ثلاثة إصدارات جديدة تحيي الذكرى الـ11 لغياب كامل شياع

ثلاثة إصدارات جديدة تحيي الذكرى الـ11 لغياب كامل شياع
TT

ثلاثة إصدارات جديدة تحيي الذكرى الـ11 لغياب كامل شياع

ثلاثة إصدارات جديدة تحيي الذكرى الـ11 لغياب كامل شياع

بعد 11 عاماً على جريمة اغتياله، 23 أغسطس (آب) 2008، وضمن إحياء فكر الباحث والمثقف العراقي كامل شياع (1954 - 2008)، صدر مؤخراً عن «دار المدى» في بغداد/بيروت ثلاثة عناوين لافتة تجمع أوراقا وبحوثا ودراسات ونقاشات خاضها الراحل قبل غيابه المبكر. ومثلما سبق للدار ذاتها أن أصدرت أطروحته الموسومة «اليوتوبيا معياراً نقدياً» (2012)، ها هي تعيد الكرة ومن خلال تبنيها مشروعا طموحا ظهر منه الآن «الفلسفة الغربية ومفترق ما بعد الحداثة» و«قراءات في الفكر العربي والإسلامي» و«تأملات في الشأن العراقي»، فيما سيصدر لاحقاً كتابا «أوراق كامل شياع في الشأن الثقافي.. الرواية والفن والشهر» و«رسائل وأمكنة».
يساجل الراحل في كتابه الأول «الفلسفة العربية ومفترق ما بعد الحداثة» أبرز الأفكار الفلسفيَّة التي شغلت أوروبا بأسئلة ظلت تبحث عن أجوبة شاملة وجامعة، ومن خلال ثلاثة فصول حملت «توالد الأسئلة من الأجوبة»، وضمت دراسته «مدرسة فرانكفورت» التي قدمها معهد لوفان للفلسفة نهاية ثمانينات القرن الماضي، وتناول في فقراته التالية ماضي الفلسفة وروادها المحدثين وتتوقف عند اشتغالات كارل بوبر والفرنسي لوي التوسير وإزايا برلين. فيما يفرد الفصل الثاني محتوياته إلى «عُقد التاريخ وأسئلة الحاضر»، ويبدأه بدراسته المهمة المقدمة إلى مسابقة دولية نظمتها مجلة «ليتر إنترناسيونال» الألمانية بمناسبة اختيار مدينة فايمار عاصمة للثقافة الأوروبية. وفي الفصل ذاته يحاور أطروحات فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية «نهاية التاريخ»، ومثله صاموئيل هينغتون وتوفلر وفيتغشتاين، ويختتمه بقراءة لخلاصات ما توصل إليه أنتونيو نيغري في كتابه المهم «إمبراطورية». في حين شمل الجزء الثالث ما حملته نظرية ما بعد الحداثة من وعود ونقود في آن، إذ ترد كتابات فريدريك جيمسون، وتيري ايغلتون، وغيرهما.
ويركّز الكتاب الثاني «قراءات في الفكر العربي والإسلامي» على العقلاني واللاعقلاني ضمن بحوث واشتغالات علماء الدين والفلاسفة المسلمين وعبر بحث أكاديمي قدمه إلى معهد الفلسفة في لوفان، ثم ينتقل إلى مناقشة أفكار الشاعر أدونيس والمفكر المغربي محمد عابد الجابري واشتباكهما الفكري عبر بحث مطول حمل «أدونيس والجابري: أين يلتقيان وأين يختلفان»، وخص كتابات جورج طرابيشي، «المساجل البارع» كما وصفه، بالكثير من الأهمية. خلاصات هذا الكتاب تقول إن اللحظة الراهنة وما تشهده من تصعيد للهويات الدينية والقومية والإثنية والعرقية وتحولها إلى مشروعات سياسية، قابلها عجز فكري عن تصور الاجتماع البشري كاجتماع مدني يستند على مقولات المواطنة والمساواة والحقوق المدنية، لذلك استعان لحيازة السلطة بالتمثيل الحصري لجماعات دينية أو مذهبية أو عرقية، لكسب الشرعية السياسية.
ويتناول في كتابه الثالث «تأملات في الشأن العراقي» أزمة الخليج الثانية إبان غزو النظام الديكتاتوري السابق لدولة الكويت وما ترتب عليه. ويقارب تمثلات الديكتاتور عبر الصورة والكلمة في الحرب، ومثله يُشرح خطاب الاستبداد عبر لغة عالية في مضمونها وأسلوبيتها، فضلاً عن توقفه عند تأويلات ثورة 14 تموز 1958 التاريخية، ومثلها موجة «العنف الذي اجتاحنا بقوّته الكاسحة دفعة واحدة»، ويختتمه بفصل «بعد أربعة عقود من المحنة: حالة البيئة والتراث المعماري في العراق».



كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».