة، بحسب مراد، إسلاميين، علمانيين، شعبويين، أنصار النظام السابق.
ومن المرشحين البارزين نبيل القروي، مؤسس قناة «نسمة» التلفزيونية، وزعيم حزب «قلب تونس»، الذي وجّهت له السلطات في 8 يوليو (تموز) الماضي تهمة «تبييض الأموال»، لكنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أكّدت أن ترشيحه لا يزال سارياً، ما لم تتم إدانته. ويرى أنصار القروي أن عملية توقيفه كانت مهينة، واتهموا رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أحد أبرز المرشحين للرئاسة، بالوقوف خلف توقيفه. إلا أن الشاهد أكد على استقلالية القضاء التونسي وعدم التدخل فيه. وتتواصل حملات القروي الانتخابية، التي تقوم بها زوجته سلوى السماوي، وعدد من قيادات حزبه. ولذلك سيكون الوضع غريباً إذا نجح القروي في تخطي الدورة الأولى من الانتخابات.
كما يتنافس على الانتخابات وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، الذي أعلن استقالته من الحكومة، من دون أن تقبل الاستقالة، فيما فوّض رئيس الحكومة صلاحياته خلال فترة الحملة الانتخابية إلى وزير الوظيفة العمومية كمال مرجان.
وبين المرشحين أيضاً الأستاذ الجامعي قيس سعيّد، والمناضل الحقوقي خلال فترة حكم بن علي، محمد عبّو. كما تخوض السباق امرأتان، هما المحامية ورافعة لواء مناهضة الإسلاميين والدفاع عن نظام بن علي، عبير موسى، ووزيرة السياحة السابقة وامرأة الأعمال سلمى اللومي. وتختتم الحملة الانتخابية ليلة اليوم (الجمعة)، من دون أن تتضح بعد صورة الفائز، أو من سيمرّ للدور الثاني.
وخلال السجال السياسي بين المرشحين، الذي حصل عبر مناظرات تلفزيونية غير مسبوقة، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر أثير الراديو، أبدى التونسيون اهتماماً لافتاً لسماع برنامج المتنافسين، وهو ما يرشح فرضية تسجيل نسبة مشاركة مهمة في الانتخابات، مقارنة بانتخابات سابقة، وقد تابع ما بين مليونين إلى 3 ملايين مشاهد المناظرات التلفزيونية، التي بثّها التلفزيون الحكومي السبت الماضي، والتي ردّ فيها 24 مرشحا من أصل 26 على أسئلة اعتمدت وفقاً للقرعة، واستمرت المناظرات 3 أيام.
واحتلت المواضيع المتعلقة بالأزمة الاجتماعية والاقتصادية مساحة كبيرة من المواضيع، التي طرحت خلال الحملة الانتخابية، على اعتبار أن جلّ الشباب التونسي يعاني من نسبة بطالة تتجاوز 15 في المائة، وارتفاعاً في الأسعار، وتضخماً أرهق كاهل المواطن من الطبقات الاجتماعية الوسطى والفقيرة. وفي تقدير كريشان، فإن «الكثير من المرشحين لا يتنافسون من أجل السلطة، بل من أجل التحكم في دواليب الدولة والقيام بمشروعاتهم».
ولأن صلاحيات الرئيس محدودة في تونس، فقد كثر الجدل في الآونة الأخيرة بين المرشحين على ضرورة تغيير النظام البرلماني المزدوج، القائم في البلاد، وفقاً لدستور 2014 بهدف منح صلاحيات أوسع للرئيس. وقد قدمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات موعد الانتخابات الرئاسية، إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي.
وستشهد تونس انتخابات تشريعية في 6 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والمرجحة قبل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، في حال عدم فوز مرشح منذ الدورة الأولى. وبالتالي ستتأثر نتائج الانتخابات الرئاسية النهائية حتماً بنتائج «التشريعية».
وقد شرعت هيئة الانتخابات في توزيع 14 ألف صندوق انتخاب على 4564 مركز اقتراع، مدعمة بحماية عسكرية. وستقام عمليات الفرز في كل مكتب اقتراع. ومن المنتظر أن تقوم منظمات غير حكومية ومراكز سبر آراء بنشر تكهناتها الأولية، على أن تقدم الهيئة النتائج الأولية يوم 17 سبتمبر (أيلول) الحالي.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».